توسع الطبقة المتوسطة في البرازيل مع الازدهار الاقتصادي للبلاد

20 مليون فرد من الطبقة الفقيرة التحق بها منذ 2003

البرازيل شهدت اكبر طفرة خلال العقد الماضي ويظهر ذلك في المدن الرئيسية
TT

في سن التاسعة عشرة سافر ديفيد نيلمان، المبشر المورموني، إلى شمال شرقي البرازيل، ليمارس مهمته في التبشير في منطقة بالغة الفقر لا يزال يذكرها بقوله: «آلمتني كثيرا».

وبعد مهمة استغرقت عامين عاد نيلمان إلى الولايات المتحدة تقوده حماسة المغامرة، حيث أسس شركة طيران اشتهرت بخدماتها الابتكارية.

مرة أخرى، عاد نيلمان إلى البرازيل كمبشر، لكن هذه المرة كانت مختلفة فقد عاد ليدشن شركة طيران «آزول».

توسعت الشركة، شأنها في ذلك شأن الكثير من الشركات في هذه الدولة المزدهرة اقتصاديا، التي يبلغ عدد سكانها 200 مليون نسمة، يقودها في ذلك طبقة متوسطة غنية واسعة النطاق، تعرف في البرازيل بالفئة (C).

وقال نيلمان، في مقابلة أجريت معه مؤخرا في مقر شركة «آزول« خارج ساو باولو: «من الرائع حقا أن يكون هناك 100 مليون شخص ضمن الفئة (C)».

يذكر نيلمان أن القوة الشرائية للبلاد، قبل ثلاثين عاما عندما أنهى عمله التبشيري، كانت في أيدي 30 مليون شخص فقط، بيد أنه خلال السنوات الثماني الماضية، على الرغم من حصول الأسر ضمن الفئة (C) على دخل شهري يقدر بما بين 650 إلى 850.2 دولار، وهو ما يعتبر ضمن الطبقة المتوسطة الدنيا في الولايات المتحدة، فإنها توسعت لتشمل 30 مليون شخص.

وأضاف نيلمان أن «تلك الفئة لا الفئة (A) أو الفئة (B) هي التي تعطي النمو للاقتصاد».

هذه الملايين التي ارتفعت إلى الطبقة الوسطى من البرازيليين تسهم في تعزيز اقتصاد، ثامن أكبر دول العالم تعدادا للسكان، التي يتوقع الاقتصاديون أن تحقق نمو بنسبة 7.5 في المائة هذا العام. هذه القفزة إلى الطبقة المتوسطة هي التي شجعت ديلما روسيف، التي فازت في الانتخابات الرئاسية يوم الأحد الماضي إلى القول إن القضاء على الفقر في البرازيل بات أمرا ممكن الحدوث.

وبالفعل، فمع اقتراب انتهاء الثماني سنوات الرئاسية للرئيس المحبوب، لولا دا سيلفا، تمر هذه البلاد بما يسميه علماء الاجتماع تحولا اجتماعيا واقتصاديا ارتفع فيها 20 مليون فرد من الفقر منذ عام 2003. وارتفعت فيها الأجور بنسبة 5.2 في المائة سنويا خلال فترة رئاسته وانخفض التفاوت في الدخول بين المواطنين.

ويرى مارسيلو نيري، الاقتصادي الذي يدرس توجهات علم الاقتصاد الاجتماعي، أن الوافدين إلى الطبقة المتوسطة يتمتعون باستقرار كبير يشمل الوظائف في الاقتصاد الرسمي والخدمات مثل الرعاية الصحية والمعاشات.

تعمد هذه الطبقة أيضا إلى الشراء بمعدلات قياسية، فتضاعفت مبيعات السيارات لتصل إلى 4.5 مليون سيارة منذ عام 2003. وارتفع عدد البطاقات الائتمانية التي أصدرت للمستهلكين بنسبة 438 في المائة خلال عقد. كما ارتفع عدد المسافرين على الطائرات من 33 مليون شخص في عام 2003 إلى 56 مليونا. هذا يعني الفرص المربحة للمستثمرين، سواء أكانوا يبيعون غسالات ملابس أم منازل جديدة أم تذاكر طيران.

ويقول نيري، كبير الاقتصاديين في مركز غيتوليو فارغاس فونداشن للسياسات الاجتماعية في ريو دي جانيرو «اعتادوا على استهداف عشرة في المائة من البرازيليين، والآن يوسعون نطاق عملهم».

شعر نيلمان من الولايات المتحدة بربح الفرص، فبعد تأسيس شركة «جيت بلو»، في عام 1998 حاز التقدير على تقديم شركة الطيران خدمة جيدة بسعر منخفض، ثم جاءت العاصفة الثلجية عام 2007 التي أوقعت الشركة في خطأ فادح أربك آلاف المسافرين من الركاب وألقى مجلس إدارة الشركة اللوم على نيلمان وأبعده.

وهو ما دفع نيلمان إلى التوجه صوب الجنوب بحثا عن الفرص، وقال «عندما أنشأت (جيت بلو) وناقلتين أخريين، شعرت بأن من المنطقي أن أواصل العمل في مجال النقل الجوي».

قام نيلمان بجمع 235 مليون دولار للشركة الجديدة من شركات كبيرة مثل شركة «غروبو بوزانو» البرازيلية، ومستثمرين أميركيين رأوا فرصة في البرازيل، ولأن نيلمان يملك الجنسية البرازيلية - والده صحافي أميركي مقيم في البرازيل عندما ولد نيلمان - فبإمكانه الالتفاف على القيود التي تحظر على الأجانب امتلاك 20 في المائة من أسهم شركات الطيران. وقال «جاءت هذه العوامل مجتمعة لتقدم فرصا هائلة».

دشنت شركة «آزول»، التي تعني «أزرق» بالبرتغالية، أولى رحلاتها في ديسمبر (كانون الأول) 2008، لتخدم ثلاث مدن بثلاث طائرات.

ونظرا لأن الكثير من العملاء المتوقعين لا يملكون بطاقات ائتمانية، لذا أنشأت «آزول» مجموعة من الخيارات للدفع كان من بينها السحب المباشر من الحسابات البنكية. ولمواجهة ارتفاع تكلفة سيارات التاكسي تقدم «آزول» خدمة حافلة مجانية من مدن كثيرة في ولاية ساو باولو إلى مطار فيراكوبوس هنا في كامبيناس محور طائرات الشركة.

وقال جيسون ورد، مدير خدمة العملاء في «آزول»، الذي عمل في «جيت بلو» «كان الناس يقولون السفر بالطائرات للصفوة، لذا نسافر بالحافلة، ومن ثم يمكننا أن نساعدهم في إدراك أن السفر بالطائرة رخيص ومتوافر وأنه متاح للجميع، لا للأغنياء فقط».

وقالت ماريا جوزيه سيلفا، إنها «سعيدة بأنها ستركب الطائرة للمرة الأولى، ولم تتمكن من النوم في الليلة السابقة».

وأكدت وهي تقف في الصف في مكتب شركة «آزول» في كامبيناس، أنها كانت معتادة على السفر يومين أو ثلاثة بالحافلة لزيارة أقاربها في أقصى شمال البرازيل، لكن سيلفا اشترت تذكرة «آزول» باكرا وقامت بالرحلة أرخص من الحافلة.

وقالت «الرحلة التي كانت تستغرق 72 ساعة لن تستغرق سوى بضع ساعات، سأغادر في الساعة العاشرة صباحا لأصل في الساعة الواحدة ظهرا».

تستهدف «آزول» المدن متوسطة الحجم التي يقطنها نصف مليون أو أكثر، وتخدم نحو 25 مدينة بأسطول مكون من 23 طائرة برازيلية جديدة، وتتوقع الشركة أن يرتفع عدد المسافرين على متنها من 2.2 مليون مسافر عام 2009 إلى 4 ملايين مسافر هذا العام.

هذا الرقم لا يمثل سوى شريحة صغيرة من السوق، التي تهيمن عليها شركات الطيران الضخمة، لكن نيلمان يقول إنه يعتقد أن «آزول» قادرة بنهاية العام المقبل على مد خدماتها إلى 35 مدينة وخدمة ستة ملايين مسافر.

وقال «عندما يسافر شخص ما لمدة 72 ساعة، ثم يسافر فجأة بالطائرة للمرة الأولى، لن يعود ثانية إلى ركوب الحافلة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»