التحول نحو الجمهوريين في واشنطن يثير مخاوف اقتصادية عالمية

حلفاء أميركا يشعرون بالقلق من أن يؤدي النزاع السياسي في واشنطن إلى تحديات جديدة للاقتصاد العالمي

السناتور مارك كيرك مرشح الحزب الجمهوري في ولاية الينوي يحتفل في أعقاب فوزه على خصمه الديمقراطي (رويترز)
TT

مع تأكد سلطة الجمهوريين في الكونغرس، يشعر حلفاء الولايات المتحدة بالقلق من إمكانية أن يؤدي النزاع السياسي في واشنطن إلى مزيد من التحديات الجديدة للاقتصاد العالمي.

وعلى الرغم من التعهدات بالحد من الإنفاق الحكومي والعجز الضخم للميزانية الأميركية، يتوقع أن يعمل الجمهوريون على مواجهة القلق بشأن البطالة وتباطؤ النمو من خلال تمديد التخفيضات الضريبية على الدخل بالنسبة للجميع، بمن في ذلك الأغنياء، والتي أقرت إبان فترة رئاسة جورج بوش، وهي خطوة من شأنها أن تضيف إلى العجز، وبالتالي، إضعاف الدولار الأميركي.

وقال بارت فان آرك، كبير الاقتصاديين في مؤسسة «كونفرانس بورد»، التي تقيس المؤشرات الاقتصادية الأميركية: «إن بقية دول العالم، بما في ذلك آسيا، تراقب عن كثب الولايات المتحدة، من دون ملاحظة أي تدابير سياسية فعالة في إعادة الاقتصاد إلى المسار الصحيح، وهو ما يجعل الولايات المتحدة تفقد شرعيتها في المجتمع الاقتصادي العالمي كرائد في تقديم الحلول».

يمكن للحفاظ على المعدلات المتدنية نسبيا للضرائب حاليا الإسهام في زيادة الإنفاق الاستهلاكي في الولايات المتحدة، في الوقت الذي يؤدي فيه انخفاض قيمة الدولار إلى زيادة القدرة التنافسية للصادرات الأميركية. لكن محللين قالوا إن هذه الإصلاحات ستكون مؤقتة فقط، ومن غير المرجح أن تحول دون تراجع القوة الاقتصادية الأميركية، في وقت تجاوزت فيه الأسواق الناشئة الدول الصناعية كمحركات رئيسية للاقتصاد العالمي.

ومن شأن ضعف الدولار أيضا تثبيط الانتعاش في البلدان الأوروبية التي اعتمدت تدابير تقشف قاسية تحت ضغط من الأسواق المالية لكبح جماح ديونها المفرطة.

وبعد تطبيق إدارة الرئيس باراك أوباما تغييرات مكلفة في قطاعي الرعاية الصحية والنظام المالي، أشار الناخبون إلى أنهم يريدون من الولايات المتحدة تقليص الإنفاق الحكومي. وقد كرر النائب الجمهوري عن ولاية أوهايو، جون بونر، الذي يتوقع أن يكون الرئيس القادم لمجلس النواب، تعهداته يوم الثلاثاء بالحد من حجم الحكومة، وتوفير المزيد من فرص العمل وتغيير الطريقة التي يدير بها الكونغرس الأوضاع.

إلا أن ذلك ليس مهمة سهلة؛ فالناخبون يرغبون أيضا في الحفاظ على استحقاقات مكلفة ويأملون في قدرة الجمهوريين على تحويل التخفيضات إلى برنامج الرعاية الصحية، وتمديد تخفيضات بوش الضريبية، بحيث لا ترتفع الضرائب في اقتصاد ضعيف في نهاية العام.

لكن هذه التحركات، إذا سنت كقانون، ستزيد من صعوبة، لا من سهولة، الحفاظ على التعهدات بالحد من الدين الوطني، والعجز في الميزانية. وأشار محللون إلى أن هذه التحركات لن توفر العديد من فرص العمل كما يفعل الإنفاق الكبير على مشاريع ضخمة مثل مشاريع البنية التحتية.

ويرى شركاء الولايات المتحدة في الخارج أن مزاعم الجمهوريين بشأن تصحيح الأوضاع المالية يصعب قبولها، فيقول سيمون تيلفورد، كبير الاقتصاديين في مركز الإصلاح الأوروبي في لندن: «ما يدافعون عنه سيزيد على الأرجح العجز بدلا من الانخفاض الكبير الذي يزعمون أنهم يرغبون في تحقيقه».

هناك أيضا خطر الشلل التام الذي قد يصيب الكونغرس، نتيجة للانقسام بين سيطرة جمهورية على مجلس النواب وأغلبية هشة في مجلس الشيوخ، ما سيترك مهمة دعم الانتعاش الاقتصادي الأميركي إلى البنك الاحتياطي الفيدرالي.

ومن دون اقتصاد أميركي أكثر قوة، يتوقع أن يستمر التحول في ميزان القوة الاقتصادية لصالح الأسواق الناشئة. ويشير المحللون إلى أنه حتى إن استمر النمو في الولايات المتحدة بمستوياته الحالية، فإن الأسواق السريعة التطور، مثل الصين والبرازيل والهند، ستظل المحركات الرئيسية للاقتصاد العالمي، وهو الاعتقاد الذي أكده تقرير صندوق النقد الدولي الشهر الماضي.

ولم يتضح كيف سيتمكن الكونغرس، الأعرج، الذي لا تزال تسيطر عليه أغلبية ديمقراطية، من تمرير القوانين قبل السيطرة الجديدة للجمهوريين. لكن ضغوطا تمارَس الآن على إدارة أوباما للتوصل إلى اتفاق حول الضرائب قبل نهاية العام على الرغم من أنه لا يوجد إجماع حول المناطق التي يمكن من خلالها خفض الإنفاق، حسب قول المحللين.

علاوة على ذلك، إذا تم تمديد المعدلات الحالية لضريبة الدخل على الأثرياء ودافعي الضرائب من الطبقة المتوسطة على مدى السنوات القليلة المقبلة، يمكن لذلك أن يزيد العجز بنسبة 1-2% من مجمل النشاط الاقتصادي، وفقا لكلاوس دويتش، الاقتصادي البارز في «دويتشه بنك ريسيرش» في برلين.

وقال: «لذا، فإن الحاجة إلى تبني حزمة ضبط مالي أكثر شمولا خلال العام أو الـ3 أعوام المقبلة ستصبح أكثر أهمية».

وفي حال تزايد العجز في الميزانية الأميركية بدلا من الحد منه، سيكون من النتائج الرئيسية المزيد من ضعف الدولار أمام اليورو والجنيه الإسترليني والعملات الأخرى. وقد تراجع الدولار أكثر من 15% مقابل اليورو وحده منذ يونيو (حزيران) نتيجة للمخاوف بشأن الموقف المالي الأميركي والتوقعات بإعلان الاحتياطي الفيدرالي جهودا جديدة يوم الأربعاء لضخ المزيد من المال إلى الاقتصاد المتردي عبر شراء أسهم الخزانة، العملية التي تعرف بالتسهيل الكمي.

ويرى فريد بيرجستين، مدير معهد بيترسون للاقتصادات الدولية في واشنطن، أنه خلال أوقات التوظيف الكامل، يمكن لعجز أكبر أن يكون بداية لسياسة مالية أكثر تشددا ومعدلات فائدة أعلى. وقال: «لكن مع انخفاض معدلات الفائدة إلى الصفر واقتراب البنك الفيدرالي من البدء في عملية توسع كمي، فإن ذلك يعني عجزا أكبر ومزيدا من الضعف للدولار، وهذه هي مجموعة القضايا التي ستؤدي إلى مزيد من الانزعاج خارج الولايات المتحدة، خاصة بين الدول الأوروبية».

على الجانب الآخر، تتمثل مخاوف في الاتحاد الأوروبي - أضخم تكتل اقتصادي في العالم - في أن يؤدي ضعف الدولار إلى مزيد من الصعوبات في تحقيق انتعاش قائم على الصادرات، في الوقت الذي تبنت فيه دول أوروبية، مثل بريطانيا واليونان وآيرلندا، سياسة تقشفية في محاولة للحد من الإنفاق.

وحتى إن واصل الدولار ضعفه أمام العملات الأخرى، سيساعد ذلك الصادرات الأميركية، ويتوقع غالبية المحللين الاقتصاديين والسياسيين مواصلة المشرعين من كلا الحزبين الضغط على الصين لتعزيز عملتها. وهو ما سيزيد التحديات أمام إدارة أوباما لدعم وسيلة أكثر تعاونية نحو رفع قيمة العملة الصينية بما يتلاءم والمقومات الاقتصادية القوية للصين.

وقد شكا المصنعون الأميركيون طويلا من محاولات الصين الإبقاء على عملتها ضعيفة، ما يجعل من الصعب على الصادرات الأميركية المنافسة في الأسواق العالمية.

ويرى كينث روغوف، أستاذ الاقتصاد بجامعة هارفارد، وكبير الاقتصاديين السابق بصندوق النقد الدولي، أن قضية العملة جزء من النزاع الأكبر حول التجارة. وقال: «إذا منح الصينيون الفرصة، سيحاولون التسويف بشأن سياسة التجارة. فالآسيويون، على وجه الخصوص، قلقون للغاية بشأن إمكانية تطبيق التعريفة الأميركية على الواردات الصينية، أو طريقة عدوانية، لا بسبب سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب بل بسبب ضعف الاقتصاد».

وأضاف روغوف: «إلى أن تتضح الأمور، فإن الكلمة السائدة اليوم هي (تقلب الأهواء)، فهناك قوة جديدة قوية ومتقلبة، وهو ما يجعل باقي دول العالم متوجسة حيال ذلك».

* خدمة «نيويورك تايمز»