وزير الأعمال والابتكار الآيرلندي: لم يكن أمامنا خيار سوى تأميم البنوك.. و«احطتنا من يوم مطير»

بات أوكييف في لـ«الشرق الأوسط»: السعودية أهم الاقتصادات الناشئة في العالم.. ونأمل في علاقات أقوى معها

بات أوكييف
TT

تحدث بات أوكييف، وزير الأعمال والابتكار الآيرلندي، من داخل مكتبه وسط العاصمة الآيرلندية دبلن عن حال اقتصاد بلاده وتوقعاته بالنسبة إلى المستقبل، وكانت الغيوم والرياح خارج المكتب تعكس صورة الاقتصاد! وأظهر أوكييف خلال حواره مع «الشرق الأوسط» أن اقتصاد آيرلندا استوعب ما لديه من أزمات وتدارك أن هناك الكثير من الأعمال والاستثمارات في منطقة الخليج، وفي السعودية تحديدا، حيث يجب أن تتحرك البلاد نحوها للخروج من الأزمة المالية الطاحنة التي تعيشها، مسترجعا بعض النصائح من مؤسسات دولية أشارت إلى أن الاقتصاد الآيرلندي كان متوجها نحو هبوط حاد، ولكن ردة الفعل كانت متأخرة.

وأكد أن إعادة رسم القطاع المالي الآيرلندي هي إحدى الخطوات الأساسية للعودة إلى النمو مرة أخرى، بدأت بتأميم بعض البنوك، وتطبيق معاملات المصرفية الإسلامية التي اعترف بأنها خطوة متأخرة، مؤكدا على عودة الاقتصاد للنمو مرة أخرى، مشيرا إلى التزام الحكومة الحالية بنسب نمو تصل إلى 3 في المائة ببلوغ عام 2014.

* تحدثت كثيرا عن «الاقتصاد الذكي»، ما المقصود به؟ وكيف يترجم في أوقات اقتصادية صعبة كهذه؟

- تحدثت بالفعل كثيرا عن الاقتصاد الذكي، فهو ناشئ عن تعليم ومهارات متعددة، وأبحاث ودراسات. وهو ليس عبارة عن معاطف بيضاء والعمل في معامل متخصصة، بل هو اعتماد على التفكير بذكاء، وتقديم جودة في المنتج.

أعتبر الاقتصاد الذكي نموذجا اقتصاديا ناجحا، يظهر في قطاعات عدة، في دولة صغيرة في الاتحاد الأوروبي. ربما تقارن باليونان أو البرتغال، ولكن الاختلاف هنا أن لدينا أكثر من قطاع واحد ذي ظهور قوي، مثل قطاع التعليم والسياحة والإنشاء والتكنولوجيا، والبرمجيات. كل هذا يرجع للاقتصاد الذكي.

* أنتم على وشك التوجه إلى السعودية بداية من الشهر المقبل في بعثة تجارية، ما مضمونها؟

- تعد زيارتي المقبلة إلى السعودية الثالثة للمملكة التي بدأت منذ دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى افتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية في مدينة ثول، فالعلاقة مع السعودية تمتد إلى سنوات طويلة مضت. ونعتمد بشكل كبير على الصادرات كدولة مصنعة، وذلك لخلق فرص عمل داخلية خاصة في الوقت الصعب الذي تعيشه آيرلندا.

لدينا 48 شركة ستسافر إلى السعودية بداية من الشهر المقبل، سنعمل من خلالها على تواصل العلاقة مع الهيئات والشركات السعودية.. فهي أهم الأسواق الناشئة في العالم، ومن خلال صداقة قوية مع أقوى اقتصادات المنطقة ستتفتح لنا المجالات في العمل هناك.

وستكون فرصة جادة أيضا لبلورة جودة العمالة والمنتجات التي نتمتع بها، بحجم الجهد والمبالغ الطائلة التي نضعها في البحث والتطوير هنا.

وأذكر مثالا لأهمية تلك البعثة، عندما كنت في آخر زيارة لي للمملكة لم يكن اللحم البقري الآيرلندي مصرحا له بدخول السوق السعودية، وتحدثت مع المسؤولين هناك في مناقشات طويلة، وأعدنا تصدير اللحم البقري إلى السوق السعودية مرة أخرى، هذا بالإضافة إلى الكثير من المنتجات الغذائية الأخرى ذات الجودة العالية مثل الزبد الخام واللبن المجفف.

بالإضافة إلى أن جانبا مهما أيضا من الزيارة للسعودية يكمن في التركيز على القطاع التعليمي، والجودة التي نقدمها للطالب السعودي الذي يدرس في آيرلندا.

* كيف تنظرون إلى الاقتصاد السعودي؟

- ننظر إلى الاقتصاد السعودي بكونه الأكبر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويعد الاقتصاد السعودي هو المصدر السابع عشر لوزارة الأعمال والابتكار الآيرلندية.

تقدر صادراتنا بأكثر من 100 مليون يورو في الوقت الحالي، ونأمل في زيادة هذا الرقم من خلال 70 شركة عاملة في السعودية في الوقت الحالي بشكل دائم.

* ما هي القطاعات التي يمكن فتح باب الاستثمارات الخارجية للمجيء إلى آيرلندا والاستثمار بها؟

- طرأت الكثير من التغيرات والتسهيلات على القطاع المالي في البلاد في الفترة الأخيرة، ورأينا الإمكانية لاستقطاب الصناديق السيادية والاستثمارية الخليجية لتجد طريقها إلى السوق المحلية. وأعتبر أن أهم هذه الخطوات تطبيق نظام الشريعة والمصرفية الإسلامية في الاقتصاد الآيرلندي.

في الوقت الحالي تستقطب آيرلندا استثمارات مباشرة كبيرة مقارنة بجيرانها الأوروبيين، ونحن آملين في التركيز على هذه الزاوية.

وذلك بالإضافة إلى تطوير الملف في الدول التي لم تكن تستثمر بصورة عادية في آيرلندا من قبل، وخلق مجتمع سياحي، وتكنولوجي، وتعليمي، وعلمي، وتجاري، واستثماري دولي، مرتكزين على الخبرة والجودة التي تتمتع بها سوق العمل الآيرلندية.

وتعمل الشركات التي كانت تستثمر هنا بشكل جزئي على تحويل استثماراتها إلى استثمارات شاملة.

* ما الضمانات التي تقدمها لهؤلاء المستثمرين في ظل ظروف الاقتصاد الآيرلندي؟

- نرى الآن دورة استثمارية، ترى فيها الشركات تطورا في حجم أعمالها الداخلية.

أريد أن أوضح للمستثمر الخارجي أننا الآن لدينا أعلى عوائد للدولار الواحد من الاستثمارات المباشرة مقارنة بدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OCED)، ولدينا مرونة تامة بين الجانب الاستثماري والجانب السياسي، لأننا في حاجة إلى الاستثمارات، ونرى المنطقة في الوقت الحالي هي المكان الأمثل للوجود هناك في هذه الفترة.

* كيف تصنف الآن أقوى القطاعات التي دعمت الازدهار في السنوات العشر الماضية وتعاني حاليا؟

- تقصد القطاع الإنشائي.. من حيث الخبرة والتكنولوجيا والجودة التي وصل إليها القطاع فإن ذلك يسمح له بالظهور بشكل طيب في السوق العالمية إذا كان في السعودية أو المنطقة، أو حتى على المستوى الدولي.

وأذكر مثالا عندما زرت مدينة الأولمبياد في لندن ورأيت حجم الأعمال والجودة التي ظهر بها الإنشاء هناك.

وأرى أن معالجة بعض الحسابات الخاطئة أدت إلى سقوط هذا القطاع داخليا، في الوقت الحالي هناك تطوير القطاع تعليميا ونقل هذه الخبرة والتكنولوجيا إلى مجتمعات أخرى.

وأرى من هذه الزاوية فرصة جيدة لطلاب سعوديين هنا للتعلم والاستفادة من الخبرة الكبيرة في هذا المجال، قد تأتي للتنفيذ من خلال التحدث مع المسؤولين هناك.

* المنظر الخارجي للاقتصاد الآيرلندي في الوقت الحالي لا يبعث على الطمأنينة للعالم الخارجي، ما رأيك؟

- نعيش فترة صعبة في قطاعنا المالي، وتكلفة الإقراض فاقمت مشكلاتنا.

عندما بدأت هذه الأزمة علمنا بأنها راجعة إلى القطاع العقاري، وكانت من أهم الخطوات التي يجب أن نتخذها للتغلب على أزمة البنوك، وكان من أهميتها إعادة ترتيب القطاع البنكي.

والجانب الثاني من التغلب على الأزمة هو الإنفاق العام، فخفضنا الرواتب وقللنا من المدفوعات في القطاع العام، ووصلنا إلى حذف مبالغ معقولة من الدين العام.

نحن كحكومة في الوقت الحالي ملتزمون بكل جدية بالإصلاحات التي أوردناها في الميزانية الأخيرة لتعديل الإنفاق، وآمل في الوقت الحالي أن أرى توافقا في الآراء من حكومة المعارضة، وأن تتحول المعارضة إلى المساعدة في التغلب على الأزمة الحالية.

ونحن ملتزمون بـ3 في المائة نمو ببلوغ عام 2014، وعلى مدار السنوات الأربع المقبلة سيكون هناك تحول كبير وسنتغلب على الاتجاه الحالي، وهو «الإنفاق أكثر من الإنتاج». ونؤكد أننا سنتغلب على تلك الأزمة في أقرب وقت. وسيكون هناك المزيد من الخفض في الاقتصاد والإنفاق العام، وسيتم الإعلان المفصل عن تلك التفاصيل في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

* ما هي أولويات الإصلاح؟ وكيف حددتموها؟

- الاقتصاد الآيرلندي مقسم حاليا إلى جزأين، الجزء الأول هو الاقتصاد البنكي الذي يشهد أصعب أوقاته في الوقت الحالي ونعمل على إصلاحه، وعلى الجانب الآخر يوجد الاقتصاد الاستثماري.

انخفضت صادراتنا في خضم الأزمة بنسبة 4 في المائة، بينما في بريطانيا أو ألمانيا على سبيل المثال سيكون الانخفاض ربما 15 أو 20 في المائة.

منتجاتنا يزداد الطلب عليها من فترة إلى أخرى، ولدينا زيادة بنسبة 4 في المائة على الطلب على الصادرات، بينما تشير توقعات «إنتربريز آيرلاند» إلى أن الصادرات قد ترتفع العام المقبل بنسبة 70 في المائة. ويوضح التوجه الحالي الذي تؤمن به الدولة أن خلق فرص استثمارية خارجية سيزيد من الوظائف وسيحد بشكل كبير من البطالة، وسيخلق 150 ألف وظيفة ببلوغ عام 2015.

* هل تعتقد أن خطوة الخفض في المرتبات والوظائف والإنفاق العام هي الحل الأمثل لخفض العجز؟ وهل كانت في وقتها الصحيح؟

- أعتقد ذلك، لم تكن هناك الكثير من الاختيارات، الإقراض وفوائده يزيدان من الضغط على الحكومة، علينا التخلص من العجز.

* أممتم بنك «أنجلو إيريش» كليا بأموال دافعي الضرائب، والآن هم الذين يعانون، ما تعليقك؟

- كان من الضروري والحتمي أن تؤمم البنوك التي كانت على وشك الإفلاس، ويرجع ذلك الأمر إلى شقين، الشق الأول هو البنك المركزي الذي أكد للحكومة الآيرلندية أن البنوك في حالة جيدة، ولن يكون هناك تأثر كبير بالأزمة، ثم اتضح العكس.

الشق الثاني هو أنه للاستمرار في العمل يجب أن يكون هناك بنوك لتتم المعاملات، ويجب أن يكون هناك وسائل للإقراض وإتمام الأعمال، فأعتقد أن إنقاذ تلك البنوك هو جزء لا يتجزأ من عملية التعافي والعودة للنمو، وإلا كان خوف المودعين من انهيار البنوك سيدمرها تماما.

* هل احتاط الاقتصاد في فترة الازدهار من حدوث الأزمة الحالية؟

- على مر سنوات الازدهار، احتاط الشعب والحكومة من يوم ممطر، ووفرت الحكومة 1 في المائة من العوائد عاما بعد عام وصلت إلى 25 مليار يورو ساعدت في تأميم البنوك.

* ألا ترى أنه من الآن وحتى خمس سنوات سيزداد الضغط على تلك العائلات التي سترى المزيد من الخفض في الرواتب والإنفاق العام؟

- بعد الخفض في الإنفاق العام الحالي والحد من الرواتب، ما زالت العائلات في آيرلندا من أكثر العائلات الأوروبية حظا، من حيث الرعاية الاجتماعية، نحن ننفق تقريبا ضعف ما تحصل عليه عائلة في بريطانيا، ولدينا أعلى حد أدنى للرواتب في أوروبا.

* هل ترى أن آيرلندا تركت الكثير من الفرص الاستثمارية التي ربما جعلت اقتصادها في وضع أفضل الآن، منها تطبيق الصيرفة الإسلامية في القطاع المالي على سبيل المثال؟

- أعتقد أن هناك بعض القضايا الأساسية التي يجب النظر إليها، منها البنية التحتية لآيرلندا، فمقارنة بعشر سنوات مضت على سبيل المثال، لا وجه للمقارنة.

أبسط الأمثلة على ذلك، الطريق ما بين مدينتي دبلن العاصمة، وكورك جنوب البلاد. كانت الرحلة على هذا الطريق تستغرق من 3 ساعات إلى 3 ساعات ونصف الساعة، الآن لا تستغرق أكثر من ساعتين على الأكثر.

ذلك بالإضافة إلى الطرق الداخلية والمستشفيات والمدارس والمؤسسات التعليمية وخطوط المواصلات التي بنيت حديثا.

كان التطوير الداخلي من الأولويات في تلك الفترة، وهذه نتائج الازدهار الاقتصادي، بالإضافة إلى انعدام البطالة في تلك الفترة تقريبا.