بريطانيا تعلن أقسى خطط تقشفية منذ عقود.. «كي لا تفلس الدولة»

وزير المالية لـ «الشرق الأوسط»: مكانتنا على الساحة الدولية لن تتأثر

موظفة في صالة عرض تلفزيونات في أدنبرغ في اسكوتلندا، تمر أمام شاشات للتلفزيون تبث خطاب أوزبورن في مجلس العموم أمس (رويترز)
TT

أعلن وزير الخزانة البريطانية جورج أوزبورن أمس عن أقسى خطط تقشفية تشهدها البلاد منذ نحو 50 عاما، وسط شكوك حول ما إذا كانت هذه الخطط ستساعد على مواصلة التعافي الاقتصادي، أم سيكون لها مفعول عكسي على الاقتصاد. وسيخسر بفعل تلك الخطط نحو نصف مليون موظف من القطاع العام وظائفهم، أي بمعدل موظف واحد من بين كل 12 موظفا.

وستخفض ميزانيات معظم الوزارات بمعدل 24 في المائة، من بينها وزارة الخارجية، على مدى السنوات الأربع المقبلة. واقتطعت الحكومة الائتلافية التي يتزعمها ديفيد كاميرون مليارات الجنيهات من نظام الرعاية الاجتماعية، وهو ما سيطال الكثير من الشعب البريطاني، خصوصا العائلات المتوسطة والفقيرة التي تعتمد على مساعدات الدولة، في محاولة لتوفير 81 مليار جنيه إسترليني على مدى السنوات الأربع المقبلة.

وتعتبر الخطط التي أعلنت عنها الحكومة البريطانية أمس من أقسى الخطط التقشفية في أوروبا التي تعتمد الكثير من حكوماتها خططا مشابهة، ولكن أقل قسوة. وقال أوزبورن في خطابه أمام مجلس العموم أمس: «معالجة الدَّين العام أمر لا مفر منه... اليوم هو اليوم الذي تخطو فيه بريطانيا بعيدا عن حافة الإفلاس وتواجه فواتير عقد من الديون...».

وكان كاميرون قد أعلن قبل يوم عن استراتيجية جديدة للأمن الوطني البريطاني، قد تهدد بتقليص نفوذ بريطانيا في العالم بسبب اعتمادها على خطط لخفض ميزانية وزارة الدفاع. وتضمنت الخطط تخفيض عدد الجيوش البريطانية وتخفيض العتاد والمعدات العسكرية. وفي الخطط التي أعلن عنها أمس ستتأثر ميزانية وزارة الخارجية أيضا بالخطط التقشفية، وستضطر إلى تخفيض 24 في المائة من ميزانيتها، إلا أن الحكومة قررت في المقابل رفع ميزانية وزارة التنمية الدولية، بالإضافة إلى وزارتي الصحة والتعليم.

ونفى وزير المالية في وزارة الخزانة مارك هوبن، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أمس، أن تكون خطط الإنفاق في وزارة الدفاع ستؤثر على دور بريطانيا في العالم. وقال: «على العكس، لن تتأثر مكانتنا على الساحة الدولية، والخطط التي سنعتمدها في استراتيجية الأمن الوطني ستضمن ذلك». وفي لقاء مع الصحافيين في وزارة الخزانة في وسط لندن، قال هوبن إن الخطوات التي تم الإعلان عنها «كانت ضرورية»، وأضاف: «كان علينا أن نبعث برسالة إلى المجتمع الدولي بأننا واعون لمشكلاتنا وسنواجهها».

وردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول ما إذا كانت بريطانيا ستضطر إلى إغلاق بعض سفاراتها في العالم أو تخفيض عدد دبلوماسييها، قال هوبن: «معظم التخفيضات ستطال الموظفين داخل مقر وزارة الخارجية في لندن، ولن يكون هناك خفض لعدد دبلوماسيينا في الخارج». وفي الفقرة حول وزارة الخارجية، ذكر التقرير الذي رفعه أوزبورن أمس إلى البرلمان، أن وزارة الخارجية لن تمول ابتداء من عام 2013 الخدمة العالمية لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، وأن المحطة نفسها سيعود إليها تمويل تلك الخدمة من ميزانيتها. ولكن أوزبورن شدد على ضرورة أن تحافظ الـ«بي بي سي» على تأثيرها في العالم. ونفى هوبن أن تضطر الـ«بي بي سي» إلى اللجوء إلى إغلاق خدماتها العالمية، من بينها الخدمة العربية، مشيرا إلى أن التخفيضات لن تؤثر على عملها.

وستعتمد الحكومة خطط تشجيع المستثمرين الأجانب على الاستثمار في بريطانيا لتنشيط السوق، وأعلنت أنها ستقتطع 1 في المائة من الضرائب المفروضة على الشركات لتشجيعها على التمركز في لندن. وستفرض الحكومة أيضا ضرائب جديدة على القطاع المصرفي، بمعزل عن دول مجموعة العشرين، من المفترض أن تعلن عن تفاصيلها اليوم. وبالإضافة إلى اقتطاع 17 مليار جنيه إسترليني من نظام الرعاية الصحية، بعد الإعلان سابقا عن اقتطاع 11 مليارا، كشفت الحكومة البريطانية أيضا عن رفع سن صرف المعاشات التقاعدية من 62 عاما إلى 66 عاما بحلول عام 2020، أي 6 سنوات أبكر مما كان مقررا في السابق. وقد اشتعلت في فرنسا مظاهرات في الأيام الماضية بسبب خطط الحكومة برفع سن التقاعد من 60 إلى 62 عاما. إلا أن الحكومة البريطانية يبدو أنها غير متخوفة من رد فعل شعبي شبيه. وقال هوبن تعليقا على ذلك: «البريطانيون يدركون الحاجة لتطبيق خفض الإنفاق العام. هناك خطوات مؤلمة، ولكن نحن بحاجة إليها، والبريطانيون يعرفون ذلك».

ووصفت المعارضة خطط الحكومة الائتلافية بأنها «مقامرة متهورة». واتهم آلن جونسون وزير الخزانة في حكومة الظل التي شكلها حزب العمال بزعامة اد ميليباند، حكومة كاميرون بأنها «ترمي الناس من عملهم»، مشيرا إلى أن الخطط «هي مقامرة متهورة بحياة البريطانيين». وعلى الرغم من أن جونسون لم يعترض على مبدأ ضرورة تخفيض النفقات العامة، فإنه هاجم طريقة وسرعة تطبيق الخطط التقشفية، وقال إنها «تعرض الانتعاش الاقتصادي الهش للخطر». وانتقد أيضا استهداف الفقراء أكثر من الأغنياء في الخطط، وقال إن الشريحة التي ستتأثر أكثر هي الطبقة الفقيرة.

وفي وقت لا تزال الحكومة الأميركية تعتمد مبدأ ضخ الأموال في القطاع العام في محاولة لإنعاش سوق العمل بعد الأزمة الاقتصادية التي هزت العالم في عام 2008، تعتمد أوروبا مبدأ خفض النفقات. وقال هوبن تعليقا على ذلك: «لقد اتخذنا خيارنا، السياسيون يمكنهم اعتماد سياسات مختلفة. سأترك للأميركيين في انتخابات التجديد النصفي أن يقرروا ما إذا كان رئيسهم قد اتخذ القرارات المناسبة عبر اعتماد زيادة الإنفاق بدلا من التقشف».