رئيس الاحتياطي الأميركي يحذر من تأخر نمو الدول الكبرى خلف الأسواق الناشئة

برنانكي يتهم الصين بالتسبب في استمرار اختلال التوازنات العالمية

بن برنانكي ( الثاني من اليسار) مع مسؤولي المصارف المركزية الاوروبية أمس (أ.ب)
TT

أكد بن برنانكي، رئيس «الاحتياطي الفيدرالي الأميركي»، أن انخفاض أسعار العملة الصينية والأسواق الناشئة الأخرى كان السبب الرئيسي في اختلال التوازنات المتواصلة في التجارة، مما يمثل مجازفة اقتصادية ومالية متنامية.

وفي كلمة معدة لمؤتمر في البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت، حذر برنانكي من أن «التعافي العالمي بسرعتين مختلفتين»، وتأخر الدول الأغنى خلف الأسواق الأسرع نموا مثل الصين والهند، يعوق التعاون الذي يحتاجه الانتعاش العالمي، في تكرار للنقطة الرئيسية التي تحدثت عنها إدارة الرئيس أوباما - التي لم تصادف فيها نجاحا لافتا - خلال اجتماع قادة دول مجموعة العشرين الأسبوع الماضي في كوريا. وكان «الاحتياطي الفيدرالي» قد أصدر نصا لكلمة برنانكي، التي يتوقع أن يلقيها في مؤتمر محافظي البنوك المركزية الأوروبية في فرانكفورت، مضافا إليها الملاحظات التي خطط للقيام بها كجزء من المناقشات هناك. وكان الاحتياطي الفيدرالي قد تعرض خلال الأسبوعين الماضيين لانتقادات كبيرة لقراره الذي أصدره في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) بضخ 600 مليار دولار في النظام المصرفي خلال يونيو (حزيران) القادم، في مواصلة لمساعيه خفض أسعار الفائدة طويلة المدى. وقد تواصلت تلك الهجمات يوم الخميس، حيث حذر، المتحدثون في المؤتمر، الذي نظمه معهد كاتو، من أن السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي يمكن أن تؤدي إلى فقاعات أسعار أصول مشابهة لنمو أسعار المنازل الذي تحطم في 2007. وتؤكد كلمة برنانكي على أن البطالة في الولايات المتحدة تقف عند مستويات غير مقبولة، لكنه خاض بحذر في السياسة المالية التي تؤرق واشنطن. ومن المتوقع أن يقول برنانكي إن البرنامج الذي يجمع بين تدابير تعزيز النمو على المدى القريب وخطوات بناء الثقة القوية، لخفض العجز الهيكلي على المدى البعيد، سيكون إضافة مهمة إلى سياسات «الاحتياطي الفيدرالي».

من ناحية أخرى، لا يخطط برنانكي للتعبير عن وجهة نظره بشأن تمديد التخفيضات الضريبية التي أقرت في عهد الرئيس بوش، وهي السياسة المالية الأكثر جدلا التي يواجهها البيت الأبيض والكونغرس الضعيف. حتى مع دفاعه عن قرارات المصرف الفيدرالي، والدعوة إلى إعادة توازن عالمي والتلميح إلى الحاجة إلى المزيد من المحفزات الاقتصادية، فإن ما قاله برنانكي لا يتجاوز التأييد للسياسات المالية للرئيس أوباما. لكن هذا التأكيد، في المقابل، يمكن أن يذكي المزيد من انتقادات الجمهوريين في الكونغرس الذين يقولون إن «الاحتياطي الفيدرالي» يتحدى شكوك الناخبين بشأن التدخل الحكومي واسع النطاق في الاقتصاد وإعداد الساحة من أجل تضخم مالي في وقت لاحق، وكذلك انتقادات مسؤولين غربيين، عبروا عن خشيتهم من محاولة «الاحتياطي الفيدرالي» إضعاف الدولار لزيادة تنافسية الصادرات الأميركية. ويتوقع أيضا أن يكرر برنانكي، الخبير الاقتصادي الجمهوري الذي عينه الرئيس جورج دبليو بوش، دفاعه بأن «الاحتياطي الفيدرالي» شعر بأنه مجبر على التحرك لأن التضخم المالي منخفض للغاية (نحو نصف ما هدف «الاحتياطي الفيدرالي» إلى تحقيقه بالوصول إلى 2 في المائة) وارتفاع نسبة البطالة (التي تقف عند نحو 10 في المائة خلال الـ18 شهرا الماضية أو نحو ذلك).

وجاء في نص الخطاب «وإجمالا، فإن الولايات المتحدة بمسارها الاقتصادي الحالي تواجه خطر مشاهدة الملايين من العمال العاطلين عن العمل أو العمال تحت الطلب لسنوات عدة، وكمجتمع يجب علينا أن نجد أن النتيجة غير مقبولة». سيقول برنانكي إن أول جولة من شراء الأصول التي سيقوم بها «الاحتياطي الفيدرالي»، والتي تبلغ قيمتها 1.7 مليار دولار، واستمرت من ديسمبر (كانون الأول) 2008 إلى مارس (آذار)، قد ساعدت في استقرار الاقتصاد. ومن خلال استئناف علميات الشراء يسعى «الاحتياطي الفيدرالي» إلى دعم الانتعاش الاقتصادي، وتعزيز زخم توفير الوظائف وخفض المجازفة بالمزيد من التراجع في التضخم المالي الذي سيكون ذا أثر مدمر على الانتعاش المالي. ويشير برنانكي في كلمته إلى أن «التيسير الكمي»، المصطلح الذي استخدمته الأسواق في وصف استراتيجية شراء السندات المالية «مرحلة غير ملائمة»، لأنه يشير إلى السياسات التي تستهدف تغيير كمية الاحتياطي البنكي بدلا من التأثير على معدلات الفائدة، كما يحاول أن يفعل «الاحتياطي الفيدرالي».

ويتضمن نص الكلمة ردودا غير مباشرة على الانتقادات الداخلية والخارجية، بأنه ينوي الرد بأن «الاحتياطي الفيدرالي» لا يزال ملتزما التزاما مطلقا باستقرار الأسعار، وأن تعزيز النمو هو الحل الأمثل للحصول على أسس اقتصادية قوية تعزز من قيمة الدولار. ويتعامل الخطاب مع قلق البرازيل وتايلاند والاقتصادات الناشئة الأخرى التي تخشى زيادة ارتفاع الأسعار ومعدلات الفائدة نتيجة تدفقات رأس المال. وسيوضح برنانكي أنه إذا سمح بتحرير معدلات الصرف ستزيد الأسواق الناشئة من معدلات الفائدة، والسماح في الوقت ذاته بارتفاع أسعار عملاتها، في الوقت الذي تحافظ فيه الاقتصادات المتقدمة مثل الولايات المتحدة على سياسات مالية توسعية، وهو ما سيعوق الفائض التجاري في الأسواق الناشئة ويحول الطلب نحو الاستهلاك الداخلي وبعيدا عن النمو الذي تقوده الصادرات. وعوضا عن ذلك، يرى برنانكي أن خفض أسعار العملات في الاقتصادات ذات الفائضات الكبيرة أدى إلى نمو غير متوازن وأعباء ضبط غير متساوية. وقال «لأن الهدف النهائي من النمو الاقتصادي توفير مستويات معيشية أعلى في الداخل، يجب أن ترضى الدول التي تشهد فائضا كبيرا بتلبية الاحتياجات الداخلية بدلا من التركيز بشكل أساسي على الصادرات». وحذر برنانكي من دون تسمية الصين بشكل واضح، من أن سعيها إلى النمو القائم على الاقتصاد لا يمكن أن ينجح في النهاية إذا لم توضع تأثيرات تلك الاستراتيجية على النمو والاستقرار العالميين. وخلال استعداده للذهاب إلى فرانكفورت سارع مسؤولو «الاحتياطي الفيدرالي» إلى الدفاع عن البنك المركزي. ففي خطاب لها في جامعة كيس ويسترن ريزيرف، دافعت ساندرا بيانالتو، رئيسة «الاحتياطي الفيدرالي» في كليفلاند، عن عمليات شراء الأصول، مؤكدة على أن الانتعاش المالي يشهد تحسنا تدريجيا استثنائيا، وأنها لم تتوقع انخفاض مؤشر البطالة إلى ما دون 8 في المائة قبل 2013. بيد أنها حاولت طمأنة مخاوف المتشككين بشأن التضخم، بالقول «المتغير الرئيسي الذي يمكن لـ(الاحتياطي الفيدرالي) السيطرة عليه مع الوقت هو مستوى الأسعار»، مطمئنة إلى أن «استقرار الأسعار هو هدفنا». ودافع ناريانا كوتشيرلاكوتا، رئيس «الاحتياطي الفيدرالي» في مينابوليس، في كلمته في شيكاغو، عن عملية التسهيل الكمي. وقال إنه إذا سمح «الاحتياطي الفيدرالي» في الأوقات الطبيعية للمصارف بجمع المزيد من الأموال فإن ذلك من شأنه أن يرفع من نسبه التضخم. لكنه أضاف أن «هذا المنطق الأساسي غير صالح في الظروف الحالية لأن المصارف تملك احتياطيات زائدة تصل إلى تريليون دولار يحتفظ بها «الاحتياطي الفيدرالي». وهذا يعني أنهم لن يستخدموا الكثير من رخصاتهم الحالية لجني المزيد من الأموال، وقد وفرت لهم علمية التسهيل الكمي 600 مليار دولار من الترخيصات الجديدة لجمع الأموال، لكني لا أدرك السبب وراء استخدامهم المفاجئ للتراخيص الجديدة، إذا لم يستخدموا التراخيص القديمة». بيد أنه أشار إلى أن التأثيرات على سياسة «الاحتياطي الفيدرالي» الجديدة «يتوقع أن تكون متواضعة نسبيا».

* خدمة «نيويورك تايمز»