الحسابات السويسرية بين الأسطورة والواقع

أهمها تحمل أرقاما دون أسماء تبدأ من مليون دولار كحد أدنى

TT

صحيح أن قصة المصرفي الأميركي برادلي بيركنفيلد الذي سلم الوثائق التي أدانت بنك «يو بي إس» السويسري العملاق في أميركا، لا تبتعد كثيرا عن قصص جيمس بوند التي سطرها الكاتب البريطاني ذو الخيال الخصب إيان فليمنغ في أعقاب الحرب العالمية الثانية. لكن هنالك الكثير من القصص التي تنسج حول الحسابات السويسرية والغموض التي تجعل من هذه الحسابات أقرب إلى الأسطورة منها إلى الحقيقة. قد ترسم هذه القصص صورا غير واقعية عن هذه البنوك التي تنتظم بإجراءات قد تميزها عن بعض مصرف العالم، ولكنها لا تختلف في الواقع عن البنوك في لندن والرياض أو أبوظبي أو القاهرة أو بيروت، من حيث إجراءات فتح الحسابات والوثائق المطلوبة وأنواع الحسابات التي تتراوح من الحساب الحالي إلى حسابات الادخار والاستثمار. كما أن أصحاب هذه الحسابات ليسوا من المجرمين الذين يطاردهم البوليس الدولي (إنتربول) أو من المافيا أو تجار المخدرات أو مختلسي الأموال، وإنما هم أشخاص عاديون من أفراد المجتمع يثقون بالصناعة المصرفية السويسرية التي بنت شهرتها على الدقة والمهارة في التوظيف وسرية حسابات العملاء.

والسويسريون شديدو الافتخار بمصارفهم، كما بساعاتهم وبحلويات الشوكولاته، كما أن الشعب السويسري شعب دقيق وماهر ومنظم وحريص في التعاملات المالية والتجارية، لذلك برعوا في الصيرفة وأصبحت مصارفهم مصدر ثقة منذ أكثر من ثلاثة قرون. وقانون «السرية المصرفية» الذي يميز المصارف السويسرية قانون مقدس في سويسرا، صيغ من قبل البرلمان ليحمى تفاصيل حسابات العملاء.

من هذا المنطلق أصبحت البنوك السويسرية ملجأ للأوروبيين وأصحاب المال في لحظات الاضطراب السياسي، كما أنها كذلك ملجأ لهم في لحظات اضطراب العملات، لأن الفرنك السويسري من عملات «الملاذ الآمن» التي تنافس الذهب على حفظ قيمة الموجودات.

ولكن هل من السهل فتح حساب في البنوك السويسرية؟ في الواقع يمكن لأي شخص أن يفتح حسابا في بنك سويسري من نوعية الحسابات العادية المذكورة سابقا وحتى بالبريد دون أن يذهب بنفسه إلى البنك. ولكن الحسابات الثمينة التي تثير قصص جيمس بوند هي الحسابات البنكية الرقمية الثمينة التي تحمل أرقاما فقط ولا تحمل أسماء أصحابها. وهي حسابات مشفرة لا يعرف أسماء أصحابها، إلا المصرفي المختص بالحساب وصاحب الحساب. وهذه الحسابات يجب أن لا يقل رصيدها عن قرابة ربع مليون دولار وربما تبدأ بمليون دولار، كحد أدنى للحسابات الثمينة في بعض المصارف. ولكن بعض البنوك تطالب برصيد أقل على الحسابات الرقمية العادية، ولكن الرصيد يجب أن لا ينخفض عن قرابة ربع مليون دولار في أي لحظة. وهذه الحسابات يدفع عليها العميل رسوم خدمات سنوية قدرها 500 فرنك سويسري (نحو 530 دولار». ويفتح أصحاب هذه الحسابات حساباتهم بأي عملة. وفي فترات الاستقرار السياسي والمالي عادة ما يختار صاحب الحساب عملة غير الفرنك، لأن الفائدة على الفرنك منخفضة، ولكنه يختار الفرنك في لحظات اضطراب العملات، لأن الفرنك «ملاذ آمن» ينافس الذهب في حفظ القيمة، ولذلك يلاحظ في السنتين الماضيين حجم التدفقات الضخمة على البنوك السويسرية.

ويأتي الحساب الرقمي بتأمين قدره 100 ألف فرنك (نحو 106 آلاف دولار). ويلاحظ أن الأثرياء يثقون في الحسابات السويسرية مقارنة بأي حسابات بنكية أخرى، وهذا لا يعود كما يشاع إلى أن سويسرا مركز أوفشور يخفي فيه الأثرياء أموالهم، لأن الذين يتهربون من الضرائب قلة. والواقع أن أصحاب المال يثقون في المصارف السويسرية لأن الصناعة المصرفية السويسرية لم تشهد إفلاسا واحدا في تاريخها، كما أن الحسابات السويسرية مضمونة من قبل مؤسسة تأمين الحسابات السويسرية التي أنشأتها البنوك السويسرية. وبالتالي يأمن صاحب الحساب من ضياع أمواله.