تحويلات العاملين.. الأهم أسس القياس

سعود الأحمد

TT

عندما نتحدث عن عدم دقة أرقام تحويلات العاملين بالدول الخليجية بصفة عامة، ونعطي أمثلة على واقع ما يحدث في السعودية، فإن المقصود (وحتى نسمي الأشياء بأسمائها( ليس التحويلات عبر البنوك والصيارفة فقط أو حتى (أيضا) عبر الوسطاء.. لكن المقصود هو كل ما يحوله العملاء للخارج من نقود، لأن الهدف من إظهار تحويلات العاملين ليس ما تنقص به سيولة البنوك جراء عمليات التحويل، بقدر ما هو مبلغ العبء الذي تشكله تحويلات العمالة على الاقتصاد الوطني.

وبالمناسبة، فإن القاعدة المتعارف عليها في الإفصاح عن المعلومات المالية تقول إن الجوهر يغلب (أو أهم من) المظهر Substance Over Form. ولا ننسى أن المسافرين بطبيعتهم يكرهون الإفصاح عما يحملونه من نقود. وهذا الأمر نجده حتى ونحن نسافر للسياحة والزيارة والدراسة.

ولولا الخوف من المساءلة القانونية لما أفصح أحد عما يحمله من نقود، بل إننا ونحن نسافر للخارج نحاول بشتى الطرق أن نعرف الحد المسموح به حتى لا نتعداه، لكي لا نضطر للإفصاح عن المبالغ التي نحملها! ناهيك عن انخفاض مستوى الوعي عند من يحوّلون النقود عبر البنوك. وكيف أن بعضهم لا يهتم بخانة «غرض التحويل» الموضحة في نموذج الحوالة! والحقيقة أن ما يصدر عن البنوك المركزية من أرقام إحصائية عن التحويلات النقدية، على الرغم من أنها تستخلص من أرقام مدخلة عبر الحاسب الآلي، فإنها لا تكون دقيقة. بدليل أن أفضل البنوك المركزية في مستوى إعداد «ميزان المدفوعات» على مستوى العالم في نيوزلندا وهولندا.. ومع ذلك يذكرون عنها أنها غير دقيقة.

وعندما نتحدث عن الدول الخليجية، فإن طبيعة ونوعية وثقافة معظم من يقومون بالتحويل. وبحكم مجاورة الدول الخليجية لبعض الدول المصدرة للعمالة، فإن العامل ليس مضطرا لأن يحول أمواله عبر البنوك، ولا حتى عبر المصارف والوسطاء. بالنظر إلى صغر حجم هذه المبالغ وتوفر الفئات الكبيرة بالريال، مما يسهل حملها. فلو فرضنا أن الخادمة أو العامل أو السائق بنهاية خدمته سيشتري بعض المجوهرات والأدوات الكهربائية (إلى غير ذلك من الأموال العينية) والباقي سيحمله كنقد.. ليحمل مبلغا يتراوح بين سبعة إلى عشرين ألف ريال، فإن الأمر ميسر، لأن العامل يستطيع أن يحصل على النقد من كفيله بفئات الخمسمائة ريال ويضعها في جيبه أو في حقيبته اليدوية. وبالمناسبة فإن المتعارف عليه دوليا أن السلطات في المطار تسأل عن الأموال الداخلة وليس الخارجة. وهذه الأشياء من المؤكد تمثل نزيفا للاقتصاد الوطني، لأنها تعتبر ثروات مهاجرة لا يمكن (حتى) قياسها.

وفي الختام.. نحن ندرك أن تحويلات العمالة حق مكتسب لهم، لكننا نتحدث عن أهمية دقة هذه الأرقام. كما لا نتحدث عن صحة نقل أرقام الإحصاءات بقدر صحة الأسس التي يتم بناء عليها إعداد هذه الإحصائيات، بالنظر إلى الأهداف والأغراض التي تستخدم لها.

* كاتب ومحلل مالي