هل ثقة العالم في العرب أكثر من ثقتهم في أنفسهم؟

عندما يصبح تكتل دول المنطقة مطلبا خارجيا.. بعد أن كان خيارا داخليا

لقطة من أمام مركز اجتماعات منتدى الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مراكش (إ.ب.أ)
TT

هل ثقة العالم في العرب أكثر من ثقتهم في أنفسهم؟.. لعل هذا هو أهم سؤال برز من المنتدى الاقتصادي العالمي حول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي هذا السياق قالت لبنى العليان، رئيسة مجموعة «العليان» السعودية، والرئيس المشارك للمنتدى، الذي اختتم أعماله أمس في مدينة مراكش المغربية، إنها لاحظت من خلال مداخلات خبراء وقادة أعمال أجانب أن «العرب أكثر انتقادا لأنفسهم من الآخرين».

وأكد الكثير من الخبراء الأجانب المشاركين في المنتدى على الطاقات والإمكانات الكبيرة التي تتمتع بها المنطقة، سواء الطبيعية أو البشرية، التي يمكن أن تجعل منها قطبا اقتصاديا مؤثرا في العالم.

ولعل من بين الأصوات التي لخصت بشكل بليغ إمكانات المنطقة ديفيد روبنشتاين، الرئيس المشارك للمنتدى، ورئيس مجموعة «كارلايل» الأميركية، الذي عبر عن ثقته في قدرة المنطقة العربية على أن تكون بثقل وتأثير الاقتصادات الصاعدة بقوة في العالم، والمتمثلة في ما يسمى بمجموعة «بريك» (BRIC)، أي البرازيل وروسيا والهند والصين، وحتى في إعادة رسم الخريطة الاقتصادية للعالم، بإضافة العرب إلى هذه الدول التي يفرض صعودها الاقتصادي معادلة اقتصادية جديد في العالم لا تقبل بالكثير من الأرقام القديمة، التي ظلت غير قابلة للنقاش لسنوات طويلة. وفي هذا السياق يرى روبنشتاين أنه بإمكان العرب ككتلة اقتصادية موحدة، أن يشكلوا ما سماه مجموعة «ABRIC»، أي العرب إضافة إلى دول «بريك»، إذا ما عززوا تعاونهم الاقتصادي وتبادلهم التجاري وكملوا بعضهم اقتصاديا. ويرى روبنشتاين أنه على الرغم من كل الصعوبات والعوائق الموضوعية التي تقف عائقا أمام تحقيق ذلك، فإن المنطقة، في رأيه، تتوافر على عوامل مشتركة كثيرة سواء جغرافية أو لغوية بإمكانها تسهيل تحقيق التكامل الاقتصادي المنشود.

من جهته، أكد خالد عبد الله جناحي، الرئيس الفخري لـ«الرؤية 3» في الإمارات العربية المتحدة، وعضو جدول العمل الإقليمي للمنتدى الاقتصادي العالمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أنه «من الأفضل تشكيل التكامل الإقليمي بإعداد مسبق بدلا من انتظار حدوثه كرد فعل». وأضاف أن جميع القطاعات العامة، والخاصة، والمنظمات غير الحكومية مسؤولة عن تحويل اللوم على الآخرين، في الوقت الذي يتوجب عليهم فيه زيادة التعاون لمواجهة التحديات المشتركة.

وشدد المشاركون، في ختام أشغال المنتدى، على أن تعثر الاندماج يقف في طريق تطوير المنطقة، مشيرين إلى أن هناك حاجة ملحة إلى التكامل الإقليمي، وإلى حرية تنقل الأفراد والسلع وتهيئة البنية التحتية اللازمة، لمرافقة التحولات العالمية التي يعيشها العالم، منبهين إلى أن المنطقة ستتخلف عن الركب، وبالتالي لن تستفيد من منافع العولمة.

وقال أنس العلمي، الرئيس المشارك للمنتدى، لـ«الشرق الأوسط»، إن «خيار التكتل والاندماج الإقليمي بين بلدان المنطقة سيصبح ضرورة معبرا عنها من خارج المنطقة، بعد أن كانت في الماضي خيارا معبرا عنه من الداخل».

وانتقد المشاركون نظم التعليم، وقالوا إنها صارت متجاوزة، داعين إلى مفاهيم جديدة للتعليم والتكيف مع المعطيات الجديدة.

واتفق المشاركون على حاجة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى بنية تحتية ملائمة وأسواق بحدود مفتوحة، كما اتفقوا على الحاجة إلى الاستثمار في العنصر البشري، مشددين على أن التعليم التقني والمهني يبقى ضروريا لتعزيز اقتصادات المنطقة.

وشدد المشاركون على أن القرن الـ21 سيختلف عن القرن الـ20 من حيث النمو الاقتصادي، حيث ينتظر أن تسيطر على الاقتصاد العالمي الأسواق الناشئة، واتفقوا على أن مشكلات المنطقة لا ينبغي أن تفرض من الغرب، وأن المنطقة إذا ما وحدت جهودها فبإمكانها أن تحتل مواقع تضاهي مكانة دول مثل الصين والهند، بالنظر إلى المميزات التي لا تتميز بها مناطق أخرى، من قبيل وحدة الدين واللغة والثقافة والتاريخ.

وبخصوص الخطر الأكبر الذي يواجه المنطقة، اتفق المشاركون على أنه البطالة وقلة فرص العمل، وسط توقعات بأنه سيكون على المنطقة أن توفر 18 مليون فرصة عمل بحلول عام 2018.

وقال شريف الديواني، مدير منطقة الشرق الأوسط في مجلس الأعمال العربي، في المنتدى الاقتصادي العالمي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «هناك توجها، اليوم، نحو إعادة تنظيم النظام العالمي، وهو ما قد تتولد عنه مخاطر. وبالتالي فالسؤال الأساسي، الذي يطرح، هو كيفية إعداد المنطقة حتى تكون لها المناعة اللازمة لمواجهة أي مخاطر أو هزات عالمية محتملة؟».

وخيم شبح الأزمة الاقتصادية العالمية على مداخلات المشاركين. وقال كلاوس شواب، المؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى، إن الأزمة الاقتصادية العالمية كانت إشارة نحو تغيير هيكلي على المستوى العالمي يهم الحكام والنظم التعليمية، بشكل خاص، فضلا عن تجاوز المعايير والعقليات القديمة للتسيير نحو معايير وأبعاد جديدة.

ورأى شواب أن هذا الواقع الجديد، الذي ترافق مع عولمة كاسحة، صار يدعو إلى التفاعل مع جيل الألفية الجديدة، الذي ترعرع مع الإنترنت، وقال عنه إنه «جيل على عجلة من أمره، يطالب بأجوبة سريعة لأسئلة متجددة».

من جهته، دعا كارلوس غصن، الرئيس المشارك للمنتدى والمدير التنفيذي لمجموعة «رونو - نيسان»، القادة إلى القيام بجهد إضافي في سبيل الاندماج وتحقيق التعاون المنشود بين بلدان المنطقة. لكن، «رغم أن الجميع موافق على التعاون، فإن هناك حواجز ومشكلات سياسية تجعل الأمل معلقا»، يضيف غصن.

رغم أن المنتدى الاقتصادي العالمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا (مينا)، الذي نظم بمدينة مراكش المغربية، على مدى ثلاثة أيام، تحت شعار «الأهداف والقدرات والازدهار»، له توجه اقتصادي، فإن تبعات الأزمات السياسية بالمنطقة لم تغب عن بال ومداخلات المشاركين، في مختلف الجلسات والمناقشات، وخاصة قضية الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، واصطدام الاندماج الإقليمي في منطقة المغرب العربي بعقبات سياسية ترهن العلاقات بين بعض دول المنطقة.