تقرير بنكي: السعودية رفعت استثماراتها الرأسمالية إلى 45% على مدى 10 أعوام

«السعودي ـ الفرنسي»: الإنفاق الرأسمالي للحكومة السعودية في الميزانية ينمو بشكل أقل من التوقعات

أكد تقرير البنك السعودي - الفرنسي أن الميزانية تعكس توجه حجم رأس المال والتمويل نحو تكوين أصول قادرة على تحقيق منافع اقتصادية مضاعفة وبعيدة المدى (رويترز)
TT

أكد تقرير بنكي سعودي صدر أمس أن مخصصات الاستثمار الرأسمالي الحكومي ما زالت تنمو بصورة بطيئة؛ حيث إنها على مدى 10 سنوات ارتفعت من 10% من المداخيل الحكومية إلى نحو 45% في الميزانية الجديدة. وقال البنك السعودي - الفرنسي: إن الحكومة السعودية تجتهد في تكوين رافد رأسمالي واستثمار الوفرة المالية في مشاريع تحقق عوائد مثل التوسع في استثمارات الطاقة أو التعدين أو بناء المشاريع الكبيرة كمشاريع السكك الحديدية.. إلا أنه يعتقد أن القيمة الحقيقية لهذه النسبة ظلت دون المستوى المستهدف خلال السنوات الأخيرة.

ويوضح أنه في السعودية، في عام 2009، بلغت نسبة إنفاق رأس المال 30.2% من الإنفاق الكلي، ومع أنها أعلى بكثير من الـ10% التي سجلت عام 2000، إلا أنها لا تزال دون المستوى المطلوب.

وقال الدكتور جون اسفيكياناكيس، مدير عام وكبير الخبراء الاقتصاديين في البنك السعودي - الفرنسي معد التقرير: إنه خلافا للإنفاق الجاري الذي يغطي تكاليف دورية تدفع مرة واحدة كل فترة محددة، كالرواتب الشهرية لموظفي القطاع العام التي تمثل نحو 240 مليار ريال (64 مليار دولار) من الميزانية الجديدة، فإن الاعتمادات المخصصة لدعم المشاريع الاستثمارية تعكس حجم رأس المال والتمويل الموجهين نحو تكوين أصول قادرة على تحقيق منافع اقتصادية مضاعفة وبعيدة المدى؛ حيث تعهدت الحكومة السعودية ببناء 610 مدارس وإنجاز 6600 كيلومتر من الطرق البرية قبل نهاية العام المقبل.

وأشار التقرير إلى أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أطلق خلال حضور قمة العشرين في مدينة تورنتو الكندية منتصف عام 2008، خطة طموحا لتحفيز الاقتصادي بضخ 1.5 تريليون ريال (400 مليار دولار) في مشاريع استثمارية؛ حيث إن السعودية، للسنة الثالثة على التوالي، أنجزت من هذه الخطة نحو 68%؛ حيث صرفت حتى العام الثالث 906 مليارات ريال (241.6 مليار دولار).

وقد خصصت في الميزانية الجديدة، التي صدرت مساء أول من أمس، اعتمادات مالية للمشاريع الاستثمارية قدرها 256 مليار ريال (68.2 مليار دولار) للمشاريع الاستثمارية الجديدة والساري مفعولها، وفي عام 2010 تضمنت الميزانية العامة للدولة مبلغ 260 مليار ريال (69.3 مليار دولار)، بينما كانت المخصصات في عام 2009 نحو 225 مليار ريال (60 مليار دولار)، وفي العام 2008 كانت المخصصات للمشاريع الاستثمارية نحو 165 مليار ريال (44 مليار دولار).

وفي مقابل الإنفاق الرأسمالي، فإن حجم الإنفاق الجاري كاد يتضاعف منذ عام 2000، كما مثل الجزء الأكبر من إجمالي تجاوزات الاعتمادات المعلنة؛ حيث اعتبر الدكتور جون أن تحقيق التوازن اللازم بين الإنفاق الجاري وإنفاق رأس المال يعتبر التحدي الرئيسي لصناع السياسة السعوديين في السنوات المقبلة.

وفي حين يشكل ارتفاع أسعار النفط لفترة طويلة الدافع الحقيقي للحكومة السعودية في إطلاق الكثير من المشاريع الضخمة لتوسيع قطاعات الطاقة والبنية التحتية والنقل، إلا أن معد التقرير يرى أنه آن الأوان للبدء بخفض معدلات نمو الإنفاق، خصوصا الإنفاق الجاري، الذي مثل نحو 70% من إجمالي الإنفاق العام في عام 2009، وغطى فئات عدة يصعب خفض تكاليفها مع مرور الوقت، مثل رواتب موظفي القطاع العام، الأمر الذي فرض أعباء هائلة على الميزانية العامة.. وتوقع أن يتجاوز مجموع رواتب موظفي القطاع العام وحده 240 مليار ريال سعودي، ووصفه بأنه عبء ثابت وثقيل على الميزانية.

ويرى كبير الاقتصاديين في البنك السعودي - الفرنسي أن الميزانية الجديدة تبرهن على أن الحكومة السعودية مصممة على مواصلة برنامج تحفيز الاقتصاد الوطني في العام المقبل، وذلك بغرض تعزيز النمو الاقتصادي وتشجيع مستثمري القطاع الخاص على توسيع أنشطتهم الاستثمارية؛ حيث أشار إلى أن القطاع الخاص السعودي يتمتع بما يكفي من الحجم والخبرة والعمق للمشاركة في التنمية الاقتصادية، خصوصا أنه بدأ يخرج بصورة تدريجية من مرحلة تلافي الاقتراض.

واعتبر أن خفض معدل نمو الميزانية يشير إلى أن الحكومة السعودية تهدف أيضا إلى الحد من تجاوز الاعتمادات المعلنة، الذي وصل إلى 25.5% من إجمالي الميزانية العامة في عام 2009 و16% في عام 2010.

وأكد التقرير أن السعودية أعطت رسالة واضحة للسوق المحلية مفادها أنها ستواصل دعم خططها التنموية الطموح بمبالغ مالية ضخمة، وفي هذا التوجه قرأ كبير خبراء البنك السعودي - الفرنسي أن تأكيد ميزانية عام 2010، مقاربة إنعاش الاقتصاد المحلي بقيادة الحكومة يعني أن الزخم سيتحول في العام المقبل باتجاه تحفيز القطاع الخاص واتخاذ الإجراءات الرسمية اللازمة لضمان عودة المشاركة الفاعلة للمستثمرين المحليين والأجانب، في عملية توسيع الاقتصاد السعودي.

واعتبر الدكتور جون أن الاستفادة من خبرة القطاع الخاص المحلي ودعمه المالي لمشاريع الطاقة والمرافق والبنية التحتية ستصبح النقطة المركزية لمقاربة الحكومة السعودية، الأمر الذي سيتجلى من خلال منح عقود جديدة إلى القطاع الخاص وبناء شراكات عامة وخاصة.

وفي حين يتوقع الدكتور جون اسفيكياناكيس أن الحكومة السعودية ستواصل سد أي فجوة استثمارية تنجم عن تقصير مستثمري القطاع الخاص، إلا أنها في الوقت ذاته تريد أن يتحمل القطاع الخاص مزيدا من المسؤوليات. وأضاف: إذا رفض القطاع الخاص زيادة مسؤولياته الاقتصادية، فإنه سيواجه مشكلات هيكلية تقلص دوره الاقتصادي، الأمر الذي سيؤدي حتما إلى تعزيز فرص تهميشه؛ حيث إن مخصصات قطاع التعليم ارتفعت 3 مرات من ناحية الحجم من عام 2000.

وأشار إلى أن ميزانية العام الجديد شملت زيادة الإنفاق العام بنسبة 7.4% إلى 580 مليار ريال سعودي، وخصصت هذه الميزانية لـ(التعليم وتطوير القوة العاملة)، تحديدا، اعتمادات كلية قدرها 150 مليار ريال (40 مليار دولار)، مقارنة مع 137.6 مليار ريال (36.6 مليار دولار) في عام 2010، ما يمثل 26% من إجمالي ميزانية العام المقبل.

وقال الدكتور جون اسفيكياناكيس، في ختام تقريره: إن الميزانية شملت زيادات كبيرة في اعتمادات جميع القطاعات الرئيسية السعودية، لكنها تحث مؤسسات القطاع العام على عدم تجاوز الاعتمادات المعلنة، في محاولة منها لخفض الإنفاق الجاري إلى مستويات معقولة. ونصح موجهي السياسة المالية والاقتصادية السعودية بضرورة الانتظار لرؤية مدى تجاوب القطاع الخاص مع هذا المسعى من خلال توسيع نشاطه الاستثماري، وما إذا كانت البنوك سترفع وتيرة نمو نشاطها الائتماني.

وفي السياق ذاته، توقع أن يرتفع معدل نمو الإقراض المصرفي للقطاع الخاص في العام المقبل إلى 9.3%، مع استبعاد أن يرتفع هذا المعدل مجددا إلى مستويات تفوق 10% قبل مرور سنة، على الأقل. وأضاف أن البنوك السعودية الخاصة تتمتع بسيولة ضخمة وبجميع مقومات توسيع نشاطها الائتماني، لكن نسبة القروض إلى الودائع في السعودية لا تزال الأدنى من نوعها في دول مجلس التعاون الخليجي.

وأشار إلى أن البنوك السعودية لم تتكبد خسائر تذكر من جرَّاء انخفاض أسعار العقارات بخلاف معظم بنوك دول المجلس الأخرى، لا سيما أسعار العقارات التجارية التي مرت بمرحلة تصحيحية.

وزاد: إن الإجراءات النقدية الحكيمة والصائبة لمؤسسة النقد العربي السعودي، التي لم تتطابق أحيانا مع الإجراءات النقدية التي اتخذتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، أسهمت في احتواء جميع الأخطار الكبيرة المحتملة على النظام المصرفي السعودي الذي عزز سيولته ومرونة رأسماله.

واستبعد أن تتخذ مؤسسة النقد العربي السعودي أي إجراءات لرفع أسعار الفائدة في العام المقبل؛ حيث توقع أن تواصل السياسة النقدية السعودية تشجيعها لنمو الإقراض المصرفي إلى القطاع الخاص، خصوصا أن الضغوط التضخمية الحالية لا ترتبط بأي عوامل نقدية.

ويشير الدكتور جون، في تقريره، إلى استفادة الوضع النقدي في الوقت الراهن في السعودية من السياسة النقدية المرنة التي تتبعها الولايات المتحدة؛ حيث استبعد أن يتخذ بنك الاحتياطي الفيدرالي أي تدابير صارمة في العام المقبل، خصوصا أن الحافز النقدي الوحيد في أميركا يتمثل حاليا بعمليات شراء الأصول التي يقوم بها بنك الاحتياطي الفيدرالي؛ حيث يعتبر هذا التوجه في السياسة المالية، الذي يدعمه استمرار معدلات البطالة المرتفعة ومعدلات التضخم المنخفضة، أحد أهم العوامل في إبقاء أسعار الفائدة في الولايات المتحدة قريبة من الصفر، وقد يستمر ذلك خلال الكثير من أشهر عام 2012.

وهنا يؤكد معد التقرير أن السياسة النقدية السعودية الحالية هي أكثر تناغما بكثير مع نظيرتها الأميركية، بالمقارنة مع حقبة ما قبل الأزمة المالية العالمية، مما يجعل التوقعات تتجه إلى استبعاد إمكانية حدوث أي تحول جوهري في السياسة النقدية السعودية، كما تدفع إلى إهمال التكهنات التي تتحدث عن إمكانية إلغاء ربط الريال السعودي بالدولار الأميركي.

وتابع كبير الاقتصاديين في البنك السعودي - الفرنسي قائلا: سواء أنجز بنك الاحتياطي الفيدرالي كامل برنامجه الثاني بضخ 600 مليار دولار لتعزيز المعروض النقدي، أم لا؛ (لأن الأسواق تعارض هذا البرنامج)، قد يترك هذا البرنامج بعض الأثر السلبي على قيمة الدولار الأميركي، لكن الاعتقاد السائد هو أن مشكلات الديون السيادية لمنطقة اليورو ستتفاقم في العام المقبل، الأمر الذي سيجعل عقاب الأسواق لليورو أقسى من عقابها للدولار.

ويختم الدكتور جون اسفيكياناكيس تقريره بأن تقارير بنك كريديت أغريكول للخدمات المصرفية والاستثمارية تؤكد انخفاض سعر صرف اليورو مقابل الدولار إلى دولار و30 سنتا، مع نهاية العام المقبل؛ حيث قال: إن من شأن هذا السيناريو أن يؤثر إيجابيا في قيمة الريال وأن يعزز الموقع العالمي للدولار.