بعد أشهر من الرفض.. دبلن تبحث عن إنقاذ اقتصادها بمساعدات أوروبية بـ100 مليار دولار

بعد اليونان جاء الدور على آيرلندا.. فعلى من سيأتي لاحقا؟

تظاهرات في آيرلندا تطالب باستقالة رئيس الوزراء (أ.ب)
TT

تقدمت آيرلندا رسميا بطلب للحصول على حزمة إنقاذ تصل قيمتها إلى أكثر من 100 مليار دولار بعد أشهر من محاولة التغلب على الأزمة المالية من خلال إجراءات تقشف وميزانية صارمة. وقد أعطى هذا الإجراء الذي كثرت بشأنه التوقعات دفعة إلى سوق الأسهم العالمية واليورو أمس. وسارع مسؤولون كانوا يضغطون على آيرلندا من أجل قبول مساعدة إلى الموافقة على الطلب في وقت متأخر من أول من أمس، وتعهدوا بمبلغ مذهل لعضو آخر متعثر للمرة الثانية خلال ستة أشهر.

ولم يتم الإعلان عن الكمية الإجمالية للحزمة، ولكن قال مسؤولون إنها قد تبلغ ما بين 80 مليار يورو إلى 90 مليار يورو (أي ما يعادل 109 مليارات دولار إلى 123 مليار دولار). ويُذكر أن أوروبا دفعت في فصل الربيع 110 مليارات يورو إلى اليونان لإنقاذها من الإفلاس. وأمس، قال وزير الخزانة البريطانية جورج أوسبورن إن حصة بريطانيا ستبلغ نحو 7 مليار جنيه استرليني (أي ما يعادل 11 مليار دولار) من خلال مساعدة ثنائية إلى آيرلندا ومن خلال التزاماتها لصندوق النقد الدولي. وقال أوسبورن في حديث مع «هيئة الإذاعة البريطانية»: «نحن لسنا جزءا من (منطقة) اليورو ولا نريد أن نكون جزءا من (منطقة) اليورو. ولكن آيرلندا من أقرب جيراننا الاقتصاديين ولذا أرى أنه سيكون من الصالح الوطني أن نكون جزءا من الجهود الدولية الرامية إلى مساعدة آيرلندا».

وخلال عمليات التداول المبكرة من يوم أمسمأأ، ارتفع مؤشر «يورو ستوكس 50» - وهو مؤشر على الأسهم داخل منطقة اليورو - بنسبة 0.8 في المائة، فيما ارتفع مؤشر «إف تي إس إي 100» داخل لندن بنسبة 0.6 في المائة. وارتفع اليورو إلى 1.3747 دولار من 1.3673 دولار يوم الجمعة داخل نيويورك.

وكان لذلك تأثير إيجابي أيضا على أسعار السندات. وتراجعت السندات الآيرلندية لأجل 10 أعوام بمقدار 18 نقطة أساسية - 7.73 في المائة - ولكن لا تزال متميزة بدرجة كبيرة بالمقارنة مع السندات الألمانية، وهي المؤشر الأوروبي، التي ارتفعت نقطتين أساسيتين لتصل إلى 2.72 في المائة.

ويقول هنك بوتس، وهو مدير داخل «باركليز ستوكبروكرز» في لندن، عن عملية الإنقاذ داخل آيرلندا: «إنها خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكن نحتاج إلى أن نرى المزيد من التفاصيل» ولا سيما فيما يتعلق بكمية المال المتاح وطريقة توزيعه. وسوف يتم صياغة هذه التفاصيل خلال الأيام المقبلة. وأضاف بوتس: «ربما فاز مسؤولو الاتحاد الأوروبي بالمعركة، ولكن الحرب لا تزال قائمة». وقال وزير المالية الآيرلندي بريان لينيهان أمس إن حزمة الإنقاذ يمكن أن تعيد الدولة سريعا إلى مسارها لتقترض المال في سوق السندات الدولية. وقال لينيهان لإذاعة «آر تي إي» الآيرلندية القومية: «وجهة النظر في النقاشات حتى اليوم هي أن تقديم هذه التسهيلات الكبيرة ربما يساعد آيرلندا على العودة إلى أسواق السندات بسرعة كبيرة». وقد كانت القروض المقدمة إلى آيرلندا مهمة بدرجة كبيرة ويرجع ذلك إلى الوضع المتعثر الذي يعاني منه النظام المصرفي داخل الدولة، مما يظهر إلى أي مدى تمثل المصارف المتعثرة تهديدا لعملية الانتعاشة بعد مرور عامين على الأزمة المالية التي كان لها أسوأ الأثر داخل اقتصادات وفرضت ضغوطا على المصارف في مختلف أنحاء العالم ودفعتها إلى قبول مساعدات إنقاذ.

وتأتي المساعدات الآيرلندية من آلية إنقاذ تصل قيمتها إلى نحو تريليون دولار وضعها الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي في مايو (أيار) من أجل مساعدة دول منطقة اليورو. ويأمل مسؤولون حكوميون أن الالتزام الكبير من المال سوف يهدئ مستثمرين ويحمي الأزمة من الوصول إلى البرتغال وإسبانيا. وكان الخوف من حالة ذعر داخل الأسواق وانتشار هذه العدوى ما دفع مسؤولون إلى الضغط على آيرلندا من أجل قبول مساعدات في وقت مبكر قبل أن تخرج مشكلة ديونها خارج نطاق السيطرة. ويشير بعض الاقتصاديين إلى أن العوائد التي يجب على اليونان دفعها على سنداتها أعلى حاليا منها قبل عملية إنقاذها، مما يثير مخاوف من أن الثقة في السلامة المالية للدول المتعثرة لا تزال منخفضة.

ولكن يقول آخرون إن الإجراء الحاسم لازم من أجل إحداث تحول ناحية القيام بتغيير. ويقول بات كوكس، وهو اقتصادي ورئيس سابق لدى البرلمان الأوروبي: «ربما تكون هذه نقطة تحول حيث نتوقف عن حفر ثقب ونبدأ إيجاد الظروف من لتغير الوضع الذي نحن فيه».

وقال رئيس الوزراء بريان كوين في مؤتمر صحافي ليلة أول من أمس إنه يجب أن يوجد صندوقان: واحد من أجل دعم المصارف المتعثرة داخل الدولة وصندوق آخر من أجل السماح لآيرلندا بأن تستأنف عمليات حكومية من دون التحول إلى أسواق السندات طلبا للمساعدة، وهو الشيء الذي قالت دبلن إنها لا يمكنها تحمله. ومن المفترض أن تسمح الحزمة لآيرلندا بالعمل من دون أموال من الأسواق لمدة تصل إلى ثلاثة أعوام.

وقد كان طلب المساعدة تحولا مذلا لآيرلندا، التي أكدت حتى الأسبوع الماضي على أنه يمكنها إدارة مصادر تمويلها. ولم تعرض نفسها كدولة مستهترة أو غير مسؤولة بينما كانت اليونان تعاني من عجز متنام وكانت تعد لخطة ميزانية لأربعة أعوام بها خصومات حادة تهدف إلى تقليل عجزها من 32 في المائة إلى 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ولكن الحكومة الآيرلندية كانت تغرق بمقدار أكبر في الديون منذ قرارها عام 2009 حماية مصارفها من جميع الخسائر. وقد أصبح النظام المصرفي ضعيفا بالدرجة التي تجعله لا يتحمل الانتظار لوقت آخر من دون مساعدة.

وقال كوين: «هذا وقت صعب بالنسبة للدولة، وقد شهدنا ظروفا غير معتادة داخل السوق، ولذا كان يجب علينا الخروج من الأسواق. ونحن عاقدو العزم على التعامل مع هذه القضايا التي أثيرت، وسوف نستعيد نظام مصادر تمويلنا العامة قريبا».

وعلى الرغم من أنه لم يعط تحليلا دقيقا، يقول محللون وآخرون شاركوا في المحادثات إن نحو 15 مليار يورو من المحتمل أن تذهب لدعم المصارف. ومن المقرر صرف ما يصل إلى 60 مليار يورو لسد عجز سنوي في الميزانية الآيرلندية يبلغ 19 مليار يورو خلال الأعوام الثلاثة المقبلة.

وقال كوين إن مفاوضات سوف تبدأ مع صندوق النقد الدولي من أجل مناقشة تفاصيل القرض، على الرغم من أن الصندوق أوضح أن معدل الفائدة سيكون أقل من 8 في المائة طلبتها السوق.

وسرع من وتيرة الإجراء، الذي نُفذ أسرع مما كان متوقعا نهاية الأسبوع، مخاوف من التدافع على سحب الودائع من المصارف عندما تفتح أبوابها صباح أمس، بحسب ما ذكره أفراد مطلعون على جلسات النقاش.

وقد طار ما يصل إلى 25 مليار يورو من مصارف كبرى مثل «أليد أيرش» و«أنغلو أيرش» خلال الأشهر الماضية، ويقول مسؤولون إن الوتيرة تسارعت خلال الأسبوع الماضي.

وقال كوين إن خطة الموازنة الحكومية سوف تتضمن 15 مليار يورو في صورة مدخرات - 5 مليارات يورو في شكل زيادات ضريبية والباقي من خلال خصومات في النفقات. وقال إن الخطة سوف تنشر يوم الأربعاء، وصدرت الموازنة في 7 ديسمبر (كانون الأول) الماضي. ولن يطلب من آيرلندا أن ترفع من ضريبة الشركات المنخفضة والتي تبلغ نسبتها 12.5 في المائة، وهو الأمر الذي عارضته بقوة.

وفي رده على أسئلة تناولت وضعية الحكومة كرهينة لصندوق النقد الدولي، قال كوين: «لن يقوم صندوق النقد الدولي بإدارة الاقتصاد الآيرلندي عن قرب، كما أننا لا نتنازل عن أي سياسة مرتبطة بالسياسات».

ويشار إلى أن كوين، وهو رجل كثير الكلام يمتع بنبرة حادة وقدرة على الحديث بالصورة التي تجذب الشخص العادي، شغل منصب وزير المالية خلال الفورة الاقتصادية داخل آيرلندا هذا العقد. وخلال المؤتمر الصحافي، واجه العديد من الأسئلة الصعبة والاتهامات من جانب الصحافيين - فيما مثل انعكاسا لحالة الغضب المستعرة من المصارف وشركات العقارات الذين ينظر إليهم بصورة عامة على أنهم مسؤولون عن النمو السلبي للعام الثالث على التوالي والذي أتعب المواطنين الآيرلنديين. وقال محافظا على هدوئه: «أتخذ كل قرار للصالح العام، وعندما تغيرت الظروف، كان لزاما أن تتغير سياستنا أيضا».

وقد تكبدت المصارف، التي أصدرت قروضا بلا تدبر خلال الفورة التي شهدها قطاع العقارات، خسائر تبلغ نحو 70 مليار يورو، أي ما يعادل نحو نصف الناتج الاقتصادي الآيرلندي. ومن المقرر فرض مجموعة جديدة من اختبارات الضغط، وسيتم تقليل عدد المصارف، بحسب ما قاله مسؤولون.

وحتى الآن لم تكن هناك سوى القليل من الضربات التي نالت آيرلندا، ويميل الناس إلى اعتقاد أن العجز يجب تقليله وأن آيرلندا، وهي اقتصاد مفتوح صغير، ليست لديها خيارات كثيرة بعيدا عن دفع ديونها وتبني خيارات السياسات الأشد حزما.

ولكن ثمة احتمالية أن يكون هناك حد لهذا الصبر في الوقت الذي تضرب فيه الخصومات الجديدة في النفقات الخدمات الاجتماعية والتي بقيت محمية بدرجة كبيرة. وتبلغ معدلات البطالة الآيرلندية نحو 12 في المائة، وتبقى الخدمات مثل مساعدات الأطفال العالمية سخية وفقا للمعايير الأوروبية.

* خدمة «نيويورك تايمز»