ازدياد المخاوف من سقوط «الثور الإسباني» ومخاطر ذلك على منطقة اليورو

اقتصاد إسبانيا يساوي اليونان وآيرلندا والبرتغال مجتمعة وتعثره قد يدفع اقتصاد المنطقة إلى الحافة

TT

استطاعت أوروبا النجاة، حتى الآن، من خطط إنقاذ الاقتصاد اليوناني، ولا يزال إنقاذ آيرلندا في متناول اليد، وحتى لو تعثرت البرتغال وطلبت الحصول على مساعدة، كما يتوقع الكثيرون، فمن غير المرجح أن يتسبب ذلك في دفع اقتصادات أوروبا إلى الحافة.

لكن أي تعثر في إسبانيا - التي يساوي اقتصادها اقتصاد الدول الثالثة الأخرى مجتمعة - قد يضغط بشدة على قدرة الدول الأوروبية الكبرى على دعم الدول الأضعف ماليا مما قد يتسبب في مشكلات عميقة للعملة الأوروبية الموحدة، اليورو. وعلى الرغم من أن إسبانيا، شأنها شأن آيرلندا، تبنت خطط تقشف بهدف تجنب الحاجة لخطط إنقاذ، فإنها قد تكون بحاجة إلى المساعدة في حال ثبت أن قطاعها المصرف أضعف مما تتوقع الحكومة، وهو ما حدث مع آيرلندا.

وقد أثار هذا الاحتمال قلق وتوتر المقرضين، حيث لا تزال تكاليف الاقتراض ترتفع في إسبانيا على الرغم من خفض عجز الميزانية وتأكيد مصارف البلاد على امتلاكها القوة الكافية لاستيعاب أثر القروض العقارية السيئة.

وقال بابلو فاسكيز، الخبير الاقتصادي في مؤسسة الدراسات «دي دي إيكونوميا أبليكادا»، وهي معهد بحوث اقتصادية مقره مدريد: «تستطيع أوروبا أن تتحمل سقوط آيرلندا، وربما سقوط البرتغال أيضا، لكن ليس إسبانيا، لذلك فإن خط دفاع إسبانيا النهائي هو إدراكها أنها أكبر من أن تفشل، وأن سقوطها يمثل خطرا كبيرا على منطقة اليورو».

وفي انعكاس لمخاوف المستثمرين، اتسع الفارق بين عائد السندات لأجل 10 سنوات التي تصدرها الحكومة الإسبانية، وتلك الخاصة بالحكومة الألمانية يوم الأربعاء - ليصل إلى 2.59 نقطة مئوية، وهو ما يمثل أكبر فارق بين عوائد السندات منذ بدأ استخدام اليورو. واتساع الفارق بين عوائد السندات غالبا ما يحدث عندما يشعر المستثمرون أنهم يواجهون مخاطر أكبر فيما يتعلق بالسداد.

وقال خوردي غالي، مدير مركز البحوث في الاقتصاد الدولي في جامعة بومبيو فابرا في برشلونة، إن المشكلة بالنسبة لإسبانيا هي «تحقيق المتوقع، بمعنى أنه إذا كان المستثمرون يتوقعون أن إسبانيا ستواجه مشكلة في سداد ديونها، الآن أو بعد فترة، فإن إسبانيا ستواجه مشكلة. ومما يزيد من صعوبة الأمر إحجام المستثمرين عن شراء الديون العامة مما سيؤدي إلى زيادة الفائدة المستحقة عليها وبالتالي زيادة عجز الموازنة وحجم الديون الذي يتوجب عليها قضاؤه». وقد أكدت إيلينا سالغادو، وزيرة المالية الإسباني في حديث إلى إذاعة إسبانيا يوم الأربعاء الماضي، أن إسبانيا لن تكون بحاجة إلى خطط إنقاذ: «نحن في أفضل وضع لمقاومة هذه التكهنات». وفي الواقع، يقول البعض إن أحد أهم نقاط القوة لدى إسبانيا هي أن الجزء الأكبر من الديون الحكومية - البالغة 203.3 مليار يورو (271.1 مليار دولار) - يعود لمصارف إسبانية، وليس لمقرضين أجانب. ويقول هذا الرأي إنه في حال تدهور الوضع المالي للحكومة، فإن المصارف الإسبانية لديها حافز أكبر للمساعدة من خلال تخفيف شروط سداد القروض بصورة أفضل من المصارف الأجنبية، التي ربما كانت ستتخذ مواقف أكثر تشددا.

وبالطبع، فهذا الحل يبدو ذا حدين، لأنه في حال حاولت المصارف الإسبانية تخفيف شروط السداد لمساعدة الحكومة، فإن ذلك سيضطرها إلى تحمل خسائر كبيرة مما سيضر بميزانيتهم.

واحتمال الاضطرار لدخول مثل هذه الحلقة قد يحدث أيضا في العام المقبل، عندما يأتي موعد سداد المقرضين لنحو 192 مليار يورو، أو خمس مجموع الديون الحكومية. ونتيجة لزيادة الفائدة فسوف تضطر إلى دفع ثمن الاقتراض الجديد. ووفقا لخطة الحكومة للميزانية، فإن إسبانيا تواجه ارتفاعا يقدر بنحو 18 في المائة في تكلفة تمويل ديونها.

وتزيد حالة التوتر بين المستثمرين كلما اتخذت الحكومة خطوات أكثر باتجاه الحد من عجز الميزانية الذي وصل إلى 11.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي. وقد أبطأ رئيس الوزراء الإسباني خوسيه لويس رودريغيس ثاباتيرو، في إدراك الأزمة، وتمكن من إقرار حزمة تقشف شملت خفضا في الإنفاق قدره 15 مليار يورو بأغلبية صغيرة في البرلمان في مايو (أيار) الماضي. ونتيجة لذلك، انخفض عجز ميزانية الحكومة المركزية بمقدر 47 في المائة في الأشهر العشر الأولى من هذا العام، وذلك وفقا لأرقام حكومية نشرت يوم الثلاثاء الماضي.

كما تبنت آيرلندا أيضا تخفيضات حادة للإنفاق، لكنها لا تزال في حاجة إلى خطة إنقاذ. والسبب الرئيسي هو أن مصارفها كان لديها مشكلات أكثر مما توقعت الحكومة، وأنها لا تستطيع تحمل تكاليف دعم الحكومة من دون مساعدة من أوروبا.

السؤال الذي يلوح في الأفق هنا، هو هل المصارف الإسبانية بوضع جيد مثلما تقول الحكومة والمصارف نفسها. وفي يوليو (تموز) الماضي، خرجت المصارف الإسبانية سالمة نسبيا من اختبارات التحمل التي أجريت على المصارف في جميع أنحاء أوروبا، والتي أظهرت أن خمسة مصارف إسبانية فقط هي التي ربما تعاني من عدم وجود رأس المال كاف. وجاء جميعهم في شريحة المصارف الأضعف، أو بنوك الادخار، والتي كانت بالفعل ستستفيد من صندوق حكومي رأسماله 99 مليار يورو لإعادة هيكلة هذه المصارف واستيعابها في جهود تهدف إلى خفض عدد المصارف المحلية من 45 إلى 20.

ولكن منذ ذلك الحين فإن مصداقية اختبارات التحمل قوضت بعد انهيار المصارف الآيرلندية. وقد تجنبت المصارف الإسبانية الاستثمارات الكارثية في الرهن العقاري التي تورطت فيها مؤسسات آيرلندية وأوروبية أخرى، لكنها تواجه مشكلة «الكشف» بسبب انهيار قطاع العقارات والبناء في إسبانيا، والبالغة أصوله نحو 180.8 مليار يورو، وذلك وفقا لدراسة نشرها مصرف «بنك أوف سباين». وشدد المصرف تدريجيا شروط الأولية لاستعادة الأصول.

وعلاوة على ذلك، فإن مصارف إسبانيا قد تتعثر في حال تدهور الوضع المالي للبرتغال، فإسبانيا ليست فقط أكبر شريك تجاري للبرتغال، بل إنها أكبر دائن له أيضا، حيث تمتلك المصارف الإسبانية نحو 78 مليار دولار من الديون البرتغالية، وفقا لمصرف التسويات الدولية.

وقال إدوارد هيو، وهو خبير اقتصادي مستقل مقيم في برشلونة: «إن المصارف في إسبانيا لديها بالفعل ما يكفي من المشكلات، ولكن انكشاف البرتغال يمكن أن يكون بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير». وقد جدد الانهيار الوشيك لاقتصاد آيرلندا المخاوف بشأن المصارف الإسبانية، مما أدى إلى انخفاض سعر أسهمها خلال الأسبوع.

وحذر رالف سولفين، وهو خبير بشؤون الاقتصاد الإسباني في مصرف «كوميرتسبنك» الألماني، من أن المشكلات سوف تظهر في إسبانيا إذا لم تلتزم الحكومة بأهدافها الخاصة بخفض العجز أو إذا أظهرت المصارف الإسبانية علامات جديدة على الضعف. وأضاف سولفين: «هناك عامل خطر واضح هو النظام المصرفي والأخبار السيئة التي قد تأتي منه، لأن ذلك سوف يجعل الكثيرين يبدأون في مقارنة الوضع في إسبانيا مع الوضع في آيرلندا، سواء كان مبررا أم لا». ومصدر آخر للقلق هو حماس الحكومة المركزية لخفض التكاليف بقدر لا يتماشي مع التزام السلطات الإقليمية والمحلية، التي تمثل 57 في المائة من الإنفاق العام في العام الماضي. ويمكن أن تتسبب الانتخابات الإقليمية القادمة، والتي سوف تبدأ في إقليم كتالونيا بعد غد، في دفع بعض السياسيين لتقديم بعض التعهدات الخاصة بالإنفاق التي لا يمكن تحملها، ولا سيما في مناطق مثل الأندلس، حيث إن بعض البلديات أصبحت غير قادرة على دفع رواتب الموظفين.

ولكن تبدو الحكومة المركزية، عازمة على فرض مزيد من الانضباط المالي حتى في العاصمة الإسبانية. وفي الأسبوع الماضي، رفض ثاباتيرو طلبا من رئيس بلدية مدريد، التي لديها ديون تقدر بـ7.15 مليار يورو، لتخفيف القيود المفروضة مؤخرا على إصدار سندات الدين البلدية. وقال أنطونيو فرنانديز، رئيس قسم إعادة الهيكلة والإعسار في مكتب غاريغيس للمحاماة بإسبانيا: «أن تقول (لا) لأقوى بلدية إسبانية فإن هذا سوف يبعث برسالة قوية للغاية».

* خدمة «نيويورك تايمز»