مستثمرون أميركيون يعيدون النظر في «قناعاتهم» ويبحثون عن استثمارات في الخارج

بعدما كانوا يعارضون هذه الاستراتيجية على مدار عقود

TT

يقوم مستثمرون أميركيون أثرياء في الفترة الأخيرة بما كانوا يعارضونه على مدار عقود، ويتشبهون الآن بنظرائهم داخل أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية من خلال تنويع محافظهم المالية خارج أرض الوطن بدرجة كبيرة.

ويقف سببان وراء هذا التحول، فقد أظهرت الأزمة المالية وعملية الانتعاش البطيئة لهم أن الولايات المتحدة لم تكن محصنة من صدمات مدمرة من نوعية الصدمات التي حاول الأثرياء داخل أسواق ناشئة تحصين أنفسهم منها عبر الاستثمار في دول أخرى. وثانيا: يشعر مستثمرون أميركيون بالقلق من أن محافظهم المالية ستواجه صعوبات خلال المستقبل القريب على ضوء حجم العجز في الموازنة الأميركية وضعف الدولار وحالة الضبابية التي تخيم على البورصة.

ويقول كنت لوكن، المدير الإداري في «سيتي برايفت بنك»: «لم أشهد يوما فترة أبدى فيها العملاء مثل هذا القدر من الاهتمام باستثمارات غير دولارية. كما يوزع الناس الأموال التي لديهم بحذر أشد، وأعتقد أنهم في ذلك يتحلون بمقدار أكبر من الحكمة».

الشيء المختلف هو طريقة دخول هؤلاء المستثمرين بصورة مباشرة إلى أسواق غير أميركية، فهم لا يقنعون بشراء أسهم دولية أو الذهاب إلى صندوق سندات دولي. ويبحثون عن الاستثمار مباشرة في أسهم خاصة صينية وفي قطاع العقارات الهندي وفي أسهم برازيلية بالريال وفي سندات حكومية أسترالية. ويقومون أيضا بفتح حسابات نقدية بعملات متنوعة.

من جانبه، يقول ديفيد فرام، الرئيس العالمي للاستثمار البديل لدى «جي بي مورغان برايفت بنك»: «يفهم عملاء دوليون الحاجة إلى تنويع العملات، ولكن يعتبر هذا الأمر جديدا بالنسبة إلى العملاء داخل الولايات المتحدة».

ويضع أفراد يتمتعون بالثراء النسبي ما يصل إلى 40% من محافظهم المالية في استثمارات غير دولارية. ولكن لنفكر في الأمر على هذا النحو: ما الذي يتعلمه مستثمرون لديهم وسائل أكثر تواضعا من الأفراد الأكثر ثراء داخل الولايات المتحدة – الذين لديهم وسائل بحث واستشارات أفضل – وما يقومون به مع الثروات الكبيرة التي لديهم؟

الجانب الإيجابي: سيتذكر مستثمرون عاشوا خلال التسعينات الأزمات داخل آسيا والمكسيك وروسيا، التي هزت الأسواق المالية العالمية. ودائما ما كان الاستثمار على المستوى الدولي به مخاطر، كما أنه ليس بمنأى عن المخاطر في الوقت الحالي.

ولكن يرى الكثير من المستثمرين مقابلة أخرى تعتمد على سوق راكدة أو متراجعة داخل الولايات المتحدة وأسواق دولية محددة تنمو، بل وربما تشهد ازدهارا. ويقول توني روث، رئيس استراتيجيات الاستثمار لدى «يو بي إس لإدارة الثروات»: «عندما تقوم باستثمار في عملات غير دولارية، فإنك تقوم باستثمارين معا؛ حيث تراهن على أن الدولار سوف ينخفض وفي الوقت نفسه تشتري استثمارا آخر. وتحتاج إلى تعويض مقابل مصدر المخاطرة».

ويذكر على سبيل المثال شراء سند حكومي أسترالي عمره عام، وتحقيق عائد مقداره 5.25%. وقال إنه بذلك يحسب أن الدولار الأميركي سيفقد قيمته وأن الدولار الأسترالي سوف ترتفع قيمته. وهذا هو الجانب الأول. أما الجانب الثاني فهو أن الحكومة الأسترالية مستقرة؛ لذا فإن المستثمر يمكن أن يعتمد على الحصول على عائد سنوي نسبته 5%. والبديل هو أقل من 0.5% إذا تم الاستثمار في أذون الخزانة الأميركية. ويقول: «سأحصل على عائد يعوضني كثيرا عن المخاطر الهامشية التي أتقبلها». ولكن توجد الكثير من الاستثمارات المحفوفة بقدر أكبر من المخاطر، ويحيط الاستثمارات الأقل سيولة – مثل البنية التحتية داخل الصين أو صندوق أسهم خاصة داخل البرازيل – مقدار أكبر من الضبابية. ولكن كما هو الحال مع الأشياء المكافئة لها داخل الولايات المتحدة فإنهم يقدمون عائدا أعلى نظريا.

يقول فرام: إن العملاء كانوا يستثمرون في البنية التحتية داخل آسيا والأسهم الخاصة الآسيوية من خلال جمع أموالهم مع مستثمرين آخرين. ويضيف: «يحدث الكثير من الأشياء عندما تنمو دولة وتتطور، ومن الصعب التعامل مع ذلك من خلال الأسواق العامة».

وعلى الرغم من أنه يوجد «سحب» واضح على استثمارات دولية، فإنه يوجد أيضا «اندفاع» خارج الولايات المتحدة: مستثمرون يجعلون محافظهم المالية دولية بمقدار أكبر، ويقومون بذلك لأنهم يعتقدون أن دور الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي في تراجع.

ويقول روث: إن الولايات المتحدة أسهمت بنحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي قبل 25 عاما وتسهم حاليا بـ21%. ويتوقع أن الرقم سيتراجع إلى 12% خلال 15 عاما أخرى. وتأتي مع ذلك الرسملة السوقية المتراجعة للأسهم الأميركية بالمقارنة مع الأسهم العالمية. ويقول لوكن: «تشهد الولايات المتحدة ما بين نمو مستوٍ ونمو نسبته 2% من الناتج المحلي الإجمالي، ولكن في البرازيل والهند والصين معدلات أعلى بدرجة كبيرة. ويقوم مستثمرون في الأسهم بالاستثمار خارج البلاد من أجل الاستفادة من عوائد أعلى والاستثمار قبل معدلات نمو أعلى».

الجانب السلبي: تتمثل المخاطرة الأكبر في حالة الضبابية، وتتبعها قلة المعرفة. ولا يعرف أحد على وجه التحديد ماذا سيحدث، ودائما ما كان هناك مستثمرون يندفعون بسرعة مبالغ فيها من دون تفهم المخاطر. وتشمل هذه المخاطر قطاعا كبيرا، بدءا من غياب المساواة في الدخل الذي يمكن أن يفضي إلى حالة من الاضطراب، وصولا إلى نظم قانونية لم يختبرها مستثمرون أجانب ومديرون في الخارج، من دون تاريخ قوي.

ويوجد أيضا المجهول. ويقول لوكن، وهو موظف خدمات خارجية سابق: «لقد شهدت عن قرب انهيار الاتحاد السوفياتي، ويظهر ذلك مخاطرة سياسية فريدة داخل دول نامية أصغر».

كما تعرضت دول مثل البرازيل وكوريا الجنوبية، وكلتاهما حاليا تمثل أماكن جذب للمستثمرين، لأزمات في التسعينات من القرن الماضي. ويقول كريستوفر ولف، مسؤول الاستثمارات الرئيسي في مجال الصيرفة الخاصة والاستثمار داخل «مريل لينتش»: «لقد كان تاريخ النجاح قصيرا نسبيا - الأعوام الـ10 أو الـ12 الماضية».

ولكن ولف قال إن العملاء كانوا يستثمرون في مختلف أنواع الأصول عندما استثمروا دوليا، وإن ذلك منحهم مقدارا أكبر من التنوع. كما أنه تغيير كبير في الوقت «الذي كانت توجد فيه أسهم أميركية وأسهم غير أميركية». وكما هو الحال مع التغيرات الكبيرة، ستوجد فترات من النشاط. ولكن بعد الذي عاشه المستثمرون خلال الأعوام الثلاثة الماضية في الداخل، فإن البعض راغب في تجربة ذلك.

* خدمة «نيويورك تايمز»