جدل في مصر حول دراسة الحكومة إصدار سندات بالدولار على مائة عام

خبراء يطالبون بموافقة برلمانية والإفصاح عن شروط إصدارها

TT

أثارت تصريحات وزير المالية المصري يوسف بطرس غالي الخاصة بدراسة إصدار سندات دولية مدتها مائة عام، جدلا كبيرا في البلاد، وطالب اقتصاديون وزير المالية بالإفصاح عن شروط طرح تلك السندات والضمانات والالتزامات التي يتم طرح السندات على أساسها، وأكدوا أن طرح تلك السندات سيؤدي إلى زيادة الديون، وسيؤثر على هدف الدولة في تقليص عجز الموازنة بنسبة 1 في المائة سنويا.

وقال غالي في تصريحات سابقة إن مؤسسات مالية عالمية تقدمت إليه بعروض لإصدار سندات دولية بالدولار مدتها مائة عام، وقال: «نستطيع أن نستفيد من هذه القروض في تمويل البرامج طويلة الأجل، خاصة أن هناك استثمارات كبيرة ستقوم بها الحكومة بمشاركة القطاع الخاص في مجال البنية التحتية».

وأشار خبراء إلى أن تلك السندات من شأنها أن تزيد من عجز موازنة الدولة، التي تستهدف الحكومة وصوله إلى 3.5 في المائة من الناتج المحلى الإجمالي بحلول عام 2015، مؤكدين أن إصدار سندات لمائة عام، لا يقدم عليه إلا الدول ذات الاقتصاد الضعيف أو التي تمر بأزمات اقتصادية كبيرة، وتحتاج إلى قروض وفترات سداد كبيرة، مثل اليونان التي طلبت إصدار تلك السندات ولكن المؤسسات المالية رفضت ذلك. وكانت مصر قد أصدرت سندات بالدولار طويلة الأجل لأول مرة في تاريخها في أبريل (نيسان) الماضي بالأسواق المالية الأوروبية والأميركية، بقيمة نصف مليار دولار لمدة 30 عاما وبسعر فائدة 6.875 في المائة. كما أصدرت سندات سيادية أخرى بقيمة مليار دولار لمدة عشر سنوات وبسعر فائدة 5.75 في المائة، ولم تفصح وزارة المالية عن شروط أو ضمانات إصدار تلك السندات.

وبحسب اقتصاديين، فإن الهدف من إصدار السندات بالدولار هو حل مشكلة عجز الموازنة، وعجز الميزان التجاري، فتلك السندات توفر عملة صعبة تساعد الحكومة على استيراد السلع الاستراتيجية.

ويرى الخبراء أنه إذا أرادت الحكومة إصدار سندات لمائة عام، يجب عليها توضيح الاستراتيجية لاستغلال تلك السندات وطرق سدادها، وزادوا في مطالبهم بطرح تلك السندات على المجلس التشريعي للموافقة عليها، لأن ذلك يمثل مديونية على أجيال كثيرة، وحتى لا يؤثر ذلك على التدفقات النقدية للدولة.

تقول بسنت فهمي، مستشار بنك «البركة» المصرفي، إنه يجب على الحكومة أن تفصح عن شروط الإصدار، وما الضمانات التي تعرضها الحكومة لسداد تلك السندات، وما الشروط والجزاءات في حالة عدم الوفاء بتلك الالتزامات، وأضافت بسنت فهمي في حديثها مع «الشرق الأوسط» أنه لا يوجد بلد في العالم الآن يصدر سندات بهذا الحجم، لأن الرؤية الاقتصادية على المدى البعيد أصبحت غائبة، وكل بلد يعمل وفق استراتيجيات قصيرة الأجل، كما أن السندات التي تصدرها البلاد المتقدمة مشكوك في تحصيلها. وأضافت أن طرح هذا النوع من السندات يجب أن لا يكون قرارا حكوميا، فيجب أن يخضع أولا لموافقة مجلس الشعب، لأنه قد تترتب عليه أعباء، قد لا تحتمل الأجيال المقبلة سدادها، وقد تعرض البلاد لجزاءات إذا لم تسدد التزاماتها. وشدد الدكتور مصطفى ذكي، الخبير الدولي، على ضرورة الإفصاح عن شروط إصدار تلك السندات، قائلا إنه يجب أن يتم تحديد الجهات التي تحصل عليها، ويجب أن يتم تخصيص جزء من تلك السندات لجهات عربية ومصرية، والباقي لجهات أجنبية، حتى نستطيع أن نحدد لمن ندين لمائة عام.

وأشار إلى أن الحكومات التي تطلق تلك السندات يجب أن تكون لديها رؤية استراتيجية وأهداف بعيدة المدى، وهذا ما تفتقر مصر إليه، فبعد الأزمة الاقتصادية العالمية لم يعد في مقدرة دول العالم تحديد رؤيتها على المدى القريب، وأضاف أن خمس دول؛ منها إنجلترا وألمانيا، قامت بعد الحرب العالمية الثانية بإصدار سندات لمائة عام، وهذا لم يحدث إلا مرة واحدة في العالم، فكانت لديها أزمة اقتصادية كبيرة بسبب أعباء الحروب، كما كانت لديها رؤية استراتيجية بعيدة المدى. وتابع أن اليونان كانت تنوي طرح تلك السندات خلال هذا العام، إلا أن المؤسسات العالمية رفضت تلك السندات.