مصر تتطلع إلى شركات القطاع الخاص لتحديث مشاريع البنية الأساسية

بحاجة إلى مليارات الدولارات لتنفيذ التحديث

الحكومة المصرية تحاول جذب اهتمام الشركات الخاصة بمشروعات السكك الحديدية والموانئ والطرق السريعة والطاقة وغيرها («الشرق الأوسط»)
TT

شهدت مصر الكثير من حوادث الطرق والقطارات والسفن على مدى السنوات الخمس الماضية، ولقي أكثر من ألف شخص حتفهم في حادث غرق عبارة عام 2006، بينما قتل عشرات آخرون في سلسلة من حوادث القطارات. واندلع حريق في مجلس الشورى قبل عامين. وعانى المصريون أيضا من انقطاع الكهرباء على نطاق واسع هذا الصيف.

وعلى الرغم من ارتفاع عدد السكان إلى 78 مليون نسمة في أكثر الدول العربية سكانا، فقد انخفضت نسبة الإنفاق على البنية الأساسية من الدخل القومي في السنوات العشرين الماضية.

ويقول خبراء اقتصاد إن شبكات المواصلات والطاقة التي تتحمل فوق طاقتها بحاجة إلى عمليات تطوير بمليارات الدولارات للوصول إلى مستوى النمو الاقتصادي الذي تحتاجه الدولة لإيجاد ما يكفي من الوظائف للقوى العاملة سريعة النمو.

وتحاول الحكومة التي تواجه عجزا كبيرا في الميزانية جذب اهتمام الشركات الخاصة بمشروعات السكك الحديدية والموانئ والطرق السريعة والطاقة وغيرها. ويقول مسؤولون إن هذا النهج قد يكون مثمرا لكنه لم يختبر بعد إلى حد كبير.

وقال سايمون كيتشن، الخبير الاقتصادي لدى المجموعة المالية «هيرميس»: «انقطاعات الكهرباء وارتفاع التضخم وعدم وصول السلع إلى الأسواق كلها عوامل تعوق النمو. السؤال بالطبع هو: كيف يمكن تمويل ذلك لأن الحكومة لا تستطيع؟». وقال تقرير للبنك الدولي في 2010 إنه إذا رفعت مصر الإنفاق على البنية الأساسية من خمسة في المائة إلى ثمانية في المائة من الناتج المحلي الإجمالي فإن ذلك سيرفع نصيب الفرد من النمو بنسبة 1.5 في المائة خلال عشر سنوات، وثلاثة في المائة خلال 30 سنة.

وقال التقرير إن الاستثمار في البنية الأساسية في مصر شكل نحو عشرة في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 1983، ونحو 12 في المائة في 1988، لكنه تراجع إلى نحو خمسة في المائة في 2007، وهو أحدث الأرقام المتاحة.

وقال التقرير «تراجع الاستثمار في البنية الأساسية بشكل ملموس.. دولة نامية مثل مصر لا يمكنها تحمل هذا الجمود». وتقدم مصر بسوقها الاستهلاكية المحلية الضخمة الكثير من عوامل الجذب للمستثمرين، فهي قريبة من أوروبا، وتقع في أقصى شمال أفريقيا، وفي قلب الشرق الأوسط، وهو ما يتيح لها الوصول بشكل جيد إلى الأسواق.

وفي خضم الأزمة العالمية ظل النمو قرب خمسة في المائة بدعم من تخفيضات ضريبية وإصلاحات أخرى بدأ تطبيقها في 2004. ورغم التغييرات ما زال المستثمرون يواجهون عقبات من بينها البيروقراطية الشديدة.

وحلت مصر في المركز السادس بعد المائة على مؤشر البنك الدولي لقياس سهولة الاستثمار في عام 2010. وهذا مركز متقدم عن مركزها في العام الماضي، لكنه متأخر عن بعض الدول الخليجية والاقتصادات الناشئة المنافسة مثل جنوب أفريقيا التي جاءت في المركز الرابع والثلاثين، وتركيا التي جاءت في المركز الثالث والسبعين.

وقال رشاد كلداني، نائب رئيس مؤسسة التمويل الدولية لمنطقة آسيا وشرق أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا «في معظم قطاعات البنية الأساسية تلعب الحكومة دورا رئيسيا من حيث الإطار التنظيمي. ينبغي أن تشعر بأن هناك اتساقا واستقرارا في احترام العقود إلى آخر ذلك». وأدى النمو الذي تتفاخر به مصر أيضا إلى زيادة الضغط على البنية الأساسية القائمة. وتكاثرت المدن الجديدة على مشارف القاهرة في السنوات العشر الماضية، وازدحمت الطرق بمئات الآلاف من السيارات الجديدة. وتبعث حالة سلامة الطرق على الإحباط، ويمضي الركاب ساعات في زحام المرور، وقد لا يستطيعون الوصول في مواعيدهم أو اللحاق بالرحلات الجوية.

وقال محمد حسن، وهو سائق بإحدى شركات السياحة، خلال وجوده في وسط القاهرة حيث تتعطل الطرق في أحيان كثيرة «نريد طرقا تربط المدن الجديدة بعضها ببعض، بدلا من تدفق السيارات على وسط المدينة». وأسهم ضعف نظام النقل في نمو التضخم الذي وصل الآن إلى 11 في المائة، حيث يستغرق وصول السلع إلى الأسواق وقتا أطول. ونتيجة لذلك تسعى الحكومة إلى تعزيز التجارة الداخلية، وإنشاء مناطق تخزين جديدة في أنحاء البلاد. واجتذبت مصر شركة «مترو غروب» الألمانية التي افتتحت متجرا للجملة وتتطلع لافتتاح 20 متجرا آخر. وأثار تكرار انقطاع الكهرباء في ظل ارتفاع الحرارة إلى أكثر من 40 درجة مئوية هذا الصيف استياء شعبيا، كما أثار مخاوف بشأن تأثير ذلك على الاستثمار. وما زال من الممكن الاعتماد على مصادر الطاقة في مصر بوجه عام حتى الآن، لكن حرارة الصيف المرتفعة وازدياد تشغيل مكيفات الهواء استفادة بدعم الطاقة يشكلان ضغطا على هذا النظام. وقال كلداني «من الواضح أن أحد أكبر الاحتياجات هو في قطاع الكهرباء، كما هو الحال في بلدان أخرى».

ويقر مسؤولون بالحاجة إلى تطوير البنية الأساسية، لكن في ظل عجز بنسبة 8.3 في المائة في السنة المالية الماضية المنتهية في يونيو (حزيران)، وتوقعات بعجز يبلغ نحو ثمانية في المائة في السنة المالية الحالية، تريد الحكومة أن يتحمل القطاع الخاص نصيبا أكبر من الإنفاق على البنية الأساسية.

وقالت مصر في يونيو إنها ستطرح مشروعات طرق وسكك حديدية وغيرها بقيمة 1.8 مليار دولار، في إطار شراكة مع القطاع الخاص. وكان وزير التجارة والصناعة المصري رشيد محمد رشيد قال في سبتمبر (أيلول) إن مصر «تسعى بقوة» لاجتذاب شركاء من القطاع الخاص، وتريد اجتذاب ما يصل إلى 50 مليار جنيه (8.7 مليار دولار) لمشروعات البنية الأساسية خلال 18 شهرا. وتم منح أول عقد شراكة لمشروع محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي لشركة «أوراسكوم» للإنشاء والصناعة المصرية، ووحدة من مجموعة «إف سي سي» الإسبانية في مايو (أيار) العام الماضي.

وطرحت مصر مناقصات وتعتزم إصدار مناقصات أخرى لمحطات مياه وطريق سريع في شمال القاهرة ومراكز طبية ومستشفيات ومدارس.

ولتشجيع الشركات قامت مصر بتسهيل إجراءات الاستثمار، وحثت البرلمان على إقرار تشريع جديد، وتخطط لإطلاق صناديق مؤشرات في البورصة، وهو ما سيتيح للمشروعات الكبرى في النقل والكهرباء بديلا تمويليا جديدا. لكن مسؤولين وخبراء اقتصاديين يقولون إن الشراكة مع القطاع الخاص لم تحقق انطلاقة قوية، وإن المستثمرين يحجمون بسبب عدم اليقين السياسي وعامل سعر الصرف الذي يهدد المشاركين في مشروعات الطرق طويلة الأجل أو المشروعات الأخرى التي تدر عوائدها بالجنيه المصري. وسجل الجنيه أدنى مستوى في خمس سنوات أمام الدولار هذا الأسبوع.

وقال كيتشن من المجموعة المالية «هيرميس»: «في هذه الاستثمارات طويلة الأجل على وجه الخصوص ينبغي أن ترسي هيكلا تتضح فيه عوائد المستثمرين على مدى فترة طويلة».