شركات الاتصالات في خطر

سعود الأحمد

TT

لدي هاجس (مقلق) أرجو ألا يغيب عن بال المعنيين بالأوضاع المالية لشركات الاتصالات واستمرارية إيراداتها، وبالأخص على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي. وهو أن القيمة السوقية لأسهم شركات الاتصالات لا تعتمد كثيرا على قيمة صافي الأصول، أو الدفترية الحقيقية لهذه الشركات، ولكنها تعتمد على صافي الدخل أو صافي الإيرادات الدورية. وبالنظر إلى أن أصولها عرضة للتقادم وأساس دخلها يعتمد على تقديم خدمات تقنية.. وهنا مربط الفرس.

فالملاحظ أن خدمات الجوال تمثل أهم مصدر لإيرادات شركات الاتصالات، حيث بلغت قيمة اتصالات السعوديين عبر الهاتف الجوال 43 مليار ريال (11.46 مليار دولار) سنويا. وهو مصدر ما زالت تعول عليه شركات الاتصالات الكثير. لكن الخطورة أن هذا المصدر يعتمد على التقدم التقني.. ولذلك فإنه قد لا يدوم أو يستمر بالمعدل نفسه.

يذكر أحد الزملاء أنه حضر محاضرة قبل عقد من الزمان (تقريبا)، لأحد خبراء الأسواق المالية العالمية، تحدث فيها عن مستقبل شركات الاتصالات. وذكر أنه يتوقع لسعر خدمات الاتصال في عام 2015 أن يصبح مجانا. وهذا يعني أن أهم مصدر لإيرادات شركات الاتصالات قد يتبخر. والشواهد حاضرة اليوم، فنحن نشاهد تقنيات بديلة بدأت تظهر للاتصال المسموع والمرئي (أيضا) كالبريد الإلكتروني وغيرها! والتقنيات تزحف ليتحقق هذا التوقع. وعندما سئل الخبير عن المصدر الأساسي لدخل هذه الشركات، أفاد بأنه يتوقع أنه سيكون من بيع البرامج والأجهزة والإعلانات التي تقدمها شركات الاتصالات.

صحيح أن شركات الاتصالات ستدافع، وبضراوة، عن سعر خدماتها، لكن منافسة الشركات الأخرى التي توظف بيوت خبرة بالدول ذات العمالة الرخيصة المبدعة في بحوث خدمات الاتصالات الإلكترونية (وبالأخص الهند والصين)، يتوقع لها أن تقلب الطاولة على مستثمري شركات الاتصالات يوما ما.

بل إن هناك شريحة كبيرة من المتصلين، بدأت تعتمد في اتصالاتها على الماسنجر. وأصبحت اتصالاتهم للخارج بالصوت والصورة بتكلفة تقارب الصفر. وهناك بعض الأطفال (اليوم) يلعبون بأجهزة (Sony) الجماعية. وهي لعب تجمع عدة متبارين من مختلف دول العالم، يتصلون مع بعضهم البعض، كل في بلاده.. بل ويتحدث هؤلاء الأطفال مع بعضهم (بالمايك) وكأنهم في غرفة واحدة. وليس هذا فقط، فهناك لعبة الورق (البلوت) الإلكترونية الجماعية. التي تجمع المتبارين دون أن يحضروا لموقع الاجتماع ويتم اللعب جماعيا، عن طريق الإنترنت باستخدام برنامج يسمى (كملنا). وهي خدمة موجودة وبرنامجها متوفر ويمكن تحميله مجانا عبر البحث في «غوغل». ولا ننسى أن خدمة البريد الإلكتروني تقدم مجانا. وعندما حاولت شركة «ياهو» احتكار خدمات البريد الإلكتروني لم تفلح، بسبب منافسة الشركات الأخرى.

وشركات الاتصالات الخليجية لن تستطيع احتكار خدماتها، لمبرر أنها تكلفها كثيرا. بسبب ما تصرفه بسخاء وبذخ في تحديد رواتب ومكافآت موظفيها والمصروفات التشغيلية الأخرى، وبدأنا نسمع عن رواتب بأرقام فلكية في شركة الاتصالات وغيرها. ولعلنا نتذكر شعار إحدى شركات الاتصالات (طيب الذكر) الذي صرف عليه قرابة مائة مليون ريال، وغابت القضية بفعل الزمن.. ولا مساءلة ولا هم يحزنون! مما رفع من سقف مصروفاتها التشغيلية.. على اعتبار فرضية دوام نسب الإيرادات التشغيلية.. لكن دوام الحال من المحال.

لكن المهم.. أن يتذكر المستثمرون والمضاربون في قطاع الاتصالات أن تقنيات الاتصالات كل يوم تتطور ويكتشف الباحثون ما يخفض تكلفة خدماتها.

*كاتب ومحلل مالي