ضعف الدولار يخدم الولايات المتحدة على كل الأصعدة ويخفف مخاوف الانكماش

سجلت ثاني أكبر عجز في ميزانيتها عبر تاريخها >67 مليون دولار غرامة في حق الرئيس السابق لشركة رهن عقاري أميركية

TT

يعتبر تراجع سعر الدولار مفيدا للولايات المتحدة على جميع الأصعدة، إذ يسمح بدعم النمو ويحفز في الوقت نفسه تضخما مطلوبا، في ظل اقتصاد يخشى انهيارا في الأسعار. وحين تكون عملة بلد ما ضعيفة، فهذا يعتبر بصورة عامة مكسبا للمصدرين الوطنيين، إذ يمنح منتجاتهم في الخارج أفضلية عن منتجات الدول الأخرى، على صعيد مقارنة الأسعار. وفي وقت يسجل فيه ضعف في الطلب الداخلي الأميركي يتوقع أن يستمر لفترة من الوقت! فإن التراجع المسجل مؤخرا في سعر الدولار يمكن أن يحرك انتعاشا اقتصاديا ما زال ضعيفا من خلال تشجيع الصادرات. غير أن تنافسية سعر صرف العملة الوطنية لديها انعكاس سلبي، إذ تتسبب عادة في تضخم في البلد الذي يشهد تراجعا في سعر عملته، إذ تزيد من تكلفة المواد المستوردة. لكن في ظل الظروف الاقتصادية الخاصة بالولايات المتحدة فإن ذلك يتحول إلى مكسب، إذ يعتبر مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) أن التضخم الحالي ضعيف إلى حد يدعو إلى القلق، وهم يسعون بكل الوسائل لتجنب انكماش معمم في الأسعار والرواتب! مما سيشكل في حال حصوله كارثة يكون الخروج منها في غاية الصعوبة. وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، كتب محللو شركة الاستثمارات «أوريل أي تي سي بولاك» في دراسة بعنوان «دولار ضعيف من دون عواقب؟» أن التضخم الناتج عن انخفاض سعر الدولار «يخفف الضغوط الانكماشية على المنتجين المحليين. ومن الواضح أن هدف الاحتياطي الفيدرالي تحريك التوقعات التضخمية». والتراجع الحالي في سعر صرف الدولار مرتبط إلى حد بعيد بالسياسة النقدية التي يعتمدها الاحتياطي الفيدرالي، إذ يعلن بشكل واضح تصميمه على إبقاء معدلات فوائده قريبة الأجل في أدنى مستوياتها لفترة طويلة، ويتحدث حتى عن اتخاذ تدابير إضافية لخفض المعدلات بعيدة الأجل أكثر مما هي عليه. وإذا أضيف إلى كل ما سبق ضعف الانتعاش الاقتصادي! فإن الولايات المتحدة تفقد من جانبها في نظر المستثمرين الذين سيتوجهون إلى بلدان أخرى بحثا عن مردود أكبر! مما يسهم أيضا في تراجع الدولار. والإجراءات التي يدرسها الاحتياطي الفيدرالي تقضي بزيادة السيولة وتيسير القروض وفق ما يعرف بـ«التدابير غير التقليدية». وازداد احتمال لجوء الاحتياطي الفيدرالي إلى هذه الوسيلة أول من أمس الجمعة، حين اعتبر رئيسه بن برنانكي أن مستوى النمو الاقتصادي والتضخم منخفض إلى حد خطير. وبلغ سعر صرف الدولار منذ مطلع الشهر الحالي أدنى مستوياته منذ يناير (كانون الثاني)، بالنسبة إلى سلة من العملات الأجنبية الكبرى، وقد أسهمت تصريحات برنانكي في تراجعه.

ويرى محللو «مورغان ستانلي» أن «النتيجة غير المقصودة أو الضمنية ولو أنها مفيدة! لضخ المزيد من السيولة ستكون الإبقاء على الضغوط التي بدأت تظهر في اتجاه تراجع سعر الدولار لفترة طويلة من الزمن». وهذا ما أقر به أحد مسؤولي البنك المركزي إريك روزنغرن الخميس الماضي. وقال ردا على صحافي في شبكة «سي إن بي سي» سأله إن لم يكن يخشى أن يؤدي تدخل جديد لمؤسسته في الأسواق إلى إضعاف الدولار لفترة طويلة! أن «إحدى معطيات المشكلة الواجب علينا حلها هو أن نسبة التضخم ضعيفة أكثر مما ينبغي». وهذا يعني أن كل الوسائل ممكنة لتحريك التضخم. وفي وقت تتصاعد فيه المخاوف من حرب عملات تشنها القوى الاقتصادية الكبرى من خلال تخفيض سعر عملاتها لدعم صادراتها! رأى ينس نوردفيغ، الخبير الاقتصادي في شركة السمسرة اليابانية «نومورا»، أنه من غير المتوقع أن تواجه سياسة الاحتياطي الفيدرالي اعتراضات في العالم. وتساءل «من الذي يمكن أن يبدي مأخذا على الولايات المتحدة؟»، مضيفا أن «كل من يحرص على صحة الاقتصاد العالمي يود أن تتجنب أميركا انكماشا ماليا». وظل العجز في ميزانية الحكومة الأميركية في مستوى قياسي مرتفع عام 2010، ليمنح مزيدا من الذخيرة للمعارضة الجمهورية قبل أقل من ثلاثة أسابيع على انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي.

وبلغ إجمالي العجز في الميزانية 1.294 تريليون دولار في العام المالي المنتهي في 30 سبتمبر (أيلول)، وهو ثاني أكبر عجز في تاريخ ميزانية الولايات المتحدة، بعد العجز الذي سجلته عام 2009 وبلغ 1.426 تريليون دولار، حسبما ذكرت وزارة الخزانة أول من أمس الجمعة. وتسببت نسبة البطالة التي تبلغ 9.6 في المائة في الحد من تدفق الإيرادات الضريبية. كما أنفقت الحكومة الأميركية ما لا يقل عن 1.5 تريليون دولار منذ الأزمة المالية عام 2008 من أجل إنقاذ البنوك واثنتين من شركات السيارات ومحاولة تحفيز الاقتصاد. ويتوقع أن تسجل الميزانية الأميركية عجزا هائلا آخر في عام 2011.

وقال وزير الخزانة تيموثي جايتنر، في بيان: «لا يزال أمامنا طريق طويل لنقطعه لإصلاح الضرر الذي لحق بالاقتصاد ومعالجة العجز طويل المدى الناجم عن الأزمة».

ويأتي هذا قبيل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي المقررة في 2 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وستدفع هذه الأخبار السيئة الجمهوريين ونشطاء حركة حفلة الشاي (تي بارتي) المعارضة إلى تعزيز سعيهم للإطاحة بالحزب الديمقراطي، الذي ينتمي إليه الرئيس الأميركي باراك أوباما، ومنعه من الحصول مجددا على الأغلبية التي يتمتع بها حاليا في الكونغرس. وعلى صعيد البورصة، صعدت أسهم قطاع التكنولوجيا الأميركي أول من أمس الجمعة، عند الإغلاق بفضل نتائج أعمال شركة «غوغل» في الربع الثالث، التي جاءت أفضل من المتوقع، كما ارتفع مؤشر «ستاندرد آند بورز» الأوسع نطاقا.

وتراجع مؤشر «داو جونز» الصناعي القياسي بسبب انخفاض أسهم البنوك وسط مخاوف بشأن ممارسات حبس الرهن المثيرة للتساؤل. وكانت مؤشرات «وول ستريت» الرئيسية الثلاثة قد انخفضت الخميس الماضي، متأثرة بالمخاوف إزاء التحقيق المنتظر في هذه القضية.

وهبط مؤشر «داو جونز» الصناعي القياسي بمقدار 31.79 نقطة أي بنسبة 0.29 في المائة، ليصل إلى 11062.78 نقطة. بينما ارتفع مؤشر «ستاندرد آند بورز» الأوسع نطاقا 2.38 نقطة، أي بنسبة 0.2 في المائة، ليغلق عند 1176.19 نقطة. وأضاف مؤشر «ناسداك» المجمع لأسهم التكنولوجيا 33.39 نقطة، أي بنسبة 1.37 في المائة، ليغلق عند 2468.77 نقطة.

وفي أسواق العملة، ارتفع الدولار أمام اليورو ليسجل 71.57 سنت يورو، مقابل 71.05 سنت يورو عند الإغلاق الخميس الماضي. بينما انخفضت العملة الأميركية أمام نظيرتها اليابانية لتصل إلى 81.45 ين، مقابل 81.49 ين يوم الخميس الماضي.

من جانب آخر، صدر أول من أمس الجمعة، حكم بتغريم أنجيلو موزيلو، الرئيس التنفيذي السابق لشركة «كانتريوايد فاينانشيال كورب» المالية 67 مليون دولار، في واحدة من أقصى العقوبات المتعلقة بالأزمة المالية في الولايات المتحدة.

ووافق موزيلو، 71 عاما، على دفع الغرامة الضخمة لتسوية اتهامات له من قبل لجنة الأوراق المالية والبورصة، بأنه ضلل المستثمرين.

كان من المقرر إجراء المحاكمة يوم 19 أكتوبر (تشرين الأول)، إلا أن موزيلو واثنين آخرين من مسؤولي الشركة الذين توصلوا إلى تسويات، لم يكونوا قد أقروا بارتكاب مخالفات، حسبما ذكرت وكالة بلومبرج للأنباء المالية.

وأقامت اللجنة دعوى قضائية ضد المسؤولين الثلاثة في يونيو (حزيران) 2009، متهمة إياهم بخداع المستثمرين، وطمأنتهم بشأن القروض التي تقدمها «كانتريوايد»، على الرغم من علمهم أن النمو الذي تحققه الشركة جاء نتيجة عدم الالتزام بمعايير الرهن العقاري، والقروض التي تتسم بمخاطرة عالية.

وقالت اللجنة في بيان: إن هذه هي أكبر غرامة تسدد حتى الآن من قبل مسؤول كبير بإحدى الشركات المالية العامة في إطار تسوية معها.