خطوة «الاحتياط الفدرالي» بشراء سندات بـ 600 مليار دولار ترفع الذهب والنفط والأسهم

وسط مخاوف واسعة من الاقتصادات الناشئة

متعامل أميركي يتأمل في مؤشرات أسعار الأسهم في نيورك أمس (أ ب)
TT

أثارت خطوة التيسير الكمي الثانية التي اتخذها مجلس الاحتياط الأميركي (البنك المركزي الأميركي) مخاوف واسعة في الأسواق العالمية، خصوصا وسط الاقتصادات الناشئة التي تتخوف من إغراق أسواقها بالدولارات ورفع معدل التضخم. واستجابت الأسواق أمس في أوروبا بارتفاع كبير في أسعار النفط والذهب والمعادن الثمينة، بينما هبطت عوائد السندات وسط ارتفاع أسعار الأسهم الأميركية. وهرع المستثمرون في الصين إلى الاستدانة بالدولار بدلا من اليوان بعد أن تأكد أن اليوان سيرتفع خلال الشهور المقبلة مقابل الدولار. وعلى صعيد أسواق الصرف ارتفع كل من الإسترليني بعد إبقاء بنك إنجلترا على سعر الفائدة دون تغيير أمس. وواصل في أوروبا اليورو ارتفاعه بعد أن أبقى البنك الأوروبي على سياسته النقدية. وأثيرت مخاوف من عودة الركود إلى أوروبا التي ترفض مجاراة السياسة النقدية الأميركية.

وانتقد مستثمرون كبار خطوة مجلس الاحتياط الفدرالي بضخ 600 مليار دولار في الأسواق عبر شراء سندات، وإن كانت تتم على دفعات حتى يونيو (حزيران) المقبل. وقال الملياردير سورس: «قد تؤدي خطوة بنك الاحتياط إلى انكماش الاقتصاد الأوروبي». وقال سورس إن الذهب هو الوحيد المنتعش الآن، وفي ظل الظروف الحالية فإن الذهب سيواصل الانتعاش.

من جانبه قال الملياردير وارن بيفت إن سياسة التحفيز الثانية ستقود إلى تضخم الموجودات. وكان الأمير الوليد بن طلال قد قال لـ«الشرق الأوسط» إن خطوة التيسير الكمي الثانية ستؤدي إلى تدهور عائدات الأسهم وإبقاء الفائدة الأميركية منخفضة لأجل بعيد.

أبقى بنك إنجلترا المركزي أمس على أسعار الفائدة من دون تغيير عند 0.5% وقرر مواصلة تجميد برنامجه لشراء الأصول بعد مؤشرات على أن انتعاش الاقتصاد البريطاني لا يتباطأ بشدة كما كان يخشى. ويتناقض قرار بنك إنجلترا المركزي مع قرار مجلس الاحتياط الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) أول من أمس (الأربعاء) بشراء سندات بقيمة 600 مليار دولار بنقود جديدة خلال الأشهر الثمانية المقبلة نظرا لما وصفه بالتقدم «البطيء بصورة محبطة» نحو الأهداف الاقتصادية. وأجمعت توقعات 63 محللا في استطلاع أجرته «رويترز» على أن بنك إنجلترا سيأخذ هذا القرار. وعدل المحلل الوحيد الذي توقع خلال الاستطلاع في الأسبوع الماضي مزيدا من التيسير الكمي تنبؤه بعد بيانات أقوى من المتوقع لمؤشر مديري المشتريات في قطاع الخدمات. يذكر أن البنك المركزي البريطاني أبقى على محفظة تحفيز مشتريات السندات عند مستواها 200 مليار جنيه إسترليني (نحو 320 مليار دولار)، دون تغيير. يذكر أن الاقتصاد البريطاني أظهر مؤشرات نمو أكثر من نظيره الأميركي الذي يعاني من نسبة بطالة تصل إلى 9.6%. ومع ازدياد معدل التضخم عن المعدل الذي تستهدفه الحكومة، فإن البنك المركزي البريطاني فضل عدم التدخل بضخ مبالغ في الاقتصاد. ونسبت وكالة «بلومبيرغ» إلى هيتال ميهتا المسؤول السابق في وزارة الخزانة البريطانية القول إن «معدل النمو يفاجئ الحكومة، ولكن من دون هذه المفاجأة ما كنا لنتخذ خطوة التيسير الكمي لأن التضخم أعلى من المتوقع». ولكن بعض المسؤولين في لندن يعتقدون أن الاقتصاد بحاجة إلى مزيد من التحفيز في أعقاب الضغط الإنفاقي الذي أعلنته حكومة الائتلاف بقيادة ديفيد كاميرون الأسبوع الماضي. يذكر أن أرقام المبيعات البريطانية في قطاع المساكن أظهرت ضعفا كبيرا وتثير القلق وسط اقتصاديي بريطانيا من انعكاساتها على النمو. ارتفاع كبير للعملات العالمية أمام الدولار في لندن ارتفع الجنيه الإسترليني واحدا في المائة مقابل الدولار، ليسجل مستوى قياسيا مرتفعا جديدا في تسعة أشهر، أمس، ويواصل مكاسبه بعدما قال بنك إنجلترا المركزي، في وقت سابق، إنه أبقى خطته لشراء الأصول دون تغيير. ويتناقض قرار بنك إنجلترا مع إطلاق مجلس الاحتياط الاتحادي لجولة ثانية من التيسير الكمي، في حين حصل الإسترليني على دعم أيضا بعد صدور بيانات أسبوعية أضعف من المتوقع بشأن طلبات إعانة البطالة في الولايات المتحدة زادت الضغوط على الدولار.

وزاد الإسترليني واحدا في المائة خلال اليوم إلى 1.6266 دولار، مسجلا أعلى مستوى منذ أواخر يناير (كانون الثاني).

وتراجع الدولار بشكل حاد أمس في أسواق الصرف العالمية، ليسجل أدنى مستوى مقابل الدولار الأسترالي، بعد قرار بنك الاحتياط بشراء مزيد من السندات الحكومية. واعتبرت السوق أن قرار المجلس بشراء سندات حكومية بقيمة 600 مليار دولار بحلول منتصف العام المقبل يتماشى مع التوقعات، في حين سيزيد المعروض من الدولار، وهو ما يرجح أن يضغط على العملة الأميركية. ونتيجة لذلك هبط الدولار أمام نظيره الأسترالي ذي العائد المرتفع إلى أدنى مستوى في 28 عاما، كما نزل إلى مستوى قياسي منخفض جديد أمام اليورو.

وجرى تداول اليورو عند 1.4237 دولار، بارتفاع بلغ نحو 0.7 في المائة خلال تعاملات، بعدما لامس أعلى مستوى في تسعة أشهر عند 1.4243 دولار، وهبط مؤشر الدولار الذي يقيس أداء العملة الأميركية مقابل سلة عملات، أكثر من 0.7 في المائة إلى أدنى مستوى في 11 شهرا.

وسجل الدولار الأسترالي أعلى مستوى منذ تحرير سعره ليتجاوز 1.0099 دولار، في حين سجل الدولار النيوزيلندي أعلى مستوى منذ منتصف 2008 عند 0.7896 دولار.

وخسر الدولار 0.2 في المائة، مقابل الين إلى 80.90 ين، ولا يزال قريبا من أدنى مستوى بعد الحرب العالمية الثانية، سجله في عام 1995 عند 79.75 ين.

قلق قادة الاقتصادات الناشئة من «التيسير الكمي» وسط مخاوف واسعة من قادة الاقتصادات الناشئة من خطوة الاحتياط الفيدرالي، التي تراوحت بين التحذير والتهديد ورفع الضرائب على صناديق الاستثمار في البرازيل، ولكن في مقابل ذلك قلل صندوق النقد من المخاوف، وقال مسؤول الصندوق، أوليفييه بلانشار، أمس، إنها لن تكون نهاية العالم إذا سببت جولة التيسير النقدي الجديدة، التي أطلقها الاحتياطي الاتحادي، مزيدا من التضخم، بالنظر إلى وجود خطر انكماش.

وقال بلانشار في تصريحات لإذاعة «أوروبا 1» الفرنسية: «إذا سبب هذا تضخما، فإنها لن تكون نهاية العالم، لأن الولايات المتحدة في مرحلة تضخم منخفض جدا، وهناك خطر انكماش». وتعهد صانعو السياسة في الأسواق الناشئة بمكافحة التيسير الكمي، وصرح قادة الاقتصاديات العالمية الجديدة بأميركا اللاتينية وآسيا، أمس، باتخاذ إجراءات جديدة لكبح التدفقات النقدية على بلادهم، وعبرت الاقتصادات الناشئة عن استيائها من تحرك المركزي الأميركي، مما يقلل من فرص التوصل لأي اتفاق فعال لمواجهة الاختلالات العالمية وأسعار الصرف خلال اجتماع مجموعة العشرين في سيول، الأسبوع المقبل.

وقال شيا بين، وهو مستشار للبنك المركزي الصيني في مقال بصحيفة يديرها البنك: «مادامت لا توجد قيود على إصدار عملات عالمية مثل الدولار - وهذا ليس أمرا سهلا - فستحدث أزمة جديدة لا محالة، حسبما ترى قلة قليلة من العقلاء في الغرب».

وقالت وزارة المالية والاستراتيجية الكورية الجنوبية إنها بعثت برسالة إلى الأسواق، أمس، وستدرس بقوة فرض قيود على تدفقات رأس المال، بينما قال وزير التجارة الخارجية البرازيلي إن تحرك المركزي الأميركي قد يؤدي إلى «إجراءات مضادة». وأثارت تايلاند احتمال اتخاذ موقف منسق لمواجهة سيل الدولارات الذي من المتوقع أن يغمر الأسواق الناشئة.

وقال وزير المالية، كورن تشاتيكافانيج، للصحافيين: «أكد محافظ البنك المركزي إجراء محادثات مع البنوك المركزية للدول المجاورة، وهي مستعدة لفرض إجراءات منسقة إذا استدعى الأمر، لكبح تدفق أموال المضاربة المحتمل على المنطقة». وقال مسؤول مالي كبير بالهند، شريطة عدم نشر اسمه، إنه في حين أنه من حق الولايات المتحدة تحفيز اقتصادها، فإن الدول الأخرى ستعمل أيضا على خدمة مصالحها، وأضاف أن أي اتفاق بشأن العملات في سيول يجب أن يكون في صالح الطرفين. وتابع بقوله: «وهذا يستدعي حلا سياسيا، لذا نتطلع جميعا إلى اجتماع سيول».

وحذر شيا بقوة في جريدة «فاينانشيال نيوز» التي تصدر باللغة الصينية من أن الصين ستسعى وراء مصالحها، قائلا: «يجب أن نفكر فيما هو في مصلحتنا». وفي أعقاب تحرك المركزي الأميركي لشراء سندات أميركية بقيمة 600 مليار دولار، فمن المتوقع أن يقوم البنك المركزي الكوري الجنوبي ببيع عملته (الوون) في محاولة للحد من مكاسب العملة، بعدما سجلت أعلى مستوى في ستة أشهر، قبل إعلان المركزي الأميركي.

وقالت اليابان إنها مستعدة للتدخل مجددا لوقف صعود الين، الذي سيضر بصادراتها الضخمة. وأرجأت سيول إعلان قيود على تدفقات رأس المال، خشية التعرض لحرج قبل قمة مجموعة العشرين، لكن الدول الأخرى المشاركة الأخرى كانت أكثر جرأة. وأعلنت البرازيل مجموعة من الإجراءات خلال الأسابيع القليلة الماضية للحد من صعود عملتها (الريال)، بالتدخل المباشر في الأسواق، ورفع ضريبة على تدفقات المحافظ إلى مثليها، إلا أن الإجراءات لم يكن لها تأثير كبير فيما يبدو.

وكشفت كولومبيا، الأسبوع الماضي، عن حزمة من الإجراءات لكبح جماح عملتها، بما في ذلك منع الأموال من التدفق على البلاد وشراء الدولار في الأسواق الآجلة، ومساعدة القطاع الصناعي بخفض الجمارك على الواردات.

النفط والذهب والسلع تستفيد من ضعف الدولار حافظت العقود الآجلة للنفط الخام الأميركي على مكاسبها أمس على الرغم من صدور تقرير أميركي أظهر ارتفاع طلبات إعانة البطالة الأميركية الجديدة أكثر من المتوقع في الأسبوع الماضي. وأظهر التقرير أيضا تراجع الطلبات المستمرة أكثر من المتوقع. وقبيل صدور التقرير كانت أسعار النفط قد قفزت إلى أكثر من 86 دولارا للبرميل نتيجة ضعف الدولار بعد قرار مجلس الاحتياط الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) بضخ مزيد من المال في الاقتصاد. وفي بورصة نيويورك التجارية «نايمكس» ارتفعت عقود ديسمبر (كانون الأول) 1.59 دولار أو 1.88 في المائة إلى 86.28 دولار للبرميل بحلول الساعة 1240 بتوقيت غرينتش متحركة في نطاق بين 84.92 دولار و86.51 دولار. وكانت الأسعار مرتفعة نحو 1.56 دولار عند صدور بيانات البطالة.

وعلى صعيد المعادن النفيسة، عززت المعادن النفيسة مكاسبها في منتصف التعاملات الأوروبية أمس مع تراجع الدولار. وارتفع الذهب أكثر من اثنين في المائة إلى أعلى مستوى خلال الجلسة عند 1376.45 دولار للأوقية (الأونصة) قبل أن يتراجع إلى 1373.75 دولار بحلول الساعة 1240 بتوقيت غرينتش وذلك مقارنة مع 1347.15 دولار عند الإغلاق السابق. وارتفع سعر الفضة إلى أعلى مستوى منذ مارس (آذار) 1980 مسجلا ذروة خلال الجلسة عند 25.56 دولار للأوقية قبل أن يجري تداولها عند 25.46 دولار بارتفاع نسبته نحو ثلاثة في المائة. وقفزت أيضا مجموعة معادن منها البلاتين والبلديوم، حيث سجل البلاديوم أعلى مستوى في تسع سنوات ونصف عند 672.50 دولار قبل أن يتراجع إلى 669.47 دولار مقارنة مع 643.72 دولار في الجلسة السابقة. وسجل البلاتين أعلى مستوى منذ 12 مايو (أيار) الماضي وبلغ سعره في أحدث معاملة 1739 دولار ارتفاعا من 1703.24 دولار في الجلسة السابقة. ارتفاع الأسهم ارتفعت الأسهم الأوروبية في مستهل تعاملات أمس لأعلى مستوياتها منذ أبريل (نيسان) بعدما كشف مجلس الاحتياط الاتحادي «البنك المركزي الأميركي» عن خطة لشراء أصول. وقفز سهم «بي.إتش.بي بيليتون» بعدما رفضت كندا عرض الشركة للاستحواذ على «بوتاش». وبحلول الساعة 0811 بتوقيت غرينتش ارتفع مؤشر «يوروفرست 300» لأسهم كبرى الشركات الأوروبية 1.4 في المائة إلى 1104.13 نقطة متجاوزا مستوى 1100 نقطة للمرة الأولى منذ أواخر أبريل. وقال هنك بوتس محلل الأسهم لدى «باركليز ويلث» «ما زالت نتائج أعمال الشركات التي تفوق التوقعات تدعم السوق بالإضافة إلى حقيقة أن السلطات مستعدة وقادرة فيما يبدو على دعم التعافي الاقتصادي، وهي أنباء جيدة». وحصلت أسهم شركات السلع الأولية على الدعم بفضل آمال بأن تؤدي خطة التحفيز التي أعلنها المركزي الأميركي لدعم التعافي العالمي ومع ارتفاع أسعار النفط الخام والمعادن. وزادت أسهم «بي.إتش.بي بيليتون» 4.5 في المائة بعدما رفضت كندا عرض الشركة الاستحواذ على «بوتاش كورب» مقابل 39 مليار دولار. وفي أنحاء أوروبا ارتفع مؤشرا «فايننشال تايمز 100» البريطاني و«داكس» الألماني واحدا في المائة لكل منهما وزاد «كاك 40» الفرنسي 1.2 في المائة.