البنوك السعودية تعيد فتح أبوابها أمام المستثمرين

وسط تحفيزات الحكومة والمشاريع الكبيرة

TT

بات المستفيدون والمستثمرون في السعودية على موعد مع بوادر انفراج أزمة الائتمان في البلاد، وقرب تنفسهم الصعداء مع الأيام الأخيرة للعام الحالي.

وبعد أن كان الإقراض في أوجه مع بداية عام 2005، وبلوغ ذروته القصوى في نهاية 2007، خاصة في قطاع الشركات، فإن انتكاسة الأزمة المالية العالمية مع حلول سبتمبر (أيلول) عام 2009، ألقت بظلالها على الكثير من الشركات السعودية.

وظلت الشركات والمؤسسات، خاصة الصغيرة والمتوسطة في السعودية في حيرة من أمرها، بعد أن انكمشت المصارف السعودية، وأغلقت باب الإقراض دون سابق إنذار، خشية أن تطالها رياح «تسونامي» التي اجتاحت العالم ولم تذر أثرا، مما عطل معها كثيرا من المشاريع، سواء التي كانت مرسومة على الورق أو في بداية وضع قواعدها للبناء.

وظلت البنوك السعودية على إغلاقها لأبوابها نحو عامين، مبقية على نوافذ صغيرة تركت للإقراض لقطاع الأفراد، الذي تضمن إرجاعهم للقروض بفوائدها، ورواتبهم التي يتقاضونها من جهات عملهم.

ومع تساقط الأوراق وحلول خريف هذا العام، بدأت أبواب البنوك تفتح شيئا بسيطا وعلى استحياء، وفي الغالب لا تفتح إلا لـ«الطارق المعروف» أو من لديه موعد سابق، دون الاكتراث بمن يطرق الباب عشوائيا، حتى وإن كان للسؤال عن شيء ما.

وبدأ فتح البنوك قليلا مع حوافز حاولت معها الحكومة السعودية عبر مؤسسة النقد تقديمها لتحفيزهم على فتح الأبواب كاملة واستقبال الضيوف، خاصة من الشركات، يدفعها في ذلك حجم السيولة الكبير والمشاريع الضخمة التي تشهدها السعودية في الفترة الأخيرة، والمرونة في الصرف الحكومي على المشاريع.

ومن ضمن مساهمات الحكومة: تخفيض الاحتياطي النظامي للبنوك، وتخفيض أسعار الفائدة، وضخ أموال في السوق. كله بهدف تشجيع البنوك على الإقراض.

وهنا يرى فضل بن سعد البوعينين، المحلل المصرفي، أن عملية الإقراض تعتمد اعتمادا كليا على مقدرة البنك على تقديم الائتمان لطالبيه، وأن البنوك مرتبطة بنسب محددة لا يمكن تجاوزها فيما يتعلق بالملاءة المالية والقدرة على الإقراض والنسب المحددة أصلا.

ويضيف البوعينين في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن الأنظمة العالمية فيما يتعلق بالإقراض الكلي كلها تؤثر في حجم الائتمان المحدد، ولكن في كثير من الأحيان تكون الظروف السائدة لها تأثير كبير على البنوك فيما يتعلق بالسياسة الإقراضية.

وتابع أن البنوك مرت بمراحل كثيرة، وذلك عندما كانت تعتمد على الإقراض التوسعي بسبب الظروف التي لم تكن متاحة قبل أن تتوسع القروض فيها، وقبل أن يتم تنظيم الإقراض لقطاع الأفراد، بعد أن جاء التنظيم لهذا المجال، وبدأت البنوك بعد ذلك بالتوسع في قطاع الأفراد، وكذلك قطاع الشركات، خاصة في القطاع الصناعي الذي كان في حاجة إلى تمويل جديد، مما خلق قروضا أكبر مما كانت عليه وبنمو كبير.

ويشير البوعينين إلى أن الأزمة المالية العالمية التي كان لها تأثير كبير على مقدرة البنوك على الإقراض من جانب، وعلى نوعية العملاء الذين يفضلونها البنوك لتقديم قروضها لهم، وأصبح هناك تمييز وتحفظ على الإقراض، على الرغم من قدرة البنوك على ذلك، ثم إن البنوك اتخذت سياسة خاصة بها تعتمد على الانتقائية والتمييز «أي ليس كل واحد يعطى قرض حتى ولو كانت هناك قدرة على الوفاء».

وبين المحلل المصرفي البوعينين أن من ضمن القطاعات المتأثرة بذلك قطاع المقاولات، والسبب أنه قطاع «غير كفء» وهو ليس كالقطاعات الأخرى، خاصة فيما يتعلق بالربحية وإدارة المشاريع، وهنا أصبحت مشكلة، لأن البنوك تفكر عند الإقراض في كيفية استعادة رأس المال والأرباح.

ويعتبر البوعينين أن عامي 2008 و2009 كانا أسوأ عامين مرا على البنوك السعودية من حيث التمسك بعدم الإقراض، ونتوقع أن تكون الأزمة قد بدأت تدريجيا في الزوال، ونتوقع مع 2011 أن تتحسن الأمور أكثر.

ويرى أن هناك أزمة لبعض المجموعات الكبيرة مثل «معن الصانع» و«القصيبي»، التي جاءت لاحقة للأزمة العالمية، لكنه يرى أن مؤسسة النقد السعودي عندما وجهت بأخذ 100 في المائة من مخصصات البنوك لتغطية الديون المتعثرة بدأت مرحلة جديدة، على الرغم من أن هذا قلل من ربحية البنوك، لكنه أعطى قوة إضافية في موضوع الإقراض مستقبلا، على أساس أن تكون مراكزها المالية أقوى مما كانت عليه، وتكون المخاطر أقل بسبب تغطية هذه المحافظ.

ومن وجهة نظره، فإن نظام «بازل 3» أسهم في إعطاء البنوك السعودية جرعة إضافية في تقليل المخاطر، خاصة أن البنوك السعودية طبقت النظام الجديد «بازل 3» مبكرا وقبل حلول الوقت المحدد له.

من جهته، يرى محمد العنقري، محلل الأسواق المالية، أن الوضع القائم للبنوك في مسألة الإقراض طبيعي، وهو نتاج الأزمة المالية العالمية، التي ارتفعت معها المخاوف بشكل عام، وبالتالي كان «حساب المخاطر» هو الأبرز في مسألة الإقراض في القطاع التجاري.

ويتابع أن ذلك عائد لأن الإقراض الشخصي مضمون لارتباطه بالرواتب، بينما القطاع التجاري انكمش فيه الإقراض والمخاطر ارتفعت، وأصبح الإقراض محدودا لأن الاقتصاد العالمي صار غامضا بشكل عام.

كما أن السياسات التي اتبعتها مؤسسة النقد السعودي كان الهدف منها التشجيع على الإقراض، وبعدما ارتفعت وتيرة الإنفاق الحكومي وأصبح الكثير من الشركات تعمل في هذا البرنامج الإنفاقي الكبير، اطمأنت البنوك تقريبا إلى الإقراض.

بالإضافة إلى ذلك - والحديث للعنقري - فإن الشركات التي لها علاقة في المشاريع الحكومية بشكل مباشر، هذا تقريبا هو الذي أعاد الثقة «نسبيا» وليس 100 في المائة للبنوك وللإقراض، لأن الشركات تنفذ مشاريع مع الحكومات والدفعات الحكومية تسير بوتيرة طبيعية، وكلها حلقات مرتبطة ببعضها، وحتى تستمر العجلة الاقتصادية في الدوران.

وكان الدكتور سعيد الشيخ، نائب أول الرئيس وكبير اقتصاديي البنك الأهلي التجاري، قد أكد أن نمو حجم التسهيلات الائتمانية الممنوحة للقطاع الخاص في السعودية سوف يتسارع خلال الأشهر القليلة المقبلة، على خلفية الفوائض المالية الكبيرة للبنوك لدى مؤسسة النقد العربي السعودي التي تبلغ نحو 100 مليار ريال (26.6 مليار دولار).

وأكد الشيخ، على هامش حفل إطلاق البنك الأهلي لمؤشر التفاؤل بالأعمال للربع الرابع من العام الحالي الذي نظم قبل أيام، أن حجم الإقراض المصرفي من المرجح أن يتصاعد بفعل الوضع المالي القوي للبنوك السعودية في الوقت الراهن وتجنيبها مخصصات كافية للديون المشكوك في تحصيلها.

وأضاف في حينه، أن هناك توسعا ملحوظا في محفظة القروض لدى البنوك السعودية، وأن هذه البنوك تحتفظ بفوائض تبلغ 100 مليار ريال لدى «ساما»، كما أن لديها صافي استثمارات يقارب الـ117 مليار ريال (31.2 مليار دولار)، مما يؤكد متانة القطاع المصرفي في السعودية، الذي سيؤدي بدوره إلى استئناف البنوك لعمليات الإقراض بعد انكماش في عام 2009.

وأطلق البنك الأهلي تقريره بالتضامن مع «دان آند براد ستريت لجنوب آسيا والشرق الأوسط المحدودة» مؤشر التفاؤل بالأعمال للربع الرابع من عام 2010، حيث تم إجراء هذا المسح في شهر سبتمبر عام 2010، وفي خضم بيئة تتسم بقدر متزايد من التخمينات في أوساط المستثمرين بأن الاقتصاد العالمي يتجه نحو التباطؤ خلال الأشهر المقبلة.