من يجزم بصحة مبالغ تحويلات العمالة؟!

سعود الأحمد

TT

لا شك أن دول الخليج العربية تعتمد بشكل كبير على العمالة الأجنبية، وأن التحويلات المالية للخارج تمثل بندا مهما يستحق أن يحصر ويتابع تطوره بشكل دقيق، لما يعنيه من مؤشرات ودلالات مهمة على واقع الدخل القومي ومستقبله، بصرف النظر عن قناعاتنا بجدوى هذا المصروف واعتباره مصروفا استثماريا يعود بقيمة مضافة على الاقتصاد الوطني.. أو كما يراه البعض أنه يمثل استنزافا كبيرا للدخل القومي للبلاد.

فمنذ قرابة عقدين من الزمن ونحن نسمع أن تحويلات العمالة الأجنبية بالسعودية بين (20-25) مليار دولار. وهذه الإحصاءات تصدر من البنوك بالاستناد إلى مبالغ الحوالات النقدية للخارج، وباستخدام بعض المعايير الإحصائية والمالية لتحديد هذا الرقم. لكن هذا الرقم لا يوحي بالقناعة إذا نظرنا إلى أن تزايد عدد العمالة الأجنبية بالسعودية من 6 ملايين عامل، بحسب التعداد السكاني لعام 2004، إلى 8 ملايين عامل أجنبي في عام 2010، أي بنسبة زيادة الثلث (بمعدل 33%).. وهذا ما يفترض معه أن تزيد نسبة التحويلات بهذا المعدل، على الأقل خلال الفترة محل الدراسة.

فالواضح أن أجور العمالة في تزايد خلال العشرين عاما الماضية، حيث لا تقل عن الضعف. وهذا التأثير لا نلاحظه ينعكس في أرقام الإحصاءات، بل إنني أعتقد أن حصر مبالغ الحوالات الأجنبية لا يكفي أن يتم من خلال البنوك وحدها، ولا أجزم بوجود معايير معول عليها يتم على أساسها حصر التحويلات الأخرى. ومن ذلك، أنني أعلم علم اليقين أن العمالة يرسلون معظم حوالاتهم مناولة مع معارفهم وأصدقائهم، فمعظم السائقين والخادمات والعمالة اليدوية يسافرون بمبالغ نقدية يحملونها معهم لبلدانهم. هذا بخلاف الأموال العينية المعبأة في الحقائب المشحونة عبر وكالات الشحن الجوي والبري والبحري، إضافة إلى ما يشترى ويعبأ في الحقائب المشحونة بالطائرات مع المسافرين، وأيضا المحمولة يدويا. وهذه المبالغ من الصعب حصرها، لأن أصحابها لا يفصحون عنها لأحد! كما أن العمالة من الدول العربية، وبالأخص من دول الجوار، (مثل اليمن ومصر وغيرهما)، يجدون تسهيلات مشجعة لنقل أموالهم في جيوبهم، مع سهولة في حمل هذه المبالغ إذا تم صرفها بعملات نقدية كبيرة (مثل فئة الخمسمائة ريال سعودي، أو المائة دولار أميركي). فمع وجود هذه التسهيلات المحلية السعودية، فإن العامل يمكنه أن يحصل على النقد من الدولار والريال بشرائه أو استبداله من البنوك والمصارف المحلية ويحمله معه في جيوبه أو في حقائبه.

خلاصة القول.. إنني أعتقد أن ما يحصر من تحويلات نقدية خارجية لا يمثل سوى النذر اليسير من مبالغ التحويلات النقدية الفعلية. وعليه، فإننا في حاجة إلى أن نبحث عن أسس أخرى وبديلة لقياس هذا البند المهم والمؤثر في الاقتصادات الخليجية.

* كاتب ومحلل مالي