المؤسسات والبنوك الغربية تزيد إصداراتها من السندات الإسلامية

بلغت 13.7 مليار دولار في النصف الأول من العام الحالي

لم تعد الصكوك الإسلامية حكرا على العالم الإسلامي وإنما آلية عالمية للتمويل (أ.ب)
TT

حتى وقت قريب كان إصدار السندات الإسلامية أو ما يعرف بالصكوك مقصورا على بلدان العالم الإسلامي، ولكن الآن يحاول عدد من جهات الاقتراض الدولية الاستفادة من هذه السوق، بما في ذلك شركة «نومورا» القابضة اليابانية وشركة «إنترناشيونال أنوفاتيف تكنولوجيز» الأوروبية.

وتحظر سوق السندات الإسلامية، التي يبلغ حجم تعاملاتها 100 مليار دولار، التعامل بالفائدة والاستثمار في القطاعات التي تتعارض مع القواعد الأخلاقية الإسلامية. ومع أن استخدام هذه السندات خارج حدود منطقة الخليج العربي والأسواق الماليزية، يطالب بعض المحللين الجهات المنظمة لهذه السوق بمراقبتها عن كثب لمنع واستخدام هذه السندات للقيام بغسيل الأموال في أسواق الدول النامية.

وقال خيروم نظام، مساعد الأمين العام لهيئة المحاسبة والمراجعة لتعاملات المالية الإسلامية التي مقرها البحرين: «إنه لأمر جيد أن تكتسب السندات الإسلامية وأدوات التمويل الإسلامي قبولا دوليا، ولكن يتعين على المنظمين الحذر عند القيام بذلك؛ لأنه قد لا تكون لديهم بالضرورة الخبرة الكافية لتنظيم هذه السوق. ويتمثل التحدي في التأكد من أن الجهات التشريعات الجديدة تكون ملمة بالموضوع؛ حيث إن السندات الإسلامية لا تزال جديدة نسبيا ولم يتم اختبارها، حتى تتمكن من توفير كل ما يلزم من آليات الإفصاح والشفافية ومكافحة غسيل الأموال».

وقالت وكالتا التصنيف «موديز» و«ستاندرد آند بورز» إنهما تتوقعان أن تشهد علميات إصدار الصكوك من قبل لاعبين جدد زيادة خلال العام المقبل، بما في ذلك جهات اقتراض في سنغافورة وأستراليا ولوكسمبورغ وتايلاند وهونغ كونغ وفرنسا وروسيا.

وفي أغسطس (آب)، قامت شركة «إنترناشيونال أنوفاتيف تكنولوجيز» ومقرها بريطانيا، بإصدار أول حزمة صكوك إسلامية تصدرها جهة اقتراض أوروبية. وتبلغ قيمة الصكوك التي أصدرتها شركة «إنترناشيونال أنوفاتيف تكنولوجيز» 10 ملايين دولار وسوف يتم إدراجها في سوق الأسهم بجزر كايمان، وتستحق هذه الصكوك عام 2014. وجاءت هذه الخطوة في أعقاب إصدار مصرف «نومورا» الياباني القابض للاستثمار صكوكا بقيمة 100 مليون دولار في يوليو (تموز).

وقد استطاع مصرف «كيوفيت تيرك كتليم بنكاسي» الإسلامي التركي، جمع 100 مليون دولار من خلال إصدار صكوك إسلامية لأجل 3 سنوات في أغسطس وأعلن في سبتمبر (أيلول) عن خطط لإصدار حزمة ثانية من الصكوك بقيمة مماثلة عام 2012. وبالمثل، فإن كازاخستان، التي زادت قيمة ديونها الخارجية في عام 2000، ومصرف الأمانة الإسلامي المملوك للدولة في الفلبين، أعلنا أنهما يخططان للقيام بأول عملية بيع للديون وفقا لمبادئ الشريعة الإسلامية بحلول نهاية هذا العام. وقال إيمانويل فولاند، وهو مدير بارز في مؤسسة «ستاندرد آند بورز» التي مقرها باريس: «هذه السوق تفتح أبوابها لمصدري السندات من غير المسلمين في أوروبا وحتى الولايات المتحدة الذين يريدون تنويع أدوات تمويلهم وتوسيع قاعدة المستثمرين. وبعيدا عن اختلاف هياكل الصكوك، تظل هناك قضية مهمة مع توسع سوق الصكوك لتشمل الكثير من دول العالم، ألا وهي التفسيرات لقواعد الشريعة الإسلامية في مختلف البلدان. وتمثل قضية تحديد تعريف عالمي للصكوك المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية تحديا كبيرا بالنظر إلى المدارس الفكرية المختلفة».

وقد تسببت التفسيرات المختلفة لموقف الشريعة من المنتجات المالية في حدوث ارتباك كبير في فبراير (شباط) 2008، عندما قال أحد العلماء إن ما يقرب من 80% من الصكوك المطروحة في السوق غير متوافقة مع مبادئ الشريعة. وعلى الرغم من أن الاتهام لم يوجه إلى إصدارات معينة، فإن المحللين يقولون إن هذه التصريحات أدت إلى حدوث اضطراب كبير في السوق، حتى قبل الأزمة المالية. وفيما توقفت أسواق السندات خلال عام 2009، كانت سوق الصكوك تكافح مع تأخر سداد صكوك تصل قيمتها إلى 10 مليارات دولار على الأقل وتعثرت بعض كبريات المؤسسات المصدرة لها مثل شركتي «دبي العالمية» و«النخيل». وانخفضت إصدارات الصكوك العالمية بنسبة 23% لتبلغ 10.9 مليار دولار في 2010، وفقا لبيانات جمعتها بلومبيرغ. وقال حاتم عبد الطاهر، مدير مركز معارف التمويل الإسلامي لشركة «ديلويت آند توش» بالبحرين: «نظرا لفشل بعض الصكوك في العام الماضي، وهناك دعوة لوضع تشريعات منظمة جديدة. فالمستثمرون بحاجة لمزيد من المعلومات لحماية أنفسهم. ولا تزال هذه صناعة ناشئة وغياب التنظيم سوف يسبب صعوبة للمستثمرين وللاستثمار الدولي في الصكوك». وفي حين أن مجلس الخدمة المالية الإسلامية وهيئة المحاسبة والمراجعة قد حددا معايير للصكوك، فإن تعثر بعض المؤسسات في العام الماضي أظهر أهمية وضع لوائح إرشادية جديدة مع ظهور مشكلات جديدة، لا سيما أن الصكوك بدأت تجذب اهتمام العالم. ولا يوجد عقد موحد أو عملية توثيق موحدة عالميا لإصدار الصكوك سواء في لندن أو لوكسمبورغ أو مركز دبي المالي العالمي، وليس هناك توافق في الآراء بين البلدان حول الالتزام بمجموعة محددة من القواعد. ويتم وضع المعايير هنا، ولكن ليس كل مصدر للسندات الإسلامية يلتزم بها.

وأضاف عبد الطاهر أنه في الوضع المثالي، فإن على الجميع أن يلتزم بالمبادئ التوجيهية التي تضعها هيئة المحاسبة والمراجعة ومجلس الخدمات المالية لكي يتأكدوا من أنهم يتبعون أفضل الممارسات.

ويقول محللون: إن وجود قصور في القوانين المنظمة ولوائح العمل يعتبر أمرا مفهوما في سوق لا تزال ناشئة.

وقال محيي الدين قرنفل، مدير صندوق في مؤسسة «الجبرا كابيتال» ومقرها دبي: «نعم، هناك قصور في القواعد التنظيمية، لكن هذا مجرد تطور طبيعي في سوق لا تزال تنتقل من مرحلتها الأولى؛ حيث غالبا ما يغطي النمو السريع على ضعف الممارسة، إلى مرحلتها الثانية التي تشير إلى النضج؛ حيث تتحسن القواعد التنظيمية ويتم التوصل إلى معايير موحدة للصناعة على المستوى العالمي». ومع اكتساب أسواق الدين التقليدية بعض الزخم هذا العام، فقد شهدت سوق الصكوك توسعا أيضا.

وقد وصلت قيمة إصدارات الصكوك العالمية في النصف الأول من هذا العام إلى نحو 13.7 مليار دولار، وهو ما يقرب من ضعف قيمتها في الفترة نفسها من العام الماضي، 7.1 مليار دولار، وذلك وفقا لتقرير مؤسسة «ستاندرد آند بورز».

وفي الأشهر الثلاثة الماضية، أصدرت شركة «كهرباء السعودية» 3 عروض للصكوك بقيمة إجمالية بلغت 1.8 مليار دولار، وباعت دار الأركان 450 مليون دولار عبر الصكوك، كما باع مصرف قطر الإسلامي 750 مليون دولار في صورة صكوك، وهو أول إصدار دولي للصكوك من قبل مؤسسة مالية قطرية، وفي أواخر أكتوبر (تشرين الأول) جمع المصرف الإسلامي للتنمية، ومقره المملكة العربية السعودية، 500 مليون دولار من خلال بيع صكوك كجزء من برنامج تصل قيمته إلى 3.5 مليار دولار.

ولكن يشير المحللون إلى أن المزيد من النمو في هذه السوق قد يواجه صعوبات حتى يتم إقرار قواعد تنظيمية مناسبة لإتاحة المجال لتطوير قاعدة متنوعة من المستثمرين المؤسسين.

وقال رافائيل دي ريكاود، رئيس التمويل الإسلامي في فرع مؤسسة «روتشيلد» في دبي: «هناك زيادة في عدد المستثمرين المؤسسين غير المصرفيين في الخليج، لكن هذا العدد لم يصل بعد إلى الحد الذي يجب أن يكون عليه. إننا بحاجة إلى المزيد من هذه المؤسسات في المنطقة، ونحن بحاجة أيضا إلى أن تكون المؤسسات الموجودة أكثر إلماما بهذه المنتجات. وفي النهاية، فإن الأمر يتعلق بإدارة المخاطر».

* خدمة «نيويورك تايمز»