هكذا نختبر تسرب المعلومات بالأسواق المالية

سعود الأحمد

TT

الحديث عن مشكلة تسرب المعلومات الداخلية.. والإجراءات التي يجب أن تتخذ لضبط هذه الممارسات، لا شك أنه مجال واسع ومحل اجتهاد. وأهمية هذا الأمر تنبع من حقيقة مالية (علمية وعالمية) متعارف عليه، أنه لا يمكن القول بوجود سوق مالية فاعلةInefficient Market أو سوق مالية منظمة Organization Market دون تنظيم للعمليات التي تتم بناء على تسرب معلومات داخلية Insider Information.

كما أن صعوبة الاتفاق على نهج واحد لمعالجة هذه المشكلة، تنبع من صعوبة تحديد (أو تعريف) من هم الأشخاص الداخليون بالشركات. بالنظر إلى شمولية التعريف العلمي للمصطلح، بأنه يشمل جميع من لهم حق الوصول للمعلومة المهمة ومعرفتها قبل نشرها للعامة مهما قصرت هذه المدة. وشمولية مصطلح المعلومات الداخلية التي يجب عدم تسريبها للمستثمرين، بما يستلزم تحديدا واضحا وعمليا يستند على تجارب الأسواق المالية المتقدمة ولا يغفل مرئيات الممارسين المحليين لهذا النوع من النشاط على الصعيد الرسمي وغير الرسمي.. ولا بأس من عمل استفتاء عام أو الإيعاز للصحف المحلية لعقد ندوات لمناقشة هذا الأمر حتى يمكن استخلاص تعريفات المعلومات الداخلية المهمة وذات الأثر على القرارات الاستثمارية.

لكن المهم هنا، أنه لكي نختبر أي سوق من حيث تسرب المعلومات. فقد قام أحد الباحثين بالدراسات العليا بجامعة الملك سعود، بعمل بحث تجريبي لأحداث مالية مهمة وإعلان لتحقيق أرباح صافية كبيرة لعينة من الشركات المساهمة، وقد أشرف على ورقة البحث الدكتور/ عبد الرحمن الحميد، وهو أستاذ المحاسبة والمراجعة (المتقاعد حاليا). وقد قدم البحث متابعة تاريخية لحركة سعر السوق لهذه الشركات التي حصلت بها الأحداث المالية. ودراسة معامل الارتباط Correlation الذي يمثل درجة تأثير إعلان الخبر على سعر السهم بالسوق المالية. وقد نتج عن الدراسة أن أسعار السوق لهذه الشركات تتأثر بهذه الأحداث (قبل) الإعلان عنها للعامة، وبتواريخ ودرجات متفاوتة!. مما يؤكد أن هناك فئة ممن يتعاملون بالسوق، تعلم قبل غيرها بحصول هذه الأحداث (وهنا مربط الفرس).. أي إن هناك فئة تستغل علاقاتها ومواقعها ومناصبها ببعض الشركات المساهمة لتبيع وتشتري بأسهم هذه الشركات بناء على المعلومة الداخلية التي تحصل عليها قبل غيرها!.

كما أشار البحث إلى أن هذا النوع من الممارسات المشينة، يعد في مجتمعات الأسواق المتقدمة من الجرائم الممقوتة أو المكروهة في حق المجتمع بأكمله Offence Trade، حيث يعرفونها كذلك!. كما شمل البحث فتوى من المفتي العام السعودي بعدم جواز هذه المعاملات.

ومن هنا يمكن لهيئة السوق المالية السعودية أن تستفيد من منهج مثل هذه البحوث لتطور بياناتها الإحصائية الدورية، لتصبح بيانات مالية رقابية تواكب الأحداث المالية المهمة. لترصد الوقائع لتقدم للمتعاملين بالسوق السعودية دراسة عملية تربط للعامة كل حدث مالي مهم مع تغير سعر السوق خلال فترة الحدوث والإعلان عنه. ومنه يمكن تسهيل مهمة متابعة ومحاسبة المتعاملين في السوق المالية بناء على معلومات داخلية.

ومما سبق... نخلص إلى أن من يرغب من الباحثين والمحللين لأوضاع السوق المالية من حيث درجة تسرب المعلومات (بأي بلد)، عليه أن يتابع سعر السوق للشركات التي تحصل بها أحداث مالية مهمة، ومنها بالطبع الإعلان عن أرباح أو توزيعات أو خسائر أو تخفيض لرأس المال وما شابهها من أحداث مالية مهمة.. ويقوم بمتابعة تغير سعر السهم بالسوق لهذه الشركات.. ومن ذلك يستطيع اختبار درجة تسرب المعلومات بهذا السوق.

* كاتب ومحلل مالي