الفرنسية دومينيك سونيكيه.. «سيدة الـ25 مليار يورو»

ترأس صندوق «برايفت إكويتي» الاستثماري.. وتسعى للتوسع في بلدان الخليج

دومينيك سونيكيه
TT

الأرجح أن اسم دومينيك سونيكيه لا يعني الشيء الكثير للقارئ العربي أو للفاعلين في عالمي الاقتصاد والمال، والسبب ليس بالضرورة عائدا للقارئ بل قد تكون دومينيك سونيكيه نفسها المسؤولة. فهذه السيدة لا تحب الأضواء وتبتعد عن مجلات المشاهير. ومع ذلك، فإن مجلة «فوربس» الأميركية المعروفة صنفتها في الموقع الخمسين بين المائة امرأة الأكثر تأثيرا في العالم. أما في فرنسا، فإنها إحدى الـ3 نساء الأكثر نفوذا مع وزيرة الاقتصاد كريستين لاغارد ورئيسة مجموعة «أريفا» الناشطة في الحقل النووي آن لوفرجان. وعلى سبيل المثال، فإن ميشيل أوباما، زوجة رئيس الولايات المتحدة الأميركية تحتل المرتبة الأربعين، وملكة بريطانيا تقع في المرتبة الـ42.

فمن هي هذه المرأة الخفية؟ وما سر قدراتها؟ وما الذي تتميز به عن غيرها؟

هذه الأسئلة وغيرها كانت تتفاعل في ذهني وأنا متوجه للقائها ذات صباح بارد بناء على موعد حدد قبل عشرة أيام. مكتبها يطل على ساحة فاندوم الشهيرة في باريس بمواجهة فندق «ريتز» الذي يملكه رجل الأعمال المصري محمد الفايد. وجيرانها مشاهير بيوتات المجوهرات والحلي، شبان وشابات في مقتبل العمر، خريجو أفضل المعاهد والجامعات في العالم يروحون ويجيئون. وبدا سريعا أن الشعار السائد في هذا المكان هو «الهمس» بدلا من الكلام. لا صوت يعلو. لا باب يغلق بشدة. لا مدخنين. لا ثرثرة.

قبل الموعد، قرأت الكثير عن هذه المرأة التي يطلق عليها «سيدة الـ25 مليار يورو». إنها ترأس الصندوق الاستثماري Axa Private Equity المتفرع عن شركة «أكسا» للتأمين الذي يقع بين الصناديق العشرة الأولى في العالم. واختصاص الصندوق ليس المضاربة بل أساس عمله مراكمة الرساميل الموضوعة بتصرفه التي مصدرها الصناديق السيادية والصناديق الائتمانية والثروات الخاصة واستثمارها عن طريق التوظيفات في الشركات المتوسطة والصغرى عبر العالم، من الولايات المتحدة الأميركية إلى الصين مرورا بالقارة القديمة «أوروبا» وصولا إلى الاقتصادات الناشئة. دومينيك سونيكيه راكمت الكثير من الأرقام القياسية. فهي المرأة الوحيدة في العالم التي تدير صندوقا استثماريا بهذا الحجم عبر العالم. ويصنف الصندوق الذي تديره الأول أوروبيا. وقبل عدة أشهر، اشترت دومينيك سونيكيه بمبلغ ملياري دولار نشاطات «بنك أو أميركا» الخاصة بالاستثمارات في الشركات غير المتداولة في البورصة وفعلت الشيء نفسه مع البنك الفرنسي «ناتكسيس»، والبنوك الشعبية.

ما يلفت النظر لدى هذه المرأة المولودة في مدينة طولون المتوسطية التي تعبر عن افتخارها بأصولها الريفية والقروية، هو بساطتها وابتعادها عن التصنع أو التجلبب بالسلطة التي يوفرها لها موقعها في الصناعة المالية العالمية. تخرجت دومينيك سونيكيه في أرقى المعاهد الفرنسية «بوليتكنيك» الذي دخلته في عام 1972، أي في أول دورة يفتح فيها المعهد أبوابه للفتيات. ومنذ تخرجها، دخلت عالم التأمين وتعرفت باكرا على رئيس شركة «أكسا»، كلود بيبيار، وهو أحد أبرز الوجوه المالية في جيله. بيبيار استدعى دومينيك سونيكيه وأعطاها مفاتيح الصندوق الاستثماري «أكسا برايفت أكويتي» وزودها بمائة مليون يورو وحدد القاعدة الأساسية للتعامل، وقوامها أن كل يورو تأخذه من «أكسا»، الشركة الأم، يجب أن يأتي مقابله ضعفان. وسريعا جدا، كبر هذا الصندوق الاستثماري ليتجاوز الملياري يورو في عام 2002 ليصل العام الحالي إلى 25 مليار يورو، مما يؤهلها إلى أن تلعب في «ملاعب الكبار» في هذا العالم، أي أن تكون أول صندوق أوروبي وأن تنافس الصناديق الأميركية التي تحتل المراتب التسع الأولى في التصنيف العالمي للصناديق الاستثمارية.

أسأل دومينيك سونيكيه عن «الكلمة السحرية» التي تفسر نجاحها الاستثنائي في عالم بالغ التعقيد، حيث المنافسة شديدة والخصوم لا يرحمون، فتجيب هذه المرأة التي تدير حاليا فريقا من 235 شخصا موزعين على مكتب باريس الرئيسي وسبعة مكاتب أخرى عبر العالم: «سر النجاح هو فن إدارة فرق العمل واختيار الأفضل والاحتفاظ بهم. والسر الثاني هو الحصول على المعلومات الضرورية لاتخاذ القرار الصحيح في الوقت الصحيح. والسر الثالث هو اختيار قادة الشركات التي نستثمر فيها والمراهنة على كفاءاتهم. وأود أن أضيف أن الأشخاص الذين أعمل معهم هم بطبيعة الحال مرتفعو معدل الذكاء وما يحترمونه ليس السلطة التي تتمثل فيّ، بل قدرتي على إحياء فريق العمل واستباقه. باختصار، ما يلزم للنجاح هو الأشخاص ذوو الكفاءة والقدرة على توفير المعلومات وهضمها من أجل اتخاذ القرار المناسب الذي يعني استثمار مئات الملايين هنا وهناك».

قد تكون هذه «الثلاثية» هي التي ساعدت صندوق «أكسا» الاستثماري على اجتياز الأزمة المالية العالمية دون الإصابة بخسائر كبرى كالتي منيت بها الصناديق الأميركية. ولا شك أن هذا المعطى ساعدها على اجتذاب مزيد من الرساميل «الخارجية» التي تشكل ثلثي الأموال التي يديرها الصندوق. وتبدي سونيكيه بعض الممانعة في الكشف عن التفاصيل، لكنها تخبرنا أن من بين مصادر الأموال التي تديرها أموال تأتي من بلدان الخليج، وخصوصا الصناديق السيادية في أبوظبي والسعودية وقطر والكويت، فضلا عن الصناديق الائتمانية والصناديق الأخرى في الدول الأوروبية والبلدان الناشئة. ثم إن هناك بعض «العائلات» الثرية التي تفضل إيكال أموالها إلى هذا الصندوق على أن تراهن على الربح السريع في الصناديق التي تعتمد المضاربة والبحث عن الربح السريع.

ولكن كيف تنظر دومينيك سونيكيه التي يوجد صندوقها الاستثماري في السعودية والإمارات وتسعى للاستثمار في الشركات المحلية أو في شركات مختلطة محلية - أوروبية إلى «Joint ventures»؟

تقول سونيكيه إن المستثمرين المؤسساتيين (الصناديق السيادية) يتمتعون بخبرة واسعة في مجال الاستثمار وتحديدا عبر امتلاك حصص في الشركات العالمية أو الشركات الوسطى ويعرفون السوق بشكل جيد ويعتمدون على فرق ذات كفاءة. ويسعى صندوق «أكسا برايفت أكويتي» إلى توسيع قاعدة متعامليه في المنطقة. غير أن مشكلته أن الصناديق الأميركية سبقته بسنوات، ولذا فإنه يضاعف الجهود للحاق بها معتمدا على نجاحه وعلى النتائج التي حققها في السنوات الماضية وعلى إقامة شراكات متساوية مع صناديق محلية مثل «الواحة كابيتال» في أبوظبي. وتبحث دومينيك سونيكيه عن شريك مماثل في السعودية وفي بلدان الخليج الأخرى التي رصدت لها ثلاثة من كبار كادراتها لتعميق حضور الصندوق فيها، على أن تقيم مكتبا إقليميا في مرحلة لاحقة.

ولكن ما هي النصائح التي تسديها إلى الباحثين عن فرص استثمارية في منطقة الخليج؟ تجيب دومينيك سونيكيه ضاحكة: «أدعوهم بكل بساطة إلى المجيء إلينا». وتضيف جادة: «أعتقد أن الاستثمار في البنى التحتية أمر مضمون لأكثر من سبب، منها الضمانات التي توفرها ضد التضخم». وترى سونيكيه أن من المفيد أن تكون الشركات المستثمر فيها موجودة في أسواق البلدان الناشئة، على الأقل بنسبة 25 إلى 30 في المائة في الصين والهند والشرق الأوسط وغيرها من الاقتصادات ذات النمو المرتفع. ولا تنسى سونيكيه الشركات الأميركية التي ترى أن الفرصة مناسبة اليوم للدخول فيها بسبب ما أصابها من تراجع أرباحها ومواقعها السوقية. كما أنها ترصد في المحفظة الاستثمارية المثالية مكانا للعقارات كملجأ من تذبذب البورصات العالمية.

أما عن العملات، وتحديدا مصير العملة الأوروبية الموحدة (اليورو)، فتؤكد سونيكيه أنه من «غير المتصور» أن يزول اليورو رغم أنه «من غير المستبعد ولا الكارثي» أن تخرج منه بعض البلدان الأوروبية، مثل اليونان أو آيرلندة أو البرتغال. وفي رأيها، فإن الأساس هو الدول الرئيسية في منطقة اليورو، أي ألمانيا وفرنسا وإيطاليا التي تمثل وحدها 60 في المائة من الناتج الداخلي الخام، بينما اليونان لا تمثل سوى 10 في المائة من الاقتصاد الألماني. وتعتقد سونيكيه أن اليورو سيبقى عملة قوية رغم أن العالم الأنغلو ساكسوني، وخصوصا الولايات المتحدة الأميركية، لا يريده عملة قوية يمكن أن تحل محل الدولار في العالم.