البرلمان الأوروبي يرفع موازنة الاتحاد 6% في حين يلجأ أعضاؤه لشد الأحزمة

خبراء: سياسات الاتحاد تحتاج إلى أموال طائلة فمن أين سيأتي التمويل؟

ميزانية الاتحاد الأوروبي الضخمة والإنفاق السخي لمنظماته في ظل تقشف أعضائه يثير جدلا كبيرا (رويترز)
TT

توالت ردود الفعل على تصويت البرلمان الأوروبي لصالح قرار برفع الموازنة الأوروبية بما يقارب 6 في المائة اعتبارا من العام الحالي، وذلك في وقت أقرت فيه عدد من الحكومات الأوروبية، وآخرها بريطانيا، خططا للتقشف في الميزانية، وأكد رئيس الوزراء ديفيد كاميرون على غرار كثير من الحكومات رفض أي زيادة في موازنة الاتحاد الأوروبي، وأوضح آلان لاماسور زعيم الحزب الشعبي الأوروبي، قائلا: «علينا التوصل إلى نظام لا يؤدي إلى تفاقم العبء على دافعي الضرائب، ويخفف من الميزانيات الوطنية، ويكون شفافا بالنسبة إلى دافعي الضرائب الناخبين. نحن في حاجة إلى موارد أوروبية لتنفيذ السياسات الأوروبية».

ويرى الكثير من المراقبين الأوروبيين أن معضلة الاتحاد الأوروبي أن سياساته الطموحة تتطلب أموالا طائلة. والبعض يتساءل من أين سيأتي بهذا التمويل في ظل أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة دفعت بأعضائه إلى وضع خطط تقشفية لم تستسغها الشعوب، التي سترفض لا محالة ضرائب جديدة تخصص لتمويل ميزانية الاتحاد الأوروبي؟

وقال يانوش يفاندوفسكي، المفوض الأوروبي للميزانية: «بالنظر إلى السياق، سياق الأزمة، سيكون الأمر صعبا جدا، لا نسمح بوجود خاسرين كبار ولا فائزين كبار. وفي هذا السياق نفسه يجب علينا تعويض الخصم البريطاني كذلك». ويرى البعض أنه في تعويض الخصم البريطاني تكمن معضلة أخرى، ألا وهي المساس بالسياسة الزراعية المشتركة للاتحاد الأوروبي، والتقليص من الإنفاق الأوروبي في هذا المجال، وهو ما سترفضه تماما فرنسا وبريطانيا المستفيدتان من هذه السياسة. وطالب البرلمان الأوروبي، أول من أمس، بزيادة الاستثمارات الأوروبية في مجالات الأبحاث والإبداع والتعليم والطاقة، إضافة إلى زيادة الدعم المقدم للسلطة الفلسطينية في الموازنة الأوروبية للعام المقبل، كما طالب البرلمان الأوروبي في تصويت أجراه على موازنة عام 2011 التي تبلغ قيمتها 130 مليار يورو بإجراء مفاوضات حول مصادر تمويل جديدة للميزانية.

وتعد ميزانية عام 2011 هي الأولى التي يتم التفاوض بشأنها وفقا للقواعد الجديدة التي حددتها معاهدة لشبونة، التي تحمل البرلمان الأوروبي كامل المسؤولية على كل الموازنة الأوروبية، وستناقش المفوضية الأوروبية حاليا الموازنة الجديدة قبل التصويت النهائي عليها من قبل البرلمان الأوروبي في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

وكانت المفوضية الأوروبية قد اعتمدت في وقت سابق مسودة الموازنة المالية لسنة 2011، وتركزت أولويتها في تعزيز التعافي الاقتصادي والاستثمار لدى الشباب الأوروبي والبنية التحتية المستقبلية. وذكرت المفوضية الأوروبية أنه خصص من الموازنة نحو 64.4 مليار يورو كخطة لتعافي الاقتصاد الأوروبي، في حين بلغ إجمالي استراتيجية النمو للاتحاد الأوروبي لسنة 2020 من الموازنة نحو 57.9 مليار يورو، أي ما يعادل 40 في المائة. وفي نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، جاء أكثر من مائة ألف شخص، من مختلف أنحاء أوروبا للتظاهر في شوارع العاصمة البلجيكية بروكسل، احتجاجا على الإجراءات التقشفية التي اتخذتها الكثير من حكومات الدول الأعضاء في التكتل الموحد في مواجهة الأزمة المالية والاقتصادية الحالية، وأعلنت حكومة البرتغال، صاحبة رابع أكبر عجز للموازنة في منطقة اليورو مؤخرا عن اتساع عجز الموازنة في الثمانية الأشهر الأولى من العام الحالي، لتصل إلى 9.19 مليار يورو من 8.74 بليون يورو لنفس الفترة من العام السابق، هذا في الوقت الذي ارتفع فيه الإنفاق العام بنسبة 2.7 في المائة، وكذا ارتفعت فيه الحاصلات الضريبية بنسبة 3.3 في المائة، بينما وصل العائد على الديون السيادية للبرتغال إلى أعلى مستوى منذ تأسيس منطقة اليورو، لتبلغ 398 نقطة أساس، في الوقت الذي تتزايد فيه الشكوك بشأن عدم قدرة الحكومة على خفض العجز. في حين أعلنت وزيرة المالية الإسبانية إيلينا سالغادو أن أعضاء حكومتها أقروا خطة الموازنة لسنة 2011 (التي تعد أكثر تقشفا من خطة 2010)، حيث تسعى الحكومة من خلال تطبيقها لتخفيض نسبة عجز الموازنة من تسع نقاط وثلاثة أعشار نقطة إلى ست نقاط مئوية. قالت وزيرة المالية إيلينا سالغادو: «إنها موازنتنا المتقشفة، موازنتنا الاجتماعية والموازنة التي ستعطي الأولوية للنمو الاقتصادي والتغيير الذي نحاول القيام به»، وتتضمن الخطة الجديدة تقليص الإنفاق على القطاع العام وإنفاق الوزراء، بالإضافة إلى رفع الضرائب على الأغنياء، وإلغاء منح مكافآت مالية للمواليد الجدد. ويؤيد 70 في المائة من الأوروبيين استمرار التعاون والتنسيق بين الدول الأعضاء لمواجهة الأزمة المالية، وطالبوا بمزيد من الصرامة والتحكم في الصناعة المالية، واعتبروا ذلك أفضل سبيل لتجنب أزمات أخرى. وجاء ذلك في نتائج استطلاع للرأي أشرف عليه البرلمان الأوروبي، وهو الثاني من نوعه منذ الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، وأجري الاستطلاع خلال شهري أغسطس (آب) وسبتمبر، ونشرت النتائج بالتزامن مع مناقشات جرت في المؤسسة التشريعية الأوروبية تتناول الإعداد لاتخاذ إجراءات بشأن كيفية المضي قدما في التعامل مع الأزمة المالية والاقتصادية، وبشكل أكثر تحديدا مع سبل تحسين الإدارة الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي، وقال 63 في المائة ممن شملهم الاستطلاع إنه من الأفضل للتكتل الموحد إرساء نظام لإدارة اقتصادية، ويرى 67 في المائة ضرورة إنشاء صندوق نقد أوروبي، ووجد 52 في المائة ممن شملهم الاستطلاع أن انسجام العمل بين الدول الأعضاء يؤدي إلى مزيد من الأمن الاقتصادي، وهي نسبة أقل بمقدار 9 في المائة عن استطلاع مماثل جرى في وقت سابق، وكانت الاجتماعات الأخيرة لوزراء المال والاقتصاد في الاتحاد الأوروبي، انتهت إلى اتفاق لتعزيز الضوابط والقواعد المالية في أوروبا، وذلك بعد أشهر من المفاوضات الصعبة، وأعلنت الرئاسة البلجيكية للاتحاد الأوروبي، عن توصل الوزراء في ختام مناقشات استمرت يومين في لكسمبورغ، إلى اتفاق لتشديد الرقابة على صناديق التحوط العاملة في الاتحاد.

واتفقت فرنسا وألمانيا أيضا على إصلاح قوانين معاهدة الاستقرار المالي، ومن ضمنها قانون يفرض عقوبات على الدول التي لا تلتزم بتخفيض عجزها وديونها بعد ستة أشهر من إنذارها. وأعلن وزير الخزانة والمال البلجيكي ديديه رندرس الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية الأوروبية، أن الوزراء توصلوا إلى اتفاق بالإجماع، وأنه كان من المهم جدا استكمال هذه المشاورات قبل قمة مجموعة العشرين التي ستعقد في كوريا الجنوبية الشهر المقبل.

ومن جهته، أعلن مفوض الاتحاد الأوروبي للإشراف المالي ميشيل بارنييه، أن الصفقة المسجلة في لكسمبورغ، تضع، ولأول مرة، صناديق التحوط تحت إشراف كلي وشامل من قبل الاتحاد الأوروبي. ومن جانبه، قال رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي هيرمان فان ريمبوي، إن الاتحاد الأوروبي سيتقدم إلى الأمام خطوة كبيرة نحو الإصلاح النقدي والاقتصادي، في خطوة هي الأكبر من نوعها منذ تأسيس منطقة اليورو، وذلك في حال وافق المجلس الأوروبي، الأسبوع المقبل، على الحزمة التي أقرها فريق العمل المعني بالإدارة الاقتصادية، التي يرأسها فان ريمبوي.