قمة الاتحاد الأوروبي تبدأ اليوم لإيجاد آلية دائمة لأزمة الديون

وسط ضغوط وشكوك المستثمرين في أعقاب وضع ديون إسبانيا تحت المراقبة

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال القائها كلمة أمام مجلس النواب الالماني في برلين أمس (أ.ف.ب)
TT

تعقد اليوم في بروكسل قمة دول الاتحاد الأوروبي، لمناقشة آلية دائمة لحل أزمة الديون الأوروبية، وسط شكوك متزايدة من قبل المستثمرين بشأن جاهزية أوروبا لإيجاد حل ناجع لهذه المعضلة. وتزايدت هذه الشكوك أمس حينما أعلنت وكالة «موديز» لخدمات التصنيف الائتماني أنها وضعت الديون السيادية لإسبانيا تحت المراجعة بهدف التخفيض. ويلاحظ أن الأسهم الأوروبية انخفضت أمس متأثرة بالوضع المالي الضعيف في أوروبا والمخاوف من سقوط إسبانيا تحت وطأة الديون مثلما حدث لآيرلندا واليونان. وقادت أسهم المصارف الإسبانية الكبرى موجة الانخفاض، وفقد سهم «بانكو سانتاندير» أكبر المصارف الإسبانية أكثر من 2.0% من قيمته، كما خسر «بانكو بلباو» ثاني أكبر المصارف الإسبانية وفقدت بعض الشركات 10% من قيمة أسهمها في تعاملات أمس.

وفي أسواق الصرف تعرض اليورو لضغوط بيع بعدما وضعت وكالة «موديز» إسبانيا تحت المراجعة. وتأتي هذه الضغوط رغم أن البنك المركزي الأوروبي تدخل هذا الأسبوع بكثافة في سوق السندات والصرف لدعم اليورو وسندات الدول الضعيفة في أوروبا وعلى رأسها إسبانيا والبرتغال واليونان.

وفي برلين، قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أمس الأربعاء إن زعماء الاتحاد الأوروبي سيقرون خطة لإقامة درع إنقاذ دائمة لمنطقة اليورو عندما يجتمعون في بروكسل في وقت لاحق هذا الأسبوع. وقالت ميركل إن قادة الكتلة سيساندون اتفاقا توصل إليه الشهر الماضي وزراء مالية الاتحاد الذي اتفقوا على إنشاء آلية استقرار أوروبية لتحل محل آلية مؤقتة اعتبارا من منتصف عام 2013.

وشددت ميركل في كلمة أمام مجلس النواب على التزام برلين بمساعدة شركائها الأوروبيين، لكنها رفضت مجددا فكرة إصدار سندات مشتركة لمنطقة اليورو. وقالت ميركل «نعلم أن اليورو هو مصيرنا المشترك، وأن أوروبا هي مستقبلنا المشترك.. لن يكون هناك تخل عن أحد في أوروبا. أوروبا ستنجح نجاحا مشتركا».

ويحل أجل صندوق دعم يصل إلى 750 مليار يورو من أوروبا وصندوق النقد الدولي في نهاية يونيو (حزيران) 2013. وقالت ميركل إن قمة الاتحاد الأوروبي يومي الخميس والجمعة ستؤيد خطة إحلال آلية الاستقرار الأوروبية محل ذلك الترتيب. وقالت ميركل «الإعلان الصادر عن وزراء مالية الاتحاد الأوروبي في 28 نوفمبر، والذي تضمن الاتفاق على المعالم الرئيسية للآلية الجديدة، سيحصل على موافقة المجلس الأوروبي».

إلى ذلك، أعلنت مؤسسة «موديز» للتصنيف الائتماني أمس مراجعة التصنيف الائتماني للديون السيادية الإسبانية لإجراء خفض محتمل لتصنيفها. غير أنها قالت إن قدرة إسبانيا على الوفاء بالتزاماتها المالية لا تبدو في خطر، مستبعدة أن تكون البلاد في حاجة إلى مساعدة مالية من الاتحاد الأوروبي.

وقالت «موديز» إن اضطراب السوق جعل إسبانيا أكثر عرضة وتأثرا بالتوترات التي تثيرها احتياجاتها من التمويل للعام المقبل. وأضافت أن هناك هاجسا بشأن الرقابة المحدودة للحكومة المركزية على الشؤون المالية للأقاليم، ما يجعل الأمر أكثر صعوبة على إسبانيا لتحقيق تحسن هيكلي مستدام في شؤونها المالية عموما. وتنقسم إسبانيا إلى 17 إقليما، يتمتع كل منها بحكم شبه ذاتي. وتسببت المشكلات الاقتصادية للبلاد، وبينها عجز في الميزانية يبلغ 11.1% ومعدل بطالة نسبته 20%، في خلق هاجس بأنها قد تقتفي أثر اليونان وآيرلندا في المطالبة بمساعدات مالية دولية. وقالت وكالة التصنيف الائتماني إن إسبانيا «في وضع أقوى» من بعض الدول الأخرى في منطقة اليورو.

ويعد عام 2010 من أسوأ الأعوام بالنسبة لأوروبا على الصعيد الاقتصادي، حيث تفاقمت فيه الأزمة المالية التي حلت باليونان وآيرلندا، واستوجبت إقرار خطتي إنقاذ للبلدين، تقابلهما خطتا تقشف، مما أرغم منطقة اليورو على بدء حملة إصلاح معمقة لتخطي المحنة. ولكن ألمانيا الدولة الغنية في الاتحاد تبدو مصممة على تخطي الأزمة، حيث أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وسط الأسبوع ملخصة الوضع أن «فشل اليورو يعني فشل أوروبا».

وبدأت الأزمة مصرفية ومالية، وقد صدرتها الولايات المتحدة إلى أوروبا إثر إفلاس مصرف «ليمان براذرز»، ثم تحولت إلى أزمة اقتصادية مع حصول أخطر انكماش اقتصادي عرفته أوروبا منذ عام 1945، واتخذت هذه السنة منحى ماليا واجتماعيا تحت تأثير تزايد العجز في الميزانيات والديون، فارضة على جميع البلدان ضبط النفقات وتبني خطط تقشف في اليونان التي وصلت إلى شفير الإفلاس، وفي آيرلندا حيث تم الحد من المساعدات الاجتماعية وتخفيض أجور موظفي الدولة وزيادة الضرائب، وأخيرا في البرتغال التي أقرت الشهر الماضي خطة قاسية لضغط النفقات، وهو الثمن المتوجب تسديده للحصول على مساعدة الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي اللذين خصصا قروضا بقيمة 110 مليارات يورو لليونان في مايو (أيار)، وقروضا بقيمة 85 مليار يورو لآيرلندا في نوفمبر (تشرين الثاني).

وفي هذه الأثناء، تراقب الأسواق الدول المرشحة لانتقال العدوى إليها، وفي طليعتها البرتغال وإسبانيا. وهذه الأزمة جاءت بمثابة صفعة قوية لأوروبا التي تشعر بتراجعها إزاء القوى الناشئة. فصندوق النقد الدولي لم يهرع هذه المرة لمساعدة دول مثل المكسيك والأرجنتين وإندونيسيا، بل دول أوروبية. وفي سياق البحث في التطورات التي أوصلت الأمور إلى هذا الحد، من المهم الإشارة إلى أن المساعدات العامة للمصارف التي تسببت في نشوء الأزمة أساسا، تلقي بثقلها على مالية الدولة.

لكن الأمر لا يقتصر على ذلك، فأوروبا تدفع ثمن تزايد بطيء وثابت في ديونها منذ السبعينات وانتهاء مرحلة النمو الاقتصادي القوي في الفترة ما بين 1945 و1974، وهي منذ ذلك الحين تقترض للحفاظ على مستواها المعيشي.

وتواجه خطط التقشف التي تتبناها أوروبا لمواجهة الأزمات المالية موجة احتجاجات ومظاهرات عارمة من قبل الطلاب والموظفين ونقابات العمال. وفي أثينا عقدت الحكومة اليونانية مساء الثلاثاء اجتماعا عاجلا برئاسة رئيس الوزراء، جورج باباندريو، لمناقشة خطط الخصخصة «وتحسين التنسيق» في استخدام المباني الحكومية. وقال باباندريو في الاجتماع الذي سبق التصويت في البرلمان: «أمامنا قرارات صعبة، ولكن اتخاذ خطوات جريئة هي الطريقة الوحيدة للتغلب على الصعوبات».

وكشفت وزارة المالية اليونانية مؤخرا عن أرقام تظهر أن موظفي الشركات الذين تطالهم قرارات خفض الرواتب، يتقاضون رواتب بمعدل نحو 40 ألف يورو سنويا، أي أعلى بكثير من موظفي القطاع العام أو الخاص، وذلك رغم معاناة تلك الشركات من ديون كبيرة.

وتعاني اليونان من ديون هائلة تزيد على 300 مليار يورو (402 مليار دولار). وشارفت على إعلان إفلاسها في مايو (أيار) الماضي، إلا أن الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي سارعوا إلى إنقاذها.