التجسس الاقتصادي يقوم بدوره في الحرب التجارية بين الصين وأميركا

التجارة الجديدة في أسرار الشركات أكثر ربحية

يؤكد مسؤولو المخابرات الأميركية أن دولا مثل الصين وروسيا وإيران تسعى إلى الحصول على أحدث التقنيات («نيويورك تايمز»)
TT

تقول السلطات الفيدرالية إن هوانغ كيشو، يمثل نوعا جديدا من الجواسيس. فقد عمل هوانغ على مدى خمس سنوات في معمل «داو كيميكالز» بولاية إنديانا، لتطوير وسائل مكافحة الآفات، لكنه قبل أن يقال من عمله في 2008 كان هوانغ قد بدأ في مشاركة الباحثين الصينيين في أسرار داو، حيث حصل، كما تقول السلطات، على منح من المؤسسة التي تديرها الدولة في الصين بهدف عمل منافس هناك.

ويواجه هوانغ، المولود في الصين، والمقيم بصورة قانونية في الولايات المتحدة اتهامات جنائية نادرة بالضلوع في التجسس الاقتصادي لحساب الصين.

ويقول مسؤولو إنفاذ القانون في الولايات المتحدة إن هذا النوع من التجسس المتهم به هوانغ هو الجبهة الجديدة في الحرب من أجل المكاسب الاقتصادية.

ومع تكثيف الصين والدول الأخرى لجهودها في الحصول على التكنولوجيا الغربية. تواجه التكنولوجيا الغربية والصناعات الأميركية من الأسلحة التقليدية والأهداف التقنية المتقدمة خطر نقل أسرارها عبر موظفيها، كما تشير سجلات المحكمة. وعوضا عن الاعتماد على نقاط الإسقاط الميتة والإرشادات السرية من العملاء الحكوميين، تبدو التجارة الجديدة في أسرار الشركات أكثر ربحية، وتظهر جلية في السوق السوداء في أرجاء مختلفة من العالم، على حسب قول المدعين العامين الفيدراليين. ويرى المدعون العامون صعوبة في إثبات الصلات بحكومة أجنبية، لكنّ مسؤولي المخابرات يؤكدون على أن دولا مثل الصين وروسيا وإيران من بين الدول التي تسعى بقوة إلى الحصول على أحدث التقنيات. وقال لاني بروير، مساعد المحامي العام الأميركي والمسؤول عن القسم الجنائي في وزارة العدل: «في الاقتصاد العالمي الجديد، تمثل شركاتنا هدفا دائما للسرقة. ولكي نظل قادة الابتكار يجب أن نحمي أسرارنا التجارية».

وينفي هوانغ، 45 عاما، الذي يحاكم الآن بتهمة التجسس الاقتصادي، والتي تطبق للمرة السابعة في الولايات المتحدة، التهم المنسوبة له. وقد أقر الكونغرس قانون التجسس الاقتصادي عام 1996 لمواجهة التحول نحو التجسس الصناعي بعد الحرب الباردة، حيث اعتبر القانون سرقة الأسرار التجارية للشركات، مثل شفرات البرامج والتقدم المعملي، جريمة. وأشار القرار إلى أن الجريمة تعتبر سرقة أسرار الشركات تجسسا إذا ما نفذت السرقة من قبل حكومة أجنبية. وهناك أيضا تهم تجسس اقتصادي بحق جين هانجوان، مهندس برمجيات في شركة «موتورلا»، الذي اعتقل وهو يحمل حاسبا محمولا مليئا بوثائق الشركة أثناء صعوده على متن طائرة متوجهة للصين. وخلال العام الماضي تم توجيه اتهامات أخرى تشمل سرقة أسرار تجارية - وهي أقل خطورة من التجسس - ضد مهندسين سابقين في شركات «جنرال موتورز» و«فورد»، لديهم علاقات بالصين. وعلماء في شركات «ديوبونت كومباني»، و«فالسبار»، وشركة «مينيسوتا» للطلاء، والذين أقروا بارتكاب سرقة أسرار شركاتهم لصالح الصين. خلال أحدث قضيتي تجسس تتضمن شركات كمبيوتر، قال المتهمون إنهم رأوا فرصة في ربح المال وتصرفوا من تلقاء أنفسهم، لأنهم يعلمون أن هذه المعلومات ستكون مفيدة للشركات والوكالات الصينية. وخلال العديد من القضايا قدمت العديد من الوكالات الحكومية الصينية أو المؤسسات العلمية المال لإنشاء شركات أو أبحاث لتطوير الأفكار، وأن التمويل هو ما يرقي إلى التجسس الاقتصادي.

وقد قام الكونغرس بتكليف مفوضية مراجعي الأمن والاقتصاد الأميركي - الصيني، بدراسة قضايا الأمن القومي الناجمة عن العلاقات الاقتصادية مع الصين. وقالت المفوضية في تقريرها العام الماضي إنه حتى في الحالات التي لم تشهد تدخلا مباشرا من جانب المسؤولين الصينيين، فإن الحكومة الصينية كانت الممول الرئيسي للتكنولوجيا التي تم الحصول عليها عبر التجسس الصناعي. وقد نفت الصين ضلوع أي من وكالاتها الاستخبارية في الحصول على الأسرار الصناعية الأميركية. كما رفض وزير الخارجية الصيني التعليق على القضية، لكن متحدثا باسم مؤسسة صينية والجامعة التي عمل فيها هوانغ قال إنهم لم يكونوا يعلمون بأي تجسس.

وقال تشين يو، المتحدث باسم مؤسسة العلوم الطبيعية الصينية، والذي منح هوانغ الأموال اللازمة للقيام بالأبحاث هناك: «إذا كان الأمر صحيحا، فسوف نبدأ تحقيقاتنا الخاصة في القضية».

ويبدي المسؤولون الأميركيون والشركات خوفهم من تزايد التجسس الاقتصادي نتيجة لسعي الصين للحصول على المعرفة التقنية بدءا من الأنظمة الدفاعية ووصولا إلى التكنولوجيا التجارية للحياة اليومية.

يقول جيمس مولفنون، مدير مركز التحليل وأبحاث الاستخبارات في واشنطن، والذي يتعقب النشاطات الصينية تجاه الوكالات الفيدرالية والشركات: «بعد عقود من التركيز على عمليات التجميع الرخيصة التكاليف، تشعر الصين أنها بحاجة ماسة إلى تغيير مسارها لتصبح قوة تكنولوجية مستقلة». وأشار مولفنون إلى أن الصين تحاول اجتذاب آلاف العلماء الصينيين الذين تدربوا أو عملوا داخل الولايات المتحدة. وأضاف: «إنهم يفرشون السجاد الأحمر أمام هؤلاء الأشخاص».

مع ازدياد سهولة ارتكاب الجرائم الاقتصادية - والتي أصبحت في بعض الحالات بنفس سهولة تحميل بيانات والضغط على زر «إرسال» - يقول محللون محليون إن بعض الشركات الأميركية يجب أن تتحمل بعض اللوم عن السرقات التي تقع بسبب عدم فرضها رقابة مناسبة على موظفيها. مثلا، داخل «موتورولا»، تكشف وثائق المحكمة أن جين، مهندسة البرمجيات، قامت بتحميل وثائق تخص الشركة خلال إجازتين مرضيتين حصلت عليهما وعمدت إلى الدخول إلى الحواسب الآلية الخاصة بالشركة من الصين، حيث قابلت مسؤولين من شركة على صلة بالمؤسسة العسكرية الصينية، حسبما ذكر المحققون. وقالت جين، التي ولدت في الصين وحصلت لاحقا على المواطنة الأميركية، إنها بريئة، وهي في انتظار محاكمتها في إلينوي.

الملاحظ أن ضبط ومحاكمة المخطئين ازداد صعوبة جراء رفض بعض الشركات الإبلاغ عن الانتهاكات التي تقع.

في هذا الصدد، أوضح مايكل مالوف، المسؤول التقني الأول لدى «تريغيو نتوورك سيكيوريتي»، وهي شركة توفر أنظمة لمراقبة الحواسب الآلية، أنه «عندما تكون هناك شركات عامة لها أسهم ترتبط قيمتها بأصولها، فإن آخر شيء قد ترغب فيه هو أن يعتقد مشتري سهمها أن أصولها يتهددها الخطر».

يذكر أن أول قضية تجسس اقتصادي كانت عام 2001 ضد عالم ياباني، انهار بعدما رفضت اليابان تسلمه. أما القضايا الست الأخرى فارتبطت بالصين، وفازت وزارة العدل بالثلاث الأولى. في إحدى القضايا، اعترف اثنان من المهندسين العاملين في «سيليكون فالي» بسرقة أسرار بشأن أقراص حواسب آلية، ثم تلقيا تمويلا من وكالات تتبع الحكومة الصينية لبدء شركة خاصة بهما. وفي قضية أخرى، أدين مهندس متقاعد بشركة «بوينغ» بعدما أسفر تفتيش منزله عن العثور على وثائق حول برامج أميركية عسكرية وأخرى تخص الفضاء، بجانب خطابات من مسؤولين بهيئة الطيران الصينية كانت تسعى للحصول على الوثائق.

إلا أن وزارة العدل خسرت قضية تتعلق باثنين من المهندسين في كاليفورنيا. وركزت الحكومة على وثائق تكشف أن المهندسين كانا يعملان مع رجل أعمال في الصين ويسعيان للحصول على تمويل من «برنامج 863» الصيني لبناء شركة لصناعة الأقراص متناهية الصغر، التي تدعم تطوير تقنيات ذات تطبيقات عسكرية.

إلا أن الرجلين ألقي القبض عليهما قبل أن يقدما طلب الحصول على المنحة. وخلص القاضي المسؤول عن القضية في مايو (أيار) إلى أن الحكومة كانت بحاجة لإثبات أن الرجلين «كانا ينويان نقل منفعة» للصين، و«ليس تلقي منفعة منها».

في قضية هوانغ، فإنه طبقا لقرار الاتهام، تلقى أموالا من مؤسسة العلوم الطبيعية الصينية، وهي منظمة حكومية، لإجراء أبحاث حول الحشرات.

يذكر أن هوانغ نشأ في الصين وعاش في الولايات المتحدة وكندا منذ عام 1995. أثناء عمله مع وحدة الكيماويات الزراعية التابعة لشركة «داو»، «داو أغروساينسز»، وحصل أيضا على وظيفة أستاذ زائر بإحدى الجامعات الصينية وسافر للصين ثماني مرات، حسبما كشفت سجلات المحكمة. بجانب توجيه الأبحاث داخل الجامعة أثناء عمله في «داو»، هرب هوانغ لاحقا عينات من بكتيريا من «داو» للصين في حقيبة ابنه، حسبما ذكرت السلطات.

من ناحيته، قال مايكل دوناهو، محامي هوانغ، خلال جلسة استماع عقدت مؤخرا، إن القضية برمتها «افتراضية». إلا أن سنثيا ريدجواي، مساعدة المحامي العام، قالت إنه مع اقتراب موعد انتهاء الترخيص الصيني لـ«داو» عام 2012، فإن هوانغ «لديه الوصفة كاملة» اللازمة كي ينقل نشاطه إلى الصين.

والأسبوع الماضي، رفض قاض طلب هوانغ إطلاق سراحه بكفالة. وينتظر الآن في سجن فيدرالي محاكمته في إنديانا.

* خدمة «نيويورك تايمز» «الشرق الأوسط»