رئيس مجلس الاحتياطي يشير إلى مخاطر ضخ مزيد من الأموال في الاقتصاد الأميركي

الخطوة الجديدة ستشجع النمو المحلي.. ولكن ستكون لها تأثيرات بعيدة تتجاوز الحدود الأميركية

بن برنانكي رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (رويترز)
TT

كشف رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي بن برنانكي، أول من أمس، عن المخاطرة التي يستعد المصرف المركزي للقيام بها، وذلك بضخ المزيد من الأموال لدعم الانتعاش الذي لا يزال هزيلا.

وفي تصريحات رسمية، أدلى بها في بوسطن، شرح برنانكي وجهة النظر التي تشكلت بالتدريج خلال عدة شهور، وقال: إن الاحتياطي الفيدرالي يأمل في تهدئة الجدل الدائر حول الخطوة المقبلة التي سيتخذها وأن يعد الأسواق إلى احتمالية ضخ المزيد من الأموال داخل الاقتصاد عن طريق استئناف عمليات شراء الديون الحكومية وربما الخاصة.

وتهدف الخطوة الجديدة إلى خفض معدلات الفائدة قصيرة المدى وتشجيع النمو، ولكن ستكون لها تأثيرات بعيدة تتجاوز الحدود الأميركية؛ فقد تؤدي إلى إضعاف قيمة الدولار وتعقد النزاع المستعر حول سعر العملة والذي يهدد بالتشويش على العلاقات التجارية الدولية.

وبالنسبة للأميركيين، فإن قيام الاحتياطي الفيدرالي بخطوة جديدة يعني أن معدلات الفائدة المنخفضة بالفعل على الرهون العقارية لأجل 30 عاما، سوف تهبط بصورة أكبر، ولن تكون هذه الخطوة في صالح الكثير من المدخرين؛ حيث من المتوقع أن تؤدي أيضا إلى انخفاض أرباح شهادات الإيداع وسندات الادخار. ولكن الاحتياطي الفيدرالي يأمل في أن جعل خفض تكلفة الائتمان سيشجع رجال الأعمال والمستهلكين على الاقتراض والإنفاق، وهو ما قد يحدث نوعا من الانتعاش لسوق العمل. وتصريحات برنانكي، في المؤتمر الذي نظمه المصرف الاحتياطي الفيدرالي في بوسطن، أكدت توقعات المحللين في وول ستريت أن لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية ستقر اتخاذ خطوات جديدة في اجتماعها المقبل الذي يعقد خلال يومي 2 و3 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

وقال محللون: إن السؤال الآن ليس ما إذا كان الاحتياطي الفيدرالي سيستأنف استراتيجية شراء الديون، المعروفة باسم التيسير الكمي، ولكن: كم سيشتري؟ وبأية وتيرة؟ وهو ما لم يقدم برنانكي أي تفاصيل عنه.

وقد تجاهلت أسواق الأسهم، التي شهدت ارتفاعا منذ اتخاذ الاحتياطي الفيدرالي خطوة إضافية في أغسطس (آب) لتخفيف القيود النقدية، إلى حد بعيد، تصريحات برنانكي، على الرغم من أن جهود التحفيز الجديدة ستؤدي، على الأرجح، إلى ارتفاع أسعار الأسهم، على الأقل في المدى القصير. وأغلقت الأسهم عند مستويات مختلفة؛ حيث شهد مؤشر «داو جونز» الصناعي انخفاضا طفيفا، بينما ارتفع مؤشر «ستاندرد أند بورز» 500 - بمستوى طفيف.

وقد قام الاحتياطي الفيدرالي، في الماضي، بتغيير معدلات الفائدة في أوقات غير متوقعة بالنسبة للسوق. ولكن في هذا الوقت الصعب بالنسبة للاقتصاد، كان عليه أن يقوم بإعلان تحركاته بصورة مسبقة بوقت كاف حتى لا يزعج الأسواق أو الاقتصادات الرئيسية الأخرى.

كانت التوقعات الاقتصادية التي تحدث عنها برنانكي صعبة؛ حيث قال إن معدل النمو كان «أقل مما نود»، وإن معدل البطالة من المرجح أن «ينخفض ببطء فقط» في العام المقبل، حتى مع اكتساب الانتعاش بعض الزخم.

وقد ركز تحليل برنانكي على «التفويض المزدوج» للاحتياطي الفيدرالي، لزيادة فرص العمل المتاحة وتحقيق استقرار في الأسعار إلى أقصى حد. وقال: إن التضخم كان «منخفضا جدا» بالنسبة للمعدل المطلوب والذي يبلغ «2% أو أقل قليلا»، وإن معدل البطالة «كان مرتفعا للغاية بصورة واضحة»، بالنسبة لتوقعات مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي على المدى الطويل والتي تتراوح بين 5 و5.25%.

وقال برنانكي: «على ضوء أهداف اللجنة، يوجد مبرر لاتخاذ إجراءات أخرى».

وأشار برنانكي إلى أن أحد المقاييس الرئيسية للتضخم - وهو مؤشر الأسعار لنفقات الاستهلاك الشخصي، والذي يستبعد أسعار المواد الغذائية والطاقة - قد انخفض إلى نحو 1.1% خلال الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام، مقارنة بنحو 2.5% في المراحل الأولى من الركود.

وقال برنانكي، معلقا على الجدال الذي شغل مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي، إنه يدعم وجهة نظر أولئك الذين يرون أن ارتفاع معدل البطالة (9.6%) هو نتيجة للانكماش الحاد في الطلب الاقتصادي الذي أعقب الأزمة المالية، وليس بسبب عوامل هيكلية مثل عدم التطابق بين مؤهلات العمال والمهارات المطلوبة من قبل أرباب العمل.

لكن برنانكي اعترف، بمزيد من الصراحة أكثر من التي يتمتع بها مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي في العادة، بوجود توتر بين شطري «التفويض المزدوج» للاحتياطي الفيدرالي.

وقال: «في حين أن صانعي السياسة النقدية لديهم القدرة بشكل واضح على السيطرة على معدل التضخم على المدى البعيد، فإنهم ليست لديهم سيطرة تذكر على معدل البطالة على المدى البعيد والذي يتحدد دائما عن طريق العوامل الديموغرافية والهيكلية وليس من خلال السياسة النقدية».

وخلال المقابلات، قدم خبراء الاقتصاد المشاركون في المؤتمر هنا ردود فعل متباينة. وقال ميكي دي ليفي، كبير الاقتصاديين في مصرف «بنك أوف أميركا»: «إن الاحتياطي الفيدرالي يحاول تحقيق الكثير.. إنهم يريدون تحفيز الطلب، لكن هناك الكثير من العوامل غير النقدية التي تعوق الاقتصاد، بما في ذلك الرهون العقارية المتعثرة، وحبس الرهن، وحاجة الأسر إلى الادخار، ومجموعة كبيرة من العوامل التي تمنع الشركات من توظيف عمال جدد».

لكن جون تايلور، وهو اقتصادي في مؤسسة ستانفورد، اختلف مع استنتاجات برنانكي، قائلا: «من وجهة نظري، فإن التحليل المبني على التكاليف والمكاسب يرى أنه لن يكون من المجدي القيام بتيسير كمي كبير؛ لأن مكاسبه ستكون صغيرة جدا، من حيث التأثير على أسعار الفائدة».

لكن لورانس ماير، المحافظ السابق بمصرف الاحتياطي الفيدرالي، دافع عن موقف برنانكي، قائلا: «إذا تعرض الاقتصاد لصدمة سلبية، أو استمر في النمو ببطء كما كان حاله، فإنه سينزلق نحو الانكماش. لا يمكن أن يقف الاحتياطي الفيدرالي يتفرج من دون اتخاذ أي إجراء»، وينبغي أن يواصل الإجراءات إضافية «ما دامت لها تأثير، حتى لو كان صغيرا».

وقال دين ماكي، رئيس الخبراء الاقتصاديين في مؤسسة «باركليز كابيتال»: إن قيام الاحتياطي الفيدرالي بالمزيد من الخطوات «يجب أن يكون له أثر إيجابي على النمو الاقتصادي، على الرغم من أن مدى هذا الأثر غير مؤكد».

وقد خفض الاحتياطي الاتحادي أسعار الفائدة قصيرة الأجل إلى ما يقرب من الصفر في ديسمبر (كانون الأول) عام 2008، وبعد ذلك قام بأول خطوة للتيسير الكمي مع بداية عام 2009، وبحلول أبريل (نيسان) من هذا العام، اشترى 1.7 تريليون دولار من الديون المرتبطة بالرهن العقاري وسندات الخزينة ليضغط على أسعار الفائدة طويلة الأجل باتجاه الهبوط.

ومع الربيع، كان الاحتياطي الفيدرالي يدرس متى وكيف سيبدأ إجراءات رفع أسعار الفائدة، لكن مع تعثر الانتعاش عكس الاحتياطي الفيدرالي الأمر، وبنهاية هذا الصيف كان يدرس أفضل السبل لدعم الانتعاش.

وحذر برنانكي من أن «السياسات غير التقليدية لها تكاليف وقيود يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند الحكم على مدى وكيفية استخدامها».

واعترف بأن استراتيجية شراء الديون لم تختبر إلى حد كبير: «لدينا خبرة أقل بكثير في الحكم على الآثار الاقتصادية لهذه السياسة، ما يجعل من الصعب تحديد الكمية المناسبة ووتيرة عمليات الشراء وتفسير هذه السياسة للجمهور».

واعترف بالخوف من أن شراء الأصول الجديدة قد «يقلص ثقة الرأي العام» في قدرة الاحتياطي الفيدرالي على تأمين العودة السلسة في النهاية إلى السياسة النقدية التقليدية، ما قد يؤدي إلى «زيادة غير مرغوبة في توقعات التضخم»، لكنه قال إنه واثق من أن الاحتياطي الفيدرالي يمكنه تشديد السياسة عندما يحين الوقت.

وبجانب تبني المزيد من إجراءات التيسير الكمي، فإن الاحتياطي الفيدرالي يمكن أن يتحدث عن نيته بإبقاء أسعار الفائدة قصيرة الأجل متدنية لفترة أطول مما تتوقع الأسواق، ويمكن أن يساعد على خفض معدلات الفائدة طويلة المدى، ما يعكس جزئيا توقعات مستقبل أسعار الفائدة قصيرة الأجل. ولكن يبدو أن برنانكي غير راغب في اللجوء لهذا الخيار، فقد قال إنه سيكون من الصعب الحديث عن هذه النية «بدقة كافية مع تحديد الشروط اللازمة لتحقيقها».

* خدمة «نيويورك تايمز»