أردوغان يتعهد «بمتابعة شخصية» للرساميل العربية الوافدة إلى تركيا

الحريري يدعو لتكتل إقليمي في افتتاح المؤتمر المصرفي العربي ببيروت

رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان متحدثا في افتتاح المؤتمر المصرفي العربي ببيروت (رويترز)
TT

دعا رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، أصحاب الرساميل العربية «للاستثمار في تركيا التي تخطت الأزمة العالمية، والذين سيغتنمون الفرصة مبكرا سيكونون رابحين»، مؤكدا أنه سيتابع شخصيا الأعمال العربية الوافدة من خلال الوكالة التركية لتشجيع الاستثمار التي تتبع له مباشرة، وسيتم تقديم كل التسهيلات الممكنة.

ولفت إلى ضرورة التماهي مع تجربة الاتحاد الأوروبي لإطلاق «شنغن» بين دول المنطقة «فنحن نتكلم لغات مختلفة، لكن تاريخنا وثقافتنا وقيمتنا واحدة، شكلنا التاريخ مع بعضنا بعضا، وسنشكل المستقبل مع بعضنا بعضا في هذه المنطقة من العالم»، مشيرا إلى أن إلغاء التأشيرات بين كل من سورية ولبنان وليبيا والأردن أظهر أنها كانت بلا معنى.

وقال أردوغان في افتتاح المؤتمر المصرفي العربي، الذي بدأ أعماله أمس في بيروت تحت عنوان «الدور الدولي الجديد للمصارف العربية»: «إن هدفنا الوحيد هو السلام والاستقرار والرفاهية في المنطقة.. يقولون إن تركيا متوجهة إلى الغرب، وإننا في مسيرة مفاوضات للعضوية في الاتحاد، تركيا تؤمن بأنه يمكن مزج الهوية الإسلامية مع أوروبا، لكن هذا لا يعني أنه يجب أن ندير ظهرنا لآسيا ولدول الجوار».

وتطرق إلى «الأزمة المالية العالمية التي بدأت من أميركا وانتشرت في العالم». واعتبر أن «العالم الذي لا توجد فيه العدالة لا يمكنه أن يهرب من الأزمات»، لافتا إلى أن «البنوك في الكثير من الدول النامية تزعزعت بسبب الأزمة، إلا أن القطاع المصرفي التركي صمد من دون أي دعم حكومي بفضل قدرته الرأسمالية».

وقابل رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري دعوة أردوغان بالتأكيد على «أهمية نشوء تكتل مصرفي إقليمي يكون في خدمة الدول العربية ودول الجوار، ذات الأهداف الاقتصادية والمصرفية المتكاملة معنا، وفي طليعتها تركيا». وقال «نتطلع إلى تعزيز قنوات التعاون بين لبنان وتركيا في الميادين الاقتصادية والتنموية والاستثمارية المختلفة. وبيئة الأعمال في لبنان باتت مهيأة لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية، ومنها التركية، إلى القطاعات الاقتصادية الواعدة. ونسعى إلى تطوير الشراكات بين القطاع الخاص اللبناني والتركي.. ونطمح إلى زيادة حجم التبادل التجاري بين الجانبين. وفي هذا الإطار وقعنا مع الرئيس أردوغان على اتفاقية منطقة التجارة الحرة بين لبنان وتركيا. كما أعلنا ولادة اللجنة الاستراتيجية العليا للتعاون والتنسيق بين البلدين».

وأشار إلى أن «هذه الخطوات تندرج في إطار اتفاقيات أوسع تقيم منطقة تجارة حرة بين لبنان وسورية والأردن وتركيا، ونطمح إلى توسيعها إلى مزيد من الدول العربية، لتفتح أسواقا أوسع أمام الصادرات اللبنانية، وتزيد من حجم التبادل وبالتالي من حجم الاقتصادات وفرص العمل في هذه البلدان الأربعة. كما نطمح لأن تكون اتفاقية التجارة الحرة مقدمة لتحرير تجارة الخدمات بين لبنان وتركيا، وهذا مجال يهم المصارف اللبنانية بشكل خاص».

وذكر أن «الأزمة المالية والاقتصادية العالمية كانت في إحدى مراحلها أزمة مصرفية دولية. وقد استطاعت المصارف العربية أن تنأى عن هذه الأزمة، رغم الضغوطات المالية التي تعرض لها بعضها، لكنها صمدت ونجحت. وهذا خير دليل على حسن إدارة المصارف العربية، خصوصا خلال الأزمات العالمية. فقد اعتمدت في سياساتها المحافظة على عدم المخاطرة والحذر في عملياتها التوسعية. كما أنها مستمرة في مسيرة تطبيق المعايير المصرفية الدولية، لا سيما معايير بازل. والمصارف المركزية العربية تحرص دائما على اعتماد معايير الرقابة والجودة للعمليات المالية للمصارف العاملة في دولها».

من جهته، أكد حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة تشجيع المصارف اللبنانية على الانتشار خارج الحدود «وهي اليوم موجودة في كثير من الدول العربية والأوروبية والأفريقية. لكننا لا نقوم بذلك إلا بعد التأكد من قدرة هذه المصارف على تخصيص رأسمال كاف لكل فرع في الخارج، ومن توافر طاقة بشرية لديها، قادرة على مواكبة هذا الانتشار. وقد أصدرنا تعميما يحتم على مسؤولي المصارف المخولين التعاطي مع الخارج أو بالأدوات الخارجية من الحصول على شهادة توازي الـ(FSA)، خصوصا عندما يكونون معرضين لمثل الأنشطة المذكورة. كما أننا لن نقبل بان يكون حجم المصرف في الخارج لا يتناسب أو يفوق حجم المصرف في الداخل وذلك لتبقى السيطرة ممكنة على المخاطر. وما يهمنا كمصرف مركزي، ومهما كان الدور الجديد المقدمة عليه مصارفنا، هو سلامة عمل المصارف التي تخضع لرقابتنا».

ولفت إلى أن حرب العملات القائمة حاليا، وفي ظل توجه الرساميل نحو الدول الناشئة، ترفع من قيمة عملات هذه الدول وتشجعها على الاستيراد ربما أكثر من طاقتها، وتحد من قدرتها التنافسية على التصدير في وقت تنخفض فيه الفوائد لديها، الأمر الذي يشجعها على مزيد من الاستدانة في أسواق السندات حيث تنشط مصارفنا.

ونوه رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب الدكتور جوزيف طربيه بنشاط أردوغان الدؤوب «من أجل إعادة هيكلة الروابط مع دول الجوار، ضمن رؤية عصرية تحاكي الواقع الجيوسياسي وتستلهم نجاحات الوقائع التاريخية وخيباتها، وعبر منهجية مميزة في إدارة شؤون ومصالح الدولة التركية وموقعها الاستراتيجي في معادلات المنطقة، وفي إدارة حضورها السياسي والاقتصادي على قاعدة التفاعل الإيجابي مع محيطها».

وأشار إلى أن «نجاح المصارف العربية في دورها الجديد يتطلب تفعيل الدور العربي في صياغة القرارات المالية والنقدية والاقتصادية الصادرة عن المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وتطوير التنسيق مع المؤسسات الرقابية الدولية مثل لجنة بازل للإشراف على المصارف، من أجل المساهمة في وضع قواعد العمل المصرفي، ورسم استراتيجية تتعامل بمرونة مع متطلبات الانفتاح المصرفي العربي على المجتمع الدولي».

واعتبر أن المنطقة العربية تتمتع بالكثير من الإمكانات، لكنها في الوقت نفسه بحاجة إلى تطوير التعاون بين بلدانها على كل المستويات. والقطاع المصرفي العربي يملك من الإمكانات ما يزيد عن حاجات تغطية التمويل والائتمان للنمو المرتقب في عمليات الاستثمار البيني والتبادل التجاري. كما يملك ميزات خاصة في سرعة الحركة والكفاءة البشرية والتقنية يمكن للحكومات استثمارها في تسريع إعداد وتنفيذ المشاريع المشتركة.

وأشار رئيس اتحاد الغرف العربية عدنان القصار إلى أن «التحفظ الواجب اعتماده في علاقاتنا المصرفية الدولية لا يفترض بالضرورة الانعزال عن المجتمع المالي الدولي، بمقدار توخي الحصانة وبعد النظر في نوعية توظيفاتنا وأوعيتها، وحجمها، ومكانها، وتوقيتها، في بيئة عالية من التنافسية والتنوع».

ودعا إلى تطبيق معايير العمل المصرفي بدقة، خصوصا لناحية كفاية رأس المال، وإدارة المخاطر بأنواعها، والتحوط ليس فقط للخسائر المحتملة، بل وللخسائر غير المحتملة التي قد تتأتى من ظروف طارئة. خصوصا أن المصارف تتكيف اليوم مع متطلبات «بازل 3»، مؤكدا أنه «آن الأوان لتوجيه استثماراتنا نحو قطاعات الاقتصاد الحقيقي في الدول العربية، وهي مربحة وأكثر أمانا من الاستثمار في قطاعات ريعية خارجية. كما أن علينا ترشيد استثماراتنا في الخارج».

وتوقع رئيس اتحاد المصارف العربية عدنان يوسف أن «يزيد مجموع أصول المصارف العربية على 2.5 تريليون دولار في نهاية العام الحالي. وهي تلتزم بالقواعد والممارسات المصرفية السليمة، ولا تنجر وراء الربح السريع أو تتورط في استثمارات خطرة ومعقدة، وهذا ما أدى إلى عدم تأثرها بالأزمة العالمية».

ولفت إلى أن مساهمة المصارف العربية في وضع الأنظمة المصرفية الدولية تكاد تكون معدومة. لكن من المنطقي أن يتم النظر إلى تجاربها الناجحة، داعيا إلى إنشاء تكتلات مصرفية ضخمة عبر التحالفات والاندماجات تكون قادرة على منافسة المجموعات المصرفية الدولية.