الاقتصاد الأميركي يتجه نحو انتعاش حقيقي العام المقبل

أرقام المبيعات تفاجئ الاقتصاديين ومسح «ميريل لينش» يؤكد عودة الثقة

سياسات بيرنانكي بدأت تثمر (أ.ف.ب)
TT

تتواصل مؤشرات التفاؤل على تعافي الاقتصاد الأميركي وسط عودة الثقة للمستثمرين والمستهلكين في الولايات المتحدة الأميركية، حيث فاجأت أرقام مبيعات التجزئة الصادرة أمس الاقتصاديين بارتفاعها إلى مستويات أعلى كثيرا من التوقعات. ويقول اقتصاديون إن سياسة «التيسير الكمي الثانية» وتصريحات رئيس مصرف الاحتياط الفيدرالي بن بيرنانكي بأنه سيواصل سياسة التيسير الكمي وربما سيزيد من مبلغ الـ600 مليار دولار الذي رصده لشراء السندات، بعث الثقة وسط مديري الشركات كما أن تمديد العمل بقانون الإعفاء الضريبي وضعف الدولار من بين العوامل التي بعثت التفاؤل بتعاف سريع للاقتصاد العام المقبل. وفي أكبر دليل على التعافي ارتفعت مبيعات التجزئة الأميركية أمس أكثر من المتوقع في نوفمبر (تشرين الثاني) مع تزايد إنفاق المستهلكين على الملابس وغيرها من السلع في بداية موسم العطلات وتزايد الإقبال على محطات البنزين مما يعطي مزيدا من الأدلة على أن الانتعاش الاقتصادي اكتسب قوة دفع في الربع الأخير. وفي نيويورك ارتفعت أسعار الأسهم الأميركية لليوم السادس على التوالي وواصل مؤشر «ستاندرد آند بوورز» الأوسع قياسا لأداء الأسهم الأميركية ليكسب 0.1% ويرتفع إلى 1242.25، وهو المعدل الأعلى منذ يوليو (تموز) الماضي. وقال محللون لـ«الشرق الأوسط»: «خطوات النمو بدأت تترسخ في أميركا مع ظهور هذه الأرقام وسط تزايد معدل الاستهلاك المصاحب بمعدل تضخم طفيف لا يهدد الموجودات».

وقالت وزارة التجارة الأميركية أمس الثلاثاء إن مبيعات التجزئة الإجمالية زادت 0.8% لترتفع للشهر الخامس على التوالي. وجرى تعديل نمو مبيعات أكتوبر (تشرين الأول) بالزيادة إلى 1.7% من 1.2% في تقديرات أولية. وكان خبراء اقتصاديون قد توقعوا في مسح أجرته «رويترز» نمو مبيعات التجزئة 0.6% في الشهر الماضي. ومقارنة مع نوفمبر 2009 زادت المبيعات 7.7% . وباستثناء سيارات الركوب ارتفعت المبيعات 1.2% في الشهر الماضي مقارنة مع توقعات المحللين بزيادة 0.6% . وكانت المبيعات باستثناء السيارات قد ارتفعت 0.8% في أكتوبر. والبيانات هي الأحدث التي تشير ضمنا إلى تسارع النمو الاقتصادي في الربع الحالي بعد نمو الإنتاج 2.5% على أساس سنوي في الربع من يوليو حتى سبتمبر (أيلول).

وفي ذات الصعيد اعتبر تقرير «بنك أوف أميركا ميريل لينش» الصادر أمس أن الأسهم الأميركية كانت أكبر المستفيدين من استمرار عزوف المستثمرين عن الأسهم الأوروبية للمصلحة الأميركية، مع استمرار أزمة الديون السيادية في أوروبا، فيما ارتفعت نسبة المستثمرين الذين يتوقعون ارتفاع أسعار صرف الدولار الأميركي عام 2011، ويلحظ التقرير موجة من التفاؤل بالاقتصاد المالي العالمي وفقا لمن استطلعهم من مديرين لصناديق الاستثمار يشرفون على توظيف 569 مليار دولار.

وأوضح التقرير الشهري لبنك أوف أميركا ميريل لينش أن 44% من المديرين الذين تم استطلاع آرائهم توقعوا تحسن الاقتصاد العالمي عام 2011، مقارنة مع 35% فقط توقعوا ذلك الشهر الماضي. كما توقع 51% منهم ارتفاع أرباح الشركات العام المقبل، بارتفاع عن 36% توقعوا ذلك الشهر الماضي. وأعرب عدد أكبر من المستثمرين عن ترجيحه لارتفاع التضخم، حيث توقع 61% ارتفاع معدل التضخم الأساسي عام 2011.

ومع استمرار أزمة الديون السيادية في أوروبا، أخذ المستثمرون يتحولون إلى الأسهم الأميركية، حيث أكد 16% من المستثمرين إفراطهم في حيازة تلك الأسهم مقارنة مع 1% فقط في شهر نوفمبر الماضي، بينما أكد 4% منهم إفراطهم في حيازة الأسهم الأوروبية بانخفاض كبير عن 15% أكدوا ذلك في نوفمبر المنصرم. وقد اتضحت معالم موجة تفاؤل كبيرة بالدولار، من خلال الزيادة الكبيرة في عدد المستثمرين الذين توقعوا ارتفاع أسعار صرف الدولار، حيث توقع 36% منهم ارتفاع تلك الأسعار عام 2011، مقارنة مع 14% فقط توقعوا ذلك في نوفمبر. وأظهر الاستبيان على صعيد الولايات المتحدة تضاعف نسبة المستثمرين الأميركيين الذين يتوقعون نمو أرباح الشركات بمعدلات مرتفعة من رقمين، لتبلغ تلك النسبة 40% على أساس شهري.

وقال جاري بيكر، رئيس دائرة استراتيجية الأسهم الأوروبية في شركة «بنك أوف أميركا ميريل لينش» للبحوث العالمية في التقرير: «رغم ازدياد الثقة بانتعاش الاقتصاد العالمي، يظهر الاستبيان أن أوروبا تواصل خسارة دعم المستثمرين، نظرا لكون التسويف السياسي والمخاوف المصرفية تلقي بظلالها على احتمالات تحسن أوضاع الشركات».

من ناحيته، قال مايكل هارتنت، كبير المحللين الاستراتيجيين للأسهم العالمية في شركة «بنك أوف أميركا ميريل لينش» للبحوث العالمية: «أعادت صفقة الضرائب الأميركية الجديدة الوشيكة، والموجة الثانية من برنامج التيسير الكمي، الثقة في آفاق أداء الشركات الأميركية، في وقت يبدو فيه أن أوروبا فقدت حظوتها لدى المستثمرين بينما يتساءل الكثيرون عن مدى احتمال استمرار نمو الاقتصاد الصيني». ووفقا للتقرير فقد أعطى المستثمرون العالميون الشركات الضوء الأخضر لتسريع وزيادة نفقاتها الرأسمالية. وأعرب 62% من المستثمرين المستطلعة آراؤهم عن اعتقادهم بأن عددا كبيرا من الشركات لم يستثمر ما يكفي لتطوير طاقاته الإنتاجية وتعزيز ربحيته، في أعلى نسبة من نوعها منذ إطلاق هذا الاستبيان الشهري في أغسطس (آب) 2005.

أما بالنسبة لأسهم شركات التكنولوجيا فقد تخلت عن العرش الذي تبوأته 11 شهرا، وخلعت أسهم شركات الطاقة، للمرة الأولى هذا العام، أسهم شركات التكنولوجيا عن العرش الذي تبوأته بصفتها قطاع الأسهم المفضل لدى المستثمرين. وكانت أسهم شركات التكنولوجيا قد تصدرت أسهم سائر القطاعات الاقتصادية على مدى 11 شهرا على التوالي ومنذ يناير (كانون الثاني) الماضي.

في مقابل ذلك خسرت أسهم البنوك المزيد من دعم المستثمرين، حيث أكد 28% من المستثمرين العالميين المستطلعة آراؤهم أنه قلصوا استثماراتهم في تلك الأسهم. فقد سارع المستثمرون الأوروبيون إلى التخلص من أسهم البنوك، وأكد 47% منهم أنهم خفضوا الاستثمار في أسهم البنوك الآن، بارتفاع كبير عن 22% منهم أكدوا ذلك في نوفمبر.

وبالرغم من النظرة المتشائمة للاقتصاد الأوروبي فقد حافظ المستثمرون الأوروبيون على برودة أعصابهم رغم خروجهم الكبير من أسهم الشركات المالية، حيث توقع 26% منهم تحسن الاقتصاد الأوروبي عام 2011، بارتفاع عن 23% منهم توقعوا ذلك نوفمبر المنصرم، بينما توقع 34% منهم ارتفاع أرباح الأسهم العام المقبل، مقارنة مع 29% منهم توقعوا ذلك الشهر الماضي.

وقد ارتفعت الحيازات النقدية السائلة للمستثمرين الأوروبيين وإن كان بمعدلات متواضعة خلال الشهر الجاري، حيث ارتفعت تلك المعدلات بنسبة تراوحت بين 0.1% و3% محسوبة على أساس شهري. وقال باتريك شويتز، المحلل الاستراتيجي للأسهم الأوروبية في شركة «بنك أوف أميركا ميريل لينش» للبحوث العالمية: «يركز المستثمرون الأوروبيون أنظارهم الآن على ما بعد مرحلة السجال السياسي الصاخبة الراهنة، ويعتقدون بأنه سوف يتم التوصل إلى حل لأزمة الديون السيادية، ما سوف يسمح باستئناف النمو الاقتصادي وأرباح الشركات خلال العام المقبل».

واشترك بالمسح العالمي الذي يقيمه البنك الأميركي 209 مديرين لصناديق الاستثمار يشرفون على توظيف 569 بليون دولار.، كما اشترك في الاستطلاع الإقليمي ما مجموعه 174 مديرا يستثمرون 401 مليار دولار.