النزاع حول العملات يفرض نفسه على اجتماع وزراء مالية مجموعة الـ20

اليابان والأسواق الناشئة ترفض خطة أميركية لإصلاح عملات الدول ذات الفائض التجاري

وزير الخزانة الاميركي تيموثي غايتنر يتحدث الى حاكم البنك المركزي الصيني تشو هياوشوان اثناء لقاء وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية في مجموعة العشرين في جيونجو ( ا ف ب)
TT

لم يشهد اليوم الأول من اجتماع وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية في مجموعة العشرين لكبرى الاقتصادات العالمية في كوريا الجنوبية، أمس (الجمعة)، تقدما كبيرا في النزاع بشأن سياسات سعر الصرف.

ويتوقع أن يبحث الوزراء والمحافظون سبل تهدئة التوترات الأخيرة بشأن النزاعات حول قيمة العملات، وذلك خلال الاجتماع الذي يستمر يومين ببلدة جيونجو الساحلية شرقي البلاد، الذي يأتي قبل ثلاثة أسابيع من قمة العشرين لرؤساء دول وحكومات دول المجموعة في العاصمة سول.

تتهم الولايات المتحدة ودول أخرى الصين بالإبقاء على قيمة عملتها (اليوان) عند مستوى منخفض لصالح مصدريها والإضرار بمنافسيها، وبينهم المنتجون الأميركيون.

ونقلت وكالة «يونهاب» الكورية الجنوبية للأنباء عن مسودة البيان الختامي الذي من المقرر أن يصدر اليوم (السبت) أنه يمكن لمجموعة العشرين أن توافق على «الإحجام عن المنافسة في مجال تقليص قيمة عملاتها»، والسعي قدما صوب إقامة نظام حول سعر الصرف تحدده السوق بشكل كبير.

يذكر أن تجدد الصراع بشأن اليوان من شأنه تعقيد آمال مجموعة العشرين للتوصل إلى اتفاق الشهر المقبل، حول إصلاح النظام المالي الدولي، بما في ذلك تغيير ثقل الأصوات داخل صندوق النقد الدولي لإعطاء مزيد من التمثيل للاقتصادات الصاعدة مثل الصين.

غير أنه لا يتوقع حدوث انفراجة في قضية إصلاحات صندوق النقد الدولي في مدينة جيونجو على الرغم من دعوات الرئيس الكوري الجنوبي، لي ميونج باك، إلى تسوية قضية إعادة تعديل حصص الصندوق في ذلك الاجتماع.

وقوبلت بالرفض من باقي الدول الأعضاء في مجموعة العشرين، ضغوط جديدة مارسها وزير الخزانة الأميركي تيموثي غايتنر لدفع المجموعة إلى وضع قواعد لأسعار الصرف، وأهداف عددية تقدر بنسبة 4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في أي بلد، بهدف تحقيق فائض تجاري وعجز «مستدامين».

وشدد وزير الاقتصاد الألماني، راينر برودرليه، على أن الفوائض التجارية في بلاده هي نتاج المنافسة الأعلى للشركات الألمانية، وليست سياسات سعر الصرف.

واقترح غايتنر أن تقوم الدول التي لديها فوائض كبيرة في الصادرات بالاتفاق على دعم الطلب المحلي، على سبيل المثال، بتخفيضات ضريبية، وهي خطوة ستضر بدول مثل الصين واليابان، أو ألمانيا. وفي الوقت نفسه تقوم الدول التي تعاني عجزا تجاريا مستمرا، مثل الولايات المتحدة، بدعم الصادرات وخفض الإنفاق.

تحظى قضية قيمة العملات باهتمام عالمي بالغ؛ حيث تتمسك الولايات المتحدة واليابان والصين وغيرها من الاقتصادات الكبرى بموقفها إزاء خطوات تقليص قيمة عملاتها في ظل الانتعاش الاقتصادي العالمي.

وأوضحت واشنطن أنها تريد من الدول الأخرى في مجموعة العشرين أن تكون جادة بشأن السماح للعملات بالارتفاع أو التراجع بحرية في الأسواق.

ترفض الصين دعوات لإعادة تقييم عملتها (اليوان)، غير أن بنكها المركزي قال في وقت سابق هذا الأسبوع إنه سيزيد سعر الفائدة.

يمكن أن تعزز تلك الخطوة قيمة اليوان وتبدد الانتقادات بأن بكين تسعى لإضعاف قيمة عملتها لدعم صادرات البلاد. وذكر محللون أنه في حال لم يتم التوصل إلى تسوية حول القضية، فقد تلجأ الدول الأعضاء في مجموعة العشرين إلى خفض أسعار الصرف لديها والبنود المتعلقة بالتجارة في البيان الختامي.

وقد دعت الولايات المتحدة، أمس، الدول التي تملك فائضا تجاريا إلى إصلاح سياساتها في مجال العملة، لتعزيز النمو العالمي، وذلك خلال اجتماع وزراء مالية مجموعة العشرين في كوريا الجنوبية، على خلفية مخاوف من تصاعد «حرب العملات». غير أن المقترحات الأميركية التي أشارت إلى الصين دون أن تسميها يمكن أن تصطدم بمعارضة الكثير من القوى بما فيها الأغنى مثل اليابان.

وقال وزير الخزانة الأميركي تيموثي غايتنر في رسالة موجهة إلى وزراء مالية بلدان مجموعة العشرين المجتمعين اليوم في كوريا الجنوبية، دون أن يشير إلى بلد بعينه: إنه «على دول مجموعة العشرين التي تسجل فائضا متواصلا أن تجري إصلاحات بنيوية وضريبية، وعلى صعيد سعر صرف عملتها، لتعزيز موارد النمو الداخلية ودعم الطلب العالمي».

وكانت الولايات المتحدة اشتكت بالخصوص من استمرار الصين في تخفيض سعر اليوان لدعم صادراتها، وتعتبر الصين مسؤولة عن أكثر من نصف العجز التجاري الأميركي.

واقترح غايتنر ألا يتجاوز الخلل في الميزان التجاري الخارجي لبلدان مجموعة العشرين نسبة معينة من إجمالي الناتج المحلي، دون تحديد سقف. وقد يصطدم هذا المقترح بتردد الكثير من البلدان المصدرة، مثل الصين وألمانيا والهند.وأضاف غايتنر أن «على دول مجموعة العشرين أن تلتزم بعدم اعتماد سياسات لسعر صرف عملاتها تهدف إلى تحقيق مكاسب تنافسية، سواء من خلال إضعاف عملاتها أو منع ارتفاع سعر عملة يعتبر مستواها أدنى من قيمتها الفعلية».

ويجتمع وزراء مالية وحكام البنوك المركزية لأكبر عشرين اقتصادا في العالم في جيونجو جنوب شرقي كوريا الجنوبية حتى مساء اليوم (السبت)، في مسعى لتقرير هدنة في حرب العملات القائمة منذ سبتمبر (أيلول)، التي تهدد الانتعاش العالمي.

واقترح مشروع بيان ختامي أن تتعهد دول مجموعة العشرين بـ«الامتناع عن أي خفض عملة لأهداف تنافسية»، بحسب وكالة الأخبار الاقتصادية «داو دجونز».

وتتمثل استراتيجية خفض العملة في التلاعب بسعر صرف العملة لتحفيز الاقتصاد الوطني، دون اعتبار للتعاون الدولي.

وتأمل الولايات المتحدة وأوروبا أن تفرض على الصين والدول الناشئة، مثل كوريا الجنوبية والبرازيل، مبدأ آلية لتنظيم أسعار الصرف. وشدد غايتنر على وجوب أن تعمد «دول مجموعة العشرين الناشئة، التي تبقي أسعار عملاتها أدنى بكثير من قيمتها الفعلية، وتملك احتياطات مناسبة» إلى «السماح بارتفاع أسعار صرف عملاتها مستقبلا إلى مستويات تتناسب مع مكونات اقتصادها الأساسية».

وأضاف أنه في المقابل فإن على الدول التي تملك عجزا تجاريا كبيرا أن ترفع المدخرات من خلال تحديد «أهداف ميزانية للأمد المتوسط ذات مصداقية»، وتعزيز صادراتها.

وقال مسؤول فرنسي، طلب عدم كشف هويته، أن الرسالة الأميركية التي قدمت أثناء اجتماع دام ساعة لوزراء مالية مجموعة السبع الذي سبق اجتماع مجموعة العشرين «لاقت قبولا طيبا».

وأضاف: «لقد وقفنا على اختلاف في وجهات النظر حول المسالة»، وقالت وزيرة الاقتصاد الفرنسية، كريستين لاغارد، في إشارة إلى المقترح الأميركي «أنا لا أعلق، لا على قضية العملات، ولا على قضية ميزان الحسابات الجارية»، غير أنه يبدو أن مقترحات غايتنر تثير تحفظات وحتى معارضة الكثير من القوى.

وفي هذا السياق قال وزير المالية الياباني يوشيهيكو نودا أن المقترح الأميركي «ليس واقعيا». كما أعربت روسيا وألمانيا عن تشككهما، بحسب مصادر إعلامية.

قال وزير المالية الياباني أمس في قمة مجموعة العشرين إن اليابان وبعض البلدان النامية تعارض خططا لتحديد أهداف رقمية لميزان المعاملات الجارية للدول، وقال يوشيهيكو نودا في مؤتمر صحافي بعد اجتماع وزراء مالية المجموعة في كوريا الجنوبية: «قلنا إننا نتشكك فيما إذا كان يجب تحديد أهداف رقمية صارمة، لكن عند فحص التقدم في تصحيح الاختلالات ربما تكون هذه فكرة طيبة».

وفي وقت سابق من اليوم بدأ وزراء مالية المجموعة اجتماعات تستمر يومين بمناقشة مقترح أميركي لتحديد مستوى مستهدف، يعادل أربعة في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، لا يتجاوزه فائض ميزان المعاملات الجارية.

وفي الوقت الذي فاجأت فيه الصين الأسواق هذا الأسبوع برفع نسبة الفائدة للمرة الأولى منذ 2007، فإن بكين ترفض السماح بارتفاع سعر اليوان سريعا، خشية التسبب في إفلاس صناعاتها التصديرية. غير أن وزير المالية الكندي، جيم فلاهيرتي، قال إثر مباحثات مع نظيره الصيني، شي شورين: إن هناك «إرادة (لدى الصين) بفتح المجال أمام المزيد من المرونة لاحقا».