هل يمكن لأميركا تعليق آمالها على «بوينغ» لإقلاع صادراتها؟

تعتبر أكبر شركة مصدرة في البلد.. وتوظف 160 ألفا غالبيتهم أميركيون

من الصعب مناقشة قضية الصادرات الأميركية دون الحديث عن «بوينغ» («الشرق الأوسط»)
TT

ربما يكون من الصعب مناقشة قضية الصادرات الأميركية دون الحديث عن «بوينغ». فوصف شركة صناعة الطائرات التي تتخذ من شيكاغو مقرا لها بالضخمة أشبه بوصف موقع «فيس بوك» موقع بالشهير. ربما كان هذا صحيحا، لكنه لا يبرز مدى ضخامة هذا الكيان.

فتشكل صادرات «بوينغ» التي قاربت الـ29 مليار دولار في عام 2009 (1.8) في المائة من صادرات الولايات المتحدة بمفردها. وعلى عكس الكثير من شركات الصناعة الأخرى التي تبيع إلى الأسواق الخارجية عبر إنشاء مصانع في بلد المقصد، تمتلك «بوينغ» قوة عاملة قوية تصل إلى 160 ألف عامل أغلبهم داخل الولايات المتحدة. وعلى الرغم من تحقيق غالبية الشركات الأميركية نجاحا ببناء مصانع لها في الخارج واستخدام العمالة المحلية من أبناء تلك الدول بها، تأتي «بوينغ» كشركة محلية، لحسن حظ العاملين داخل الأراضي الأميركية. الطائرات أكثر تعقيدا من على سبيل المثال، السيارات، حيث تذهب عشرات الطائرات لا المئات منها إلى كل دولة، ولن يكون من المنطق بناء منشآت في كل دولة بالخارج. وبحسب تقديرات «بوينغ»، فإن سلسلة إمدادها التي تقدر بنحو 32.7 مليار دولار مسؤولة بصورة غير مباشرة عن 1.2 مليون وظيفة في الولايات المتحدة.

كما تشتري «بوينغ» أيضا مكونات من الموردين الأجانب، وعادة ما يأتي بهدف الفوز بعقود لطائرات كاملة من الدول التي جاءت منها هذه الأجزاء. وهو ما يشكل موازنة صعبة، على الرغم من اعتراف «بوينغ» أوائل العام الحالي بأن زيادة الاعتماد على استيراد الأجزاء الحساسة من الطائرات مثل الأجنحة وجسم الطائرة في جيل طائراتها العملاقة التالية (787) نتج عنها تعقيدات تسبب في تأخير تسليم بعض الطائرات.

ويرى اقتصاديون مثل باري بوزورث، من معهد بروكينغز أن هذا انعكاس لقرارات يواجهها مصنعو الآلات والمعدات الثقيلة الأميركيين. فربما يكون التعهيد مسارا أرخص، لكن هذا التوفير في المال ربما يتبدد في تأخيرات التسليم وتكلفة إصلاح العيوب التي قام بها العمال الأجانب نتيجة لضعف مستويات المهارة أو أداء الاتصال. ومع استثمارات بهذا الحجم الهائل، ينبغي على «بوينغ» التساؤل باستمرار: كيف يمكننا أن نجعل شركات الطيران الأجنبية تشتري المزيد من طائراتنا؟ الأمر يتطلب استراتيجية مختلفة عن بيع سراويل الجينز أو حتى السيارات. وقد أنشأت الشركة فرعا لبيع الطائرات الحربية، لكن أغلب هذه الطائرات غالبا ما يباع محليا. وتحسين العلاقات مع الأسواق الناشئة مثل الهند ربما يثمر في صورة المزيد من الإنفاق العسكري على طائرات «بوينغ» في المستقبل، لكن بالنسبة للوقت الحاضر فإن فالصادرات تتكون على الأغلب من الطائرات التجارية وطائرات الشحن.

ويرى مايكل وارنر، مدير قسم تحليل السوق في «بوينغ»، الذي يتوقع أن تعود الشحنات الجوية إلى مستوياتها السابقة في عام 2007، أن أحد جوانب استراتيجية «بوينغ» يكمن في توسيع نطاق نشاط صادراتها لتكون في طليعة الصادرات الأميركية بشكل عام وصادرات الشركات الصغيرة بشكل خاص. وعندما لا تضطر الشركات الصغيرة إلى الحصول على بضائعها من أكرون أو أوهايو إلى أوكلاند ونيوزيلندا، مستخدمة سفن الحاويات الضخمة والبطيئة، واللجوء بدلا من ذلك إلى إرسالها جوا.

نعم، الشحن الجوي أغلى سعرا، لكن الرغبة في مواكبة التطور تعني رغبة العملاء في الحصول على بضائعهم بصورة فورية. علاوة على ذلك، فإن الشركة الصغيرة تحصل على المال مقابل التوصيل يمكنها ينفذ منها رأس المال التشغيلي في الوقت الذي يتطلب فيه ذلك من السفينة الدوران حول نصف الكرة الأرضية.

الميزة الأخرى بالنسبة لـ«بوينغ» هي أن عدد المسافرين في الأسواق الناشئة في ارتفاع، فقد ارتفعت حركة السفر الجوي في عام 2010 بنسبة 8 في المائة، ووصلت الصين إلى 20 في المائة و22 في المائة في الشرق الأوسط والهند. الكثير من هذا النمو محلي، في الرحلات الداخلية، التي عززت من الطلب على طائرات «بوينغ» 737 التي تحتوي على 110 و180 مقعدا. والتي تعتبر أبرز ما أنتجته «بوينغ»، سواء من ناحية الحجم بالنسبة للرحلات الداخلية وكذلك الإقبال الكبير على شراء هذه الطائرة تحديدا، حيث تنتج الشركة 31 طائرة من هذا الحجم شهريا. هذا الانتشار الكبير لطائرات «بوينغ 737» جعلها أكثر تنافسية وسهلة الشراء والإصلاح والتحميل والتأجير والأهم من ذلك التمويل، ونظرا لأن الطائرات تشهد إقبالا كبيرا في جميع أنحاء العالم فإن ذلك يعتبر ضمانا جيدا.

وتحصل «بوينغ» على الكثير من الدعم من بنك الصادرات والواردات (المعروف عالميا باسم Ex - Im Bank) الذي يساعد المشترين الأجانب في تمويل مشترياتهم. وعندما جفت مصادر الائتمان الخارجية خلال الكساد، أصبح بنك الصادرات والواردات مقرض الملاذ الأخير بالنسبة للكثير من عملاء «بوينغ» في الخارج، على بحسب ريتشارد أبولا فيا، نائب رئيس شركة «تيل غروب»، شركة تحليل صناعة الطيران.

بطبيعة الحال رفض الشركاء الأوروبيون في بنك الصادرات والواردات تمويل شركات الطيران الأميركية الساعية إلى شراء طائرات «إيرباص»، وفعل البنك الشيء ذاته مع شركات الطيران الأوروبية التي أرادت شراء طائرات «بوينغ». فعندما تكون هناك شركتان فقط لصناعة الطائرات التجارية، وعندما تتركز شركات الطيران الرئيسية في الولايات المتحدة وغرب أوروبا، يعد هذا القرار قرارا صائبا، إذ يحول دون تمتع أي من شركات الطيران المتنافسة بالوصول إلى تمويل تفضيلي.

وقد اعترضت شركة الخطوط الجوية الأميركية (يو إس إيرلاينز) لدى بنك الصادرات والواردات في أعقاب أزمة التمويل، مشيرة إلى أن ذلك يضعها في موقف تنافسي غير ملائم، لأن بعض شركات الطيران الأجنبية النامية سريعا، تستهدف قاعدة العملاء التي تشمل المسافرين الأميركيين. وقد اعترض بعض الأفراد على ما وصفوه بسياسة الترشيد التي ينتهجها بنك الصادرات والواردات، مشيرين إلى أن تمويل الصادرات داعم غير ملحوظ إلى جانب أموال الضرائب. على الرغم من أنه لا توجد احتمالية كبيرة بالمجازفة، بالنسبة للطائرات، فالمشترون يدفعون فوائد والطائرات ضمانا ثابتا في حال التخلف عن سداد الدين.وعلى الرغم من تحسن الوضع الحالي بالنسبة لشركة «بوينغ» (التمويل الرخيص يعني بيع المزيد من الطائرات)، هناك الكثير من الإشارات بعيدة المدى هنا التي تجعل الشركة منفتحة على اتفاقات تغيرات التمويل. فشركة «بومباردير» الكندية ستصنع أول طائرة ذات 130 مقعدا في السوق خلال ثلاث سنوات. أما الشركات البرازيلية والصينية فهي متأخرة عن «بوينغ» بكثير، و«بوينغ» لا ترغب في أن ترى شركات طيران الولايات المتحدة تحصل على خفض سعر الفائدة لتمويل الطائرات المصنوعة من قبل شركات أجنبية. وفي بداية العام الحالي، قالت «بوينغ» ومنافستها «إيرباص» إن طائرة «بومباردير» القادمة يجب أن تصنف بصورة لا تسمح للمشترين بالحصول على التمويل من بنك الصادرات والواردات.

وعلى الرغم من وصول تكلفة الطائرة التجارية ما بين 40 إلى 200 مليون دولار، فإن تكلفة الوقود هي القضية الكبرى بالنسبة لشركات الطيران، الذي يستهلك ما بين 30 إلى 40 في المائة من ميزانيات التشغيل، حتى مع التحوط. وتتمثل مهمة «بوينغ» في إنتاج طائرات أقل استهلاكا للوقود، وهو ما تهدف إليه في جيلها الجديد من طائرات (787) من خلال الاستخدام المكثف لمواد مختلفة بدلا من الألمنيوم. وقد تأخر ظهور الجيل الجديد من طائرات «بوينغ 787» عدة مرات، ومن المتوقع أن تدشن أولى رحلاتها خلال الربع الأول من العام المقبل وستكون شركة «أول نيبون» العميل الأول لها.

ويقول وارنر من شركة «بوينغ» إن الطائرة الجديدة (787) ستستهلك وقودا أقل بنسبة 20 في المائة من الطائرات التي ستحل محلها، لكن هذا الهدف الطموح هو ما سبب هذا التأخير، فقد مر المهندسون بعدة جولات من التعديل وإعادة الاختبار لصنع طائرة (787) أخف وزنا واستخدام مواد أخف وزنا في صناعة جسم الطائرة. ويشير هوارد روبل، المحلل في شركة «جيفريز للاستثمارات»، إلى أن الحكومة الأميركية يمكن أن تتوسع في التأمينات الضريبية أو الحوافز لتعزيز عمليات البحث والتطوير في «بوينغ»، ناهيك عن شبكة الشركات الصغيرة التي تصنع مكونات الطائرات.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»