السعودية تحتفل بمرور نصف قرن على تأسيس اللاعب الأكبر في سوق الطاقة العالمية

خبراء دوليون يناقشون دور المملكة في «أوبك» على مدى 50 عاما

جانب من الاجتماع الأول لـ«أوبك» عام 1960 (أرشيف أوبك)
TT

تشهد العاصمة السعودية الرياض اليوم تجمعا دوليا لخبراء البترول والطاقة، يتم خلاله مناقشة علاقة السعودية التاريخية بمنظمة «أوبك»، والجهود التي بذلتها المملكة في استقرار سوق الطاقة العالمية وخدمة اقتصاديات العالم، حيث تنظم وزارة البترول والثروة المعدنية السعودية ندوة بترولية، على هامش احتفال المملكة بمرور 50 عاما على إنشاء منظمة الـدول المصدرة للبترول (أوبك) التي تعتبر اللاعب الأكبر في سوق الطاقة العالمية والمحافظة على استقراره.

ويناقش المسؤولون والخبراء في قطاع الطاقة العالمية محاور ومواضيع عن علاقة السعودية التاريخية بمنظمة «أوبك»، وجهودها في استقرار سوق الطاقة وخدمة اقتصاديات العالم من خلال أوراق عمل يقدمها عدد من الوزراء والخبراء من المنظمات الدولية المعنية بشؤون البترول والغاز والصناعات ذات العلاقة، إلى جانب وزراء بترول ومالية سعوديين سابقين.

وتشارك كبريات شركات النفط والغاز والصناعات البتروكيماوية وشركات التسويق والخدمات ذات التخصص في معرض الرياض الدولي للبترول والغاز والصناعات البتروكيماوية، الذي سيعقد على هامش الندوة الدولية.

وسيشارك في جلسات النقاش للندوة الدولية، التي سوف تقام على مدى يومين كل من الأمير عبد العزيز بن سلمان مساعد وزير البترول والثروة المعدنية لشؤون البترول، ومحمد العلي أبا الخيل وزير المالية السعودي الأسبق، وهشام محي الدين ناظر، سفير خادم الحرمين الشريفين في مصر، والدكتور عبد الرحمن التويجري رئيس هيئة سوق المال والدكتور عبد الله البدري أمين عام منظمة «أوبك»، بالإضافة إلى مشاركة نخبة من الخبراء والباحثين الدوليين ذوي الخبرة الطويلة في مجال النفط والطاقة.

وستشتمل محاور الندوة الدولية للطاقة خلال اليوم الثاني محور البعد التاريخي للمملكة العربية السعودية ومنظمة «أوبك»، التي يشارك فيها المهندس علي النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية، بالإضافة إلى محور دور المملكة الحالي والمستقبلي في منظمة «أوبك»، التي يتحدث فيها عبد الله بن صالح جمعة رئيس شركة «آرامكو» السابق.

في حين يشهد اليوم الثالث من الندوة مناقشة محاور العلاقات بين «أوبك» والمنظمات العالمية الأخرى، التي يرأسها الأمير عبد العزيز بن سلمان، ويشارك فيها المهندس عبد الله البدري الأمين العام لمنظمة «أوبك»، وأخيرا محور الدور المستقبلي لـ«أوبك» في سوق البترول العالمية.

ويأتي تنظيم هذه الندوة والمعرض الدولي المصاحب لها، في أعقاب احتفال منظمة «أوبك» بمناسبة مرور خمسين عاما على تأسيسها، الذي انطلق يوم الخميس 14 سبتمبر (أيلول) الماضي في فيينا بحضور ممثلين لجميع الدول الأعضاء في المنظمة.

وللمملكة دور إيجابي في تاريخ ونشأة منظمة الـدول المصدرة للبترول (أوبك)، فهي من الدول الخمس المؤسسة لهذه المنظمة، بجانب كل من الكويت والعراق وإيران وفنزويلا، وتلا ذلك انضمام الكثير من الدول لهذه المنظمة التي أصبحت تضم الآن 12 دولة، وهي الجزائر وأنغولا والإكوادور وليبيا ونيجيريا وقطر والإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى الدول الخمس المؤسسة للمنظمة.

ويعد إنشاء هذه المنظمة حدثا تاريخيا بارزا ونقطة تحول في العلاقات البترولية والاقتصادية الدولية وكان ولا يزال مصدر تقدير من دول وشعوب العالم كافة، وقد استمرت هذه المنظمة على نهج أهدافها التي خطتها منذ إنشائها تجاه دولها والمجتمع الدولي بشكل مستمر بأن تحافظ على مصالح أعضائها، وتحقق دخلا مستقرا للدول المنتجة مع ضمان إمدادات مستقرة وذات كفاءة من البترول للمستهلكين، وتحقيق عائد عادل ومقبول للمستثمرين.

وتحرص السعودية وتؤكد في نفس الوقت دعمها الكامل للمنظمة الذي أدى مع دعم الدول الأعضاء إلى تطورها إلى كيان قوي قائم، وتسعى دوما لاستقرار أسواق البترول العالمية لتكون عادلة للمنتجين والمستهلكين على حد سواء، وبما يعزز بقاء البترول كمصدر طاقة رئيسي، ويخدم مصالح الدول المنتجة وشعوبها.

وكان عبد الله سالم البدري أمين عام «أوبك»، أشار في وقت سابق إلى أن منظمة الـدول المصدرة للبترول وهي تخطو خطواتها الأولى بعد إكمالها 50 عاما منذ إنشائها، لا تزال تواجه الكثير من تحديات تلازم صناعة دقيقة وحساسة كصناعة النفط في عالم متغير ومن ذلك وضع الأسواق وما تمر به من تغيرات حولتها في الغالب من أسواق «فيزيائية حقيقية» إلى أسواق «ورقية» هذا بالإضافة لمشاغل كثيرة تخص قضايا المناخ وقضايا التقنية، فيما أشار إلى أن الالتزام مقدور عليه لكونه في أيدينا.

وبالنسبة لـ«أوبك»، فقد سمع العالم للمرة الأولى اسم هذه المنظمة أثناء انعقاد مؤتمر بغداد خلال الفترة من 10 و14 سبتمبر 1960، وبثت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، نبأ تأسيس منظمة المصدرة للنفط (أوبك) وذلك كإجراء اتخذته الدول الخمس المؤسسة للمنظمة وهي: السعودية، إيران، العراق، الكويت، وفنزويلا، على قرار مجموعة من شركات النفط متعددة الجنسيات «الأخوات السبع» تخفيض سعر النفط الخام، ومنذ ذلك الوقت والمنظمة تكافح من أجل تحقيق سعر عادل للبرميل، ورفع عائدات النفط التي تمثل الدخل الرئيسي لدولها.

وقد جاء تأسيس «أوبك» في عام 1960 لينهي تدريجيا سيطرة مجموعة عرفت في ذلك الوقت بـ«الأخوات السبع»، وكانت مؤلفة من سبع شركات نفطية عالمية، هيمنت آنذاك على أسواق النفط، وسيطرت على الكميات المستخرجة والمباعة، متحكمة في الأسعار والجهات التي ستبيعها، ومن بين الشركات التي ضمتها مجموعة «الأخوات السبع» والتي لا تزال عاملة اليوم «أكسون موبيل» و«شيفرون» و«رويال داتش شل» و«بريتش بتريليوم».

وبسبب اتجاه هذه الشركات لتخفيض أسعار النفط في الأسواق، الأمر الذي رأت فيه الدول المنتجة إجحافا في حقها، اتجهت هذه الدول لحماية ثرواتها من النفط وعائداتها منه، مما استوجب في سبتمبر 1960 إعلانها تأسيس منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) في بغداد. وفي البداية اختيرت جنيف لاحتضان المقر الرئيسي للسنوات الخمس الأولى، لينتقل بعدها إلى فيينا في عام 1965.

وقد توسعت المنظمة، لتصبح اليوم 12 دولة، حيث انضمت للدول المؤسسة الخمس، كل من قطر 1961 إندونيسيا 1962، وعلقت عضويتها في يناير (كانون الثاني) 2009، ليبيا 1962، الإمارات العربية المتحدة 1967، الجزائر 1969، نيجيريا 1971، الإكوادور 1973، علقت عضويتها في يناير 1992 واستأنفتها في أكتوبر (تشرين الأول) 2007، أنغولا 2007، الجابون 1975 - 1994.

وولدت فكرة تأسيس «أوبك» قبل الإعلان عنها بنحو 20 عاما، وبحسب الباحث في شؤون النفط الدكتور أنس بن فيصل الحجي، الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» في وقت سابق، فقد كان من فكر فيها هو المفكر والفيلسوف ووزير النفط الفنزويلي ألفونسو بيريز، الذي كان يحمل هموم العالم الثالث على كاهله، كونه مهتما بشؤون التنمية. وكان وزيرا للتنمية في فنزويلا في أواخر الأربعينيات.

وإذا كانت فكرة تأسيس «أوبك»، من مبادرات وزير النفط الفنزويلي ألفونسو بيريز، فإن ثمة دورا رئيسيا في تنفيذ وتطبيق الفكرة قام به عبد الله بن حمود بن عبد الرحمن الطريقي، الذي عينه الملك سعود في عام 1960، العام نفسه الذي ولدت فيه «أوبك»، أول وزير للنفط في السعودية.

ويقول الحجي: «وجد ألفونسو بيريز آذانا صاغية في بعض الدول النفطية، خاصة من مسؤولي النفط المتعلمين من أمثال الشيخ عبد الله الطريقي، ووجدوا صدا من حكومات أخرى خوفا من بريطانيا، وتم تأسيس (أوبك) على أثر ذلك. إذن، كان هناك فكرة كبيرة عند ألفونسو لم ينجح في تطبيقها لمدة 20 عاما حتى توافقت مصالح السياسيين في فنزويلا الخائفين من منافسة النفط العربي مع مصالح الحكومات العربية التي كانت تهدف إلى إيقاف هبوط أسعار النفط وزيادة إيراداتها، كما توافقت مع أفكار عبد الله الطريقي الطامحة إلى قيام بلده باستغلال ثرواته بنفسه، والحصول على عائدات النفط كاملة، والتخلص من سيطرة شركات النفط العالمية، والتعاون مع الدول العربية في هذا المجال، وجعل مقولته (نفط العرب للعرب) واقعا ملموسا».

وكانت فكرة ألفونسو أكبر من هذه الدول، وأكبر من إمكاناتها، كما أن مصالح تأسيس «أوبك» كانت مختلفة من اليوم الأول، ولكن الهدف في النهاية كان واحدا، وهو الوقوف صفا واحدا أمام أطماع شركات النفط الأجنبية. ويمكن القول إن دوافع ألفونسو بيريز كانت فلسفية عالمية، ودوافع حكومته مالية، ودوافع الحكومات الأخرى مالية بحتة، بينما كانت دوافع الشيخ الطريقي وطنية قومية. كل هذه الأمور حاولت صياغة وتشكيل المولود الجديد، «أوبك»، الأمر الذي قد يفسر أحد أسباب تعثر «أوبك» في طفولتها. كما قد يفسر انطلاقها ونموها في اتجاه معين، بعد تركها لأفكار ألفونسو بيريز والطريقي.

وبالنسبة لـ«أوبك»، فقد شهدت أعوامها الخمسون عددا من الأحداث والتقلبات السياسية، أبرزها قرار حظر النفط بعد حرب أكتوبر 1973 بين العرب وإسرائيل، وهو القرار الذي دفع الدول الكبرى لتأسيس وكالة الطاقة الدولية في عام 1974.

كما دخلت منظمة «أوبك» في امتحان عصيب أثناء الحرب العراقية - الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات، ووصل فيه سعر النفط إلى أدنى مستوياته، كما شهدت المنظمة أحداثا كبرى أخرى، من بينها غزو العراق لدولة الكويت 1990، وغزو العراق 2003، وقد عملت المنظمة في جميع المخاضات التي واجهتها لضمان استقرار تدفق النفط. لكن المنظمة شهدت في عام 2008 حدثا بارزا تمثل في قرارها خفض الإنتاج بنحو 4.2 مليون برميل في اجتماع المنظمة الاستثنائي في الجزائر ديسمبر (كانون الأول) 2008، وهو ما شكل أكبر تخفيض شهدته المنظمة، للحفاظ على الأسعار.