تبادل وجهات النظر حول مستقبل النمو واستقرار النقد بين أقطاب المال والساسة على هامش «قمة العشرين»

حلول الرهونات العقارية وإيجاد فرص التوظيف الجديدة أبرز المواضيع

بيتر باربيك رئيس شركة نسلة يتحدث للصحافة (أ.ب)
TT

تبادل أقطاب التجارة والزعماء السياسيون وجهات النظر، واندلعت بينهم من وقت لآخر خلافات حول المشكلات التي تعوق تقدم الاقتصاد العالمي، أمس الخميس، في سلسلة من المناقشات المغلقة مع قادة العالم تمخضت عن عدد من المواجهات غير الاعتيادية؛ حيث تناول ستيفن إيه شوارزمان، قطب قطاع الاكتتاب الخاص الأميركي، الهواجس الذي تنتابه بشأن التعديلات التنظيمية المالية خلال حديثه مع المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل.

واستمعت الرئيسة الأرجنتينية كريستينا فيرنانديز دي كيرشنر، التي لا تزال في حداد على وفاة زوجها (وسلفها) منذ أسبوعين، إلى فيكرام إس بانديت، الرئيس التنفيذي لمجموعة «سيتي غروب»، الذي كان غاضبا بخصوص ردة الفعل العنيفة تجاه الممولين.

وأعلنت رئيسة الوزراء الأسترالية، جوليا غيلارد، عن غضبها من مسؤولي الرهون العقارية المصرفيين الجشعين، بينما كان توماس جيه. دونوهيو، رئيس غرفة التجارة الأميركية، وأحد أقوى منتقدي الرئيس باراك أوباما، ينصت في هدوء.

وقد جرت هذه المقابلات خلال القمة التجارية لمجموعة العشرين في سيول، وهو مؤتمر استمر ليوم واحد على هامش اجتماع مجموعة القوى الاقتصادية العشرين الذي استمر ليومين هنا. من جهته، قال الرئيس كوري الجنوبي، لي ميونغ باك، مخاطبا ما يقرب من 120 مسؤولا تنفيذيا تجمعوا في فندقين: «أهم اللاعبين في عملية إحياء وتنشيط الاقتصاد هم المؤسسات».

ومع بدء الحكومات والبنوك المركزية في تقليص برامج المساعدات المالية الاستثنائية التي كانت قد تبنتها في استجابتها للأزمة المالية التي برزت خلال عام 2008 - مع كون الولايات المتحدة الاستثناء الأبرز - بات لزاما على الشركات الخاصة أن تعزز من دورها كمحركات لخلق فرص العمل، حسبما ذكر المسؤولون التنفيذيون.

وقال ماركوس والينبيرغ، رجل الصناعة السويدي، ورئيس شركة «ساب» لصناعة السيارات، بجانب عدة مناصب أخرى، إن «إدارة المرحلة الانتقالية بين الطلب الذي تحفزه الحكومة والطلب الذي تقوده الشركات الخاصة» هو أبرز تحد يواجه الاقتصاد العالمي.

وكانت الحكومة الكورية الجنوبية واثنتان من المجموعات التجارية الكبرى في كوريا الجنوبية، وهما «اتحاد الصناعات الكورية» و«غرفة التجارة والصناعة الكورية» قد بدءوا في تنظيم هذا الاجتماع التجاري منذ شهرين.

وتم تقسيم المسؤولين التنفيذيين التجاريين إلى 12 مجموعة عمل، ضمت معظمها رئيس حكومة تحدث في البداية، وبعد ذلك استمع إلى المناقشات. وألقى رئيس الوزراء الإسباني خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو، خطابا في الجلسة حول تشجيع استخدام مصادر الطاقة المتجددة. وشارك جاكوب زوما، رئيس جنوب أفريقيا، في النقاش الذي دار حول الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

وتحدث رئيس الوزراء الياباني، ناوتو كان، أمام الجلسة وخصص حديثه عن موضوع إحياء وتنشيط التجارة العالمية، وقال البروفسور جيفري غارتين، الذي يدرس التجارة الدولية والمالية في كلية الإدارة بجامعة ييل: «كان هناك قدر كبير من التوافق والاتساق بين ما طرحه المسؤولون التنفيذيون لجدول أعمال قمة (مجموعة العشرين) وما التزم رؤساء الدول بإدراجه على هذا الجدول».

وقد أدهشت الجدية التي تناول بها الزعماء السياسيون المناقشات بعض المراقبين. وقال غارتين، الذي أدار جلسة النقاش حول الاستثمارات الأجنبية المباشرة مع الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف فيما بعد: «لقد كان (ميدفيديف) منتبها جدا، ودون ملاحظات كثيرة حول ما قيل. وبالنسبة لرئيس دولة بهذا الحجم، تتجاوز حدود مسؤولياته بوضوح المسائل الاقتصادية، كان ميدفيديف دقيقا جدا ومهتما بالقضايا المثارة».

وفي بعض الأوقات، عبرت القيادات التجارية عن تشككها إزاء التشريعات المفرطة، وخصوصا في القطاع المالي. وقال بيتر ساندز، الرئيس التنفيذي لبنك «ستاندرد تشارترد» في بريطانيا: «من المهم عندما نفكر في جعل النظام المالي أكثر استقرارا أن نتوصل إلى نظام مالي يمكنه تعزيز ودعم النمو الاقتصادي، وليس آخر يخنق النمو». وأعرب بانديت، الرئيس التنفيذي لمجموعة «سيتي غروب»، عن شعوره ببعض الإحباط إزاء الانتقادات التي تتعرض لها مؤخرا وول ستريت. وأضاف: «أشعر نوعا ما بأنني أعيش في عوالم متوازية. وأنا هنا في كوريا وأشعر بهذا الدفء والإحساس بالحاجة لمحاولة الدخول في حوار مع بعضنا بعضا، ولكنني عندما أعود إلى عالمي الحقيقي، تبدو الأمور باردة في هذا العالم».

وأشار جوزيف أكيرمان، الرئيس التنفيذي لمصرف «دويتشه بنك» ورئيس «معهد التمويل الدولي»، وهو اتحاد صناعة عالمي، إلى أن المشتقات والسندات التي اكتسبت سمعة سيئة خلال أزمة عام 2008، قد تعرضت في كثير من الأحيان لعمليات تشهير ظالمة، وذكر أننا نواجه خطر التعرض لانسحاق بفعل تشريعات متشددة، وقال: «يجب ألا نقتل هذه المنتجات قبل أن نفهم أثر هذه الخطوة على الاقتصاد الحقيقي، خاصة أن الكثير منها مفيد جدا. إنها تؤدي إلى حدوث ثروة ورخاء في العالم».

ولكن في أوقات أخرى، أمد السياسيون رؤساء الشركات التجارية بجرعة من الواقعية. على سبيل المثال، رد زوما على اقتراح يقضي بفرض معاهدة نموذجية غير ملزمة على الاستثمارات الدولية المباشرة، بقوله إنه على الرغم من الفائدة المحتملة لهذه المعاهدة، فإن المسؤولين التنفيذيين لا يقدرون التفاوت الكبير في الظروف داخل الدول الساعية للحصول على رأسمال أجنبي حق تقديرها. وفي خطاب ألقته خلال مأدبة غداء، عبرت المستشارة الألمانية ميركل عن تعاطف محدود مع شكاوى مسؤولي البنوك إزاء التشريعات المفرطة، وقالت: «نحن نحتاج إلى إطار عمل تنظيمي يشجع على الوعي بالمخاطر، وليس النفور من المخاطر. وهناك حاجة إلى تحويل التفكير من تحقيق المكاسب إلى كسب الأموال بالطريقة المناسبة».

ولكنها اتفقت مع النقطة الأكبر للمسؤولين التنفيذيين حول تعزيز علاقات الترابط الاقتصادي العالمي، بدلا من التراجع عن تبني هذه العلاقات، وقالت: «إحياء التجارة وإعادة تنشيط الاستثمارات الأجنبية المباشرة وإحياء الاستقرار المالي للشركات، هذا هو الشرط الأساسي للعودة إلى طريق النمو المستدام».

وفي التقرير المكون من 196 صفحة، الخاص بالنتائج والتوصيات، وفي بيان مشترك مكون من سبع صفحات، طالب الرؤساء التنفيذيون للشركات بالاستثمار في مشاريع البنية الأساسية والطاقة، وإجراء تحسينات على ترشيد استهلاك الطاقة، والالتفات إلى المسائل المتعلقة بعدم المساواة، مثل المعدلات المرتفعة للبطالة بين الشباب في شتى أنحاء العالم، وعدم القدرة على الحصول على خدمات الرعاية الصحية بصورة مناسبة في الدول الفقيرة.

إلا أن المسؤولين التنفيذيين لم يحققوا أي تقدم حقيقي في المسائل التي تتعلق بقضايا عدم التوازن التجاري، التي خيمت على اجتماع قادة مجموعة العشرين.

وعندما سئل عن السياسة النقدية للصين، وهي نقطة مثيرة للتوترات، قال أكيرمان، الرئيس التنفيذي لمصرف «دويتشه بنك»: «ليس ثمة أي إجابة سهلة؛ حيث تحتاج الصين من وجهة نظري إلى المزيد من الوقت. وسوف يعيد المسؤولون الصينيون بمرور الوقت تقييم عملتهم، ولكنني أرى أن من مصلحتهم الوطنية الخاصة فعل هذا الأمر خطوة بخطوة».

وكانت أقوى رسالة صادرة عن المسؤولين التنفيذيين هي الحاجة لتوسيع تدفقات رأس المال والسلع. وقال فيكتور كي فونغ، الرئيس التنفيذي لمجموعة «لي آند فونغ»، وهي مجموعة إدارة عملاقة لسلسلة متاجر إمدادات عالمية مقرها هونغ كونغ: «صعود سياسة الحماية الاقتصادية يمثل أحد أكبر التهديدات التي تواجه الاقتصاد العالمي في هذه المرحلة. ولا يتعين علينا أن نحذر أنفسنا والعالم من الصعود المحتمل لإجراءات الحماية فحسب، ولكننا يجب أن نعترف بأن سياسة الحماية الاقتصادية قد تعززت بالفعل على نحو واضح منذ عام 2008».

وبينما كان هناك حديث حول جعل القمة التجارية سمة دائمة لاجتماعات مجموعة العشرين المستقبلية، حذر غارتين، مدير الجلسات، من أنه على الرغم من فوائد هذه الممارسة، فإنها كانت تعاني من القيود الخاصة بها. وقال: «اقترح الرؤساء التنفيذيون اتخاذ إجراءات على عدة جبهات، ولكنهم لم يتوصلوا إلى تفاهمات في النهاية حول بعض أكثر المشكلات المستعصية التي سيطرت على مداولات قمة مجموعة العشرين، مثل البطالة الهيكلية واضطرابات العملة».

* خدمة «نيويورك تايمز»