الفرنك السويسري ينافس الذهب على جذب أموال الأثرياء.. ولكنه يضر باقتصاد البلاد

ارتفع 11% مقابل اليورو خلال العام الحالي

الصناعات السويسرية الدقيقة تأثرت بارتفاع الفرنك مقابل اليورو (رويترز)
TT

ينافس الفرنك السويسري الذهب على جذب أموال الأثرياء التي تبحث عن الأمان في لحظات الاضطراب أكثر من بحثها عن الأرباح، ولكنه يضر بالصناعات السويسرية. ويقول تجار سويسريون إن صناعاتهم الدقيقة من مجوهرات وساعات وآليات عالية التقنية باتت تحلق فوق القدرة الشرائية لزبائنهم. كما أن الفنادق والمطاعم وأماكن التسوق التي كانت تعج بالمتسوقين الأوروبيين في عطلات الأسبوع لم تعد مزدهرة وسط الارتفاع الكبير في سعر صرف الفرنك السويسري مقابل العملات الرئيسية، خاصة اليورو. وتشير تقارير مالية إلى أن البنوك السويسرية تدير أكثر من 27% من إيداعات حسابات «الأوفشور» وأن الموجودات التي جذبتها خلال الأعوام الأخيرة ارتفعت على الرغم من الضغوط العالمية. وتدخل البنك المركزي السويسري منذ بداية العام مرارا بشراء اليورو وبيع الفرنك أملا في خفض سعر صرف العملة السويسرية، ولكنه لم يفلح تحت سيل التدفق الكبير للأرصدة الأجنبية الهاربة من سفينة الدولار إلى مرافئ أمان محافظ البنوك السويسرية.

وعلى الرغم من أن الفنادق الفخمة ومحلات الساعات والتحف والمجوهرات الثمينة في شارع «بوهان ستراسا»، أغلى شوارع التسوق في زيوريخ ورصيفاته في المدن الأخرى لم تتأثر؛ لأن معظم روادها من الأثرياء، فإن المحلات التجارية الأقل فخامة في جنيف وزيوريخ وبازل بدأت تخفض أسعارها في سبيل الاحتفاظ بالزبائن.

وفي فندق «بريزدنت ويلسون هوتيل» الفخم المطل على بحيرة جنيف، حيث يساوي سعر مبيت ليلة واحدة في جناحه الفاخر «ذي إمبريال سويت» 23 ألف دولار، لم يتأثر معدل إشغاله بارتفاع الفرنك، ببساطة لأن النزلاء في هذا الفندق القريب من مباني المنظمات التابعة للأمم المتحدة معظمهم من كبار السياسيين وإن لم يكونوا من السياسيين، فهم من المليارديرات الذين لا يهتمون بإنفاق الآلاف مثلما يهتمون بالراحة والأمن والوجبات الطيبة. ولكن معدلات الإشغال في الفنادق فئة الـ4 نجوم التي يرتادها ذوو الدخول المتوسطة بدأت تتأثر بقوة الفرنك. وحسب مسح «ميرسر هيومان روسورسز» للاستشارات في نيويورك الأخير الذي نشرته دورية «إيكونومست إنتيليجنس» البريطانية، فإن زيوريخ وجنيف من أغلى البلدان في العالم بالنسبة للمهنيين، حتى قبل ارتفاع الفرنك الأخير والآن أصبحت أكثر غلاء بعد أن ارتفع الفرنك إلى أكثر من 1.457 يورو.

وقالت وكالة «توماس كوك» البريطانية للسفر والسياحة: «زائرو سويسرا من ذوي الدخول الوسطى وفوق الوسطى من أوروبا وأميركا الذين اعتادوا على النزول إلى مدن الألب الساحرة للاستمتاع بالطبيعة السويسرية الخلابة، أو للتزلج، يترددون الآن في الذهاب إلى سويسرا، خاصة زوار دول العملات المنهارة». فسعر وجبة «ماكدونالدز» في زيوريخ بات يساوي قرابة 14 دولارا، وسعر الغرفة في الفنادق من فئة 4 نجوم لا يقل عن 300 دولار في المتوسط في مدن سويسرا الكبرى.

وهذا الغلاء، الذي يضرب سويسرا منذ بداية العام، يعود في الأساس إلى تحليق الفرنك السويسري مقابل اليورو والدولار إلى أعلى مستوياته، ففي ختام تعاملات الجمعة الماضي أغلق الفرنك، لليوم الثالث على التوالي، عند أعلى سعر له منذ عام ونصف العام مقابل اليورو؛ حيث بلغ 1.4578 يورو، وذلك في أعقاب توقعات كبار تجار العملة أن «المركزي السويسري» أصبح يتساهل تجاه الفرنك القوي بعد أن تيقن أن الاقتصاد السويسري ينمو بوتيرة أسرع من التوقعات التي وضعها في السابق. وقال محللو بنك «يوني كريدي» في تحليلهم الفني الأخير: إن مستوى سعر صرف الفرنك الذي تحقق في إغلاق الجمعة، هو المستوى ذاته الذي أجبر «المركزي السويسري» في السابق على التدخل وإضعاف الفرنك. يُذكر أن البنك المركزي السويسري تدخل بقوة لإيقاف تقدم الفرنك في أعقاب خفض مؤسسة «ستاندرد آند بورز» للتصنيف الائتماني السيادي لليونان التي قاربت الإفلاس في الصيف الماضي. وفي قراءة مصرف «غولدمان ساكس» الأخيرة للعملات، التي حصلت عليها «الشرق الأوسط»، توقع المصرف الأميركي أن تشهد أسعار صرف الدولار المزيد من الضعف خلال الفترة المقبلة حتى تتضح آثار سياسة ضخ السيولة في الأسواق التي ينوي مصرف الاحتياط الفيدرالي تنفيذها خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وحتى تتضح كمية وحجم الموجودات التي سيشتريها البنك المركزي الأميركي من الشركات الأميركية وما ستتركه من آثار يعتقد مصرفيون أن تدفق أموال الأثرياء الهاربين من الدولار سيتواصل على الفرنك السويسري.

وتقدم سعر صرف الفرنك مقابل 12 عملة رئيسية في ختام تعاملات الأسبوع المنصرم مستفيدا من ضعف الدولار وتصريحات محافظ البندسبانك «المركزي الألماني» أكسل ألفريد ويبر، التي قال فيها إنه يعارض الدعم المالي والنقدي لاقتصادات دول المجموعة الأوروبية، وويبر مرشح رئيسي لرئاسة البنك المركزي الأوروبي. وفسر محللو عملات في لندن تصريحات ويبر، على أن سياسات المجموعة الأوروبية النقدية ربما تصبح متشددة تجاه دعم الأعضاء الذين يواجهون صعوبات مالية. وقال محللون يوم الجمعة إن سعر صرف اليورو ربما يتعرض لانتكاسة في حال عجز بعض الأعضاء عن تسديد أقساط الديون السيادية أو خدمات هذه الديون.

ويلاحظ منذ بداية الأزمة المالية أن الفرنك بدأ يرتفع على الرغم من محاولات البنك المركزي السويسري التدخل في سوق الصرف وبيع الفرنكات وشراء الدولار واليورو.

فأثرياء العالم، الذين كانوا يستثمرون في الدولار والموجودات الدولارية، يتخوفون من مستقبل «العملة الخضراء» التي ينحدر سعرها يوميا وتتآكل قيمتها الشرائية ويهربون من الدولار وموجوداته إلى «ملاذ آمن». ومنذ بداية الأزمة أصبح الفرنك السويسري والذهب والسلع والمعادن هي الملاذات الآمنة للاستثمار. ولكن الذهب الذي قارب حتى إغلاق الجمعة 1400 دولار للأوقية، وربما يواصل الارتفاع إلى 1500 دولار، يضع المستثمرون أمام مغامرة كبرى. ولكن كبار المستثمرين يتخوفون الآن من «فقاعة الذهب» في حال نجاح سياسة مجلس الاحتياط في إخراج الاقتصاد الأميركي من أنياب الركود والعودة إلى النمو. وفي حال حدوث مثل هذا السيناريو فإن المستثمرين سيعودون للاستثمار في الموجودات الدولارية على حساب الذهب. ويتخوف المستثمرون الآن من «فقاعة الذهب» التي تتضخم بسبب حرب العملات بين كبار مجموعة الـ7 التي تسيطر على جل التجارة العالمية.