من يحصر تكاليف التلوث داخل المدن؟

سعود الأحمد

TT

لدينا مشكلة في الدول النامية، تتمثل في تغييب دور البحث العلمي والجامعات في القضايا الحيوية، وتجاهل مفهوم (أو ثقافة) ربط القرارات الإدارية بآثارها الاقتصادية على الحكومات والمجتمع. ومن ذلك ما نشاهده من بناء المراكز الصناعية بالمدن الرئيسية العربية!.. وهنا يبرز سؤال: ما هي قيمة تخطيط المدن، إذا لم يراع في مواقع المجمعات الصناعية بعدها عن الأحياء السكنية؟! والقضية لها جانب اقتصادي (مهم)، لأن الأمراض التي يسببها التلوث الصناعي المنبعث من ورش الحدادة والدهان ومصانع البلاستيك، وما تسببه لسكان المدن من الأمراض المعضلة، يكلف الموازنة العامة للدولة مبالغ طائلة. وسبب كل ذلك تساهل ومجاملات وتفريط البلديات في منح تراخيص المراكز والمجمعات الصناعية بمواقع غير مناسبة! ولو تأملنا الجانب الاقتصادي لهذه القضية وما تسببه المجمعات الصناعية داخل الأحياء السكنية بشيء من الموضوعية، ونظرنا إلى تكاليف ما تسببه هذه المجمعات الصناعية من أمراض مثل حساسية الصدر والسرطان والإنفلونزا.. إلى غير ذلك مما يسببه التلوث الصناعي داخل المدن.. نجد أنه مما يعقد هذه المشكلة غياب الدراسات الميدانية والبحوث التجريبية التي تربط ظاهرة المراكز الصناعية داخل المدن بتفشي وانتشار الأمراض المستعصية والمزمنة، وحصر تكاليف هذه المشكلة وترجمتها في صورة أرقام بحسب المناطق والحقب الزمنية!.. ولذلك فهذا الأمر معلق، والمشكلة باقية، رغم أن المجتمع على قناعة تامة بأن التلوث الصناعي يعتبر أحد الأسباب الرئيسية للكثير من الأمراض المستعصية! ففي مدينة الرياض، على سبيل المثال، أحياء مثل ظهرة البديعة والسويدي والعريجا ذات الكثافة السكانية.. ومع ذلك مقام بها عدد من المراكز الصناعية (القديمة)، ويبدو أن العمل لا يزال جاريا على قدم وساق لبناء المزيد من ورش الحدادة والدهان.. ولا أدري كيف تبرر الأمانة منح مثل هذه التراخيص في هذه الأحياء! وسؤالي هو: هل قامت الأمانة أو وزارة الصحة أو بالاشتراك في عمل دراسة حول ما تسببه المجمعات الصناعية داخل الأحياء السكنية من أمراض؟ والأمر لا يعفي وزارة المالية من الاختصاص، لأن الاقتصاد مرتبط بالصحة والعكس.. ولأن الدولة تنفق الكثير على بناء المستشفيات وتوفير أَسرّة وعيادات ومراكز إسعاف وعناية مركزة وسيارات إسعاف للمراكز الصحية والهلال الأحمر، وتجهيزها بالمستلزمات الطبية المناسبة والكافية، إضافة إلى ما تصرفه صيدليات المرافق الصحية الحكومية من أدوية ومستلزمات تأهيل وعلاج، ناهيك عن تكاليف العلاج في الخارج، وما تنفقه الدولة عليه، بل وما يحصل فيه من استغلال للمرضى ومرافقيهم بالخارج! وأين دور الجامعات في مجال البحث العلمي لدراسة هذه المشكلة.. ورأيها الاستشاري في مثل هذه القضايا الحيوية المهمة؟! فالجامعات يجب أن يكون لها رأي، خصوصا في مثل هذه الحالات، إذا أخذنا في الاعتبار أهمية الرأي المستقل المحايد والمعول عليه. فالنظام لدينا لا يدقق في أسماء ملكيات المرافق الصحية (الخاصة) ومدى علاقتها بأسماء المسؤولين في وزارة الصحة، وبقية القطاعات الصحية!.. وبالتالي فإن مسألة عدم مراعاة مبدأ تعارض المصالح أمر وارد!.. فلا يستغرب أن يشارك بعض مسؤولي وزارة الصحة في ملكية المنشآت الطبية الخاصة، من مستشفيات ومستوصفات وعيادات وصيدليات ومختبرات وغيرها.

وختاما.. إنني أدعو إلى دراسة لحصر تكاليف التلوث داخل المدن، يتم إعدادها من قبل مؤسسات علمية (كالجامعات).. ليتم الاستناد إليها عند إصدار تراخيص المجمعات الصناعية داخل وبجوار المدن.

* كاتب ومحلل مالي