أميركا: دعاوى ضد المصارف مع تزايد الاتهامات بعدم قانونية إجراءات مصادرة المنازل

طالت كبريات البنوك بالبلاد في الشهور الأخيرة

ميمي آش في الشاليه الخاص بها (نيويورك تايمز)
TT

عندما وصلت ميمي آش للشاليه الذي تملكه هنا لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في التزلج على الجليد، اكتشفت أن شخصا اقتحم المنزل وبدل الأقفال الخاصة به.

وعندما تمكنت أخيرا من الدخول إلى المنزل، وجدته خاليا. فجأة، اختفت جميع ممتلكاتها من أثاث وميداليات التزلج على الجليد التي نالها ابنها وملابس الشتاء وصور عائلية. أيضا من بين المفقودات صندوق خشبي حمل عبارة «معا للأبد»، يضم رفاة زوجها الراحل، روبرت.

وسرعان ما علمت آش أن الأمر لا يقف وراءه لص، وإنما المصرف الذي تتعامل معه. وطبقا لدعوى قضائية فيدرالية تقدمت بها في أكتوبر (تشرين الأول)، فإن «بانك أوف أميركا» صادر عن طريق الخطأ منزلها وألقى بحاجياتها من دون إخطارها مسبقا.

وفي فترة تلقت ملايين المنازل بمختلف أرجاء البلاد إخطارات بالمصادرة، تظهر باستمرار من حين لآخر دعاوى قضائية تحمل تفاصيل لإقدام مصارف على اقتحام منازل أفراد مثلما حدث مع آش. وفي أعقاب فضيحة التعامل المهمل، وغير القانوني أحيانا، مع الأوراق المرتبطة بمثل هذه الحالات التي عصفت بكبريات المصارف بالبلاد في الشهور الأخيرة، يرى نقاد أن هذه الحالات تعزز ادعاءاتهم بأن إجراءات المصادرة انطوت على قصور جوهري.

عن ذلك، قال إرا رينغولد، المدير التنفيذي لـ«الاتحاد الوطني لأنصار المستهلك»: «كل يوم تحدث أخطاء صغيرة بحق أشخاص يحاولون إنقاذ منازلهم، حيث يجري تحميل بعضهم أرقاما مالية خاطئة، أو يحرمون عن طريق الخطأ من تعديل قرض ما، أو يطلب منهم تسليم مستندات لأربع أو خمس مرات».

من الصعب تحديد أعداد أصحاب المنازل الذين طردوا من منازلهم بصورة غير قانونية، لكن المصارف وممثليها يصرون على أن الحالات التي تمثلها آش ليست سوى نسبة بالغة الضآلة من إجمالي حالات المصادرة.

ويبدو أن الكثير من الحالات التي طفت على السطح نتجت عن اختلاط في المعلومات بشأن ما إذا كان المنزل المقصود مهجورا، وفي هذه الحالة ربما يحق للمصرف اقتحامه عنوة وضمان العقار.

ويبدو أن بعض الحالات تضمنت أخطاء بحق ملاك منتظمين في سداد الرهون العقارية - أو سددوها تماما بالفعل - ومع ذلك ظلوا أهدافا لملاحقة المصارف.

في تكساس، مثلا، بدل «بانك أوف أميركا» أقفال منزل ثان يملكه آلان شريوت في غالفستون وقطع عنه الكهرباء العالم الماضي، طبقا لما ورد بمستندات المحكمة. كان شريوت، الذي سدد ثمن منزله، يخزن بجهاز التبريد 75 باوندا من أسماك السالمون والهلبوت، كان قد اصطادها خلال عطلة صيد قضاها مؤخرا في آلاسكا.

وذكرت أوراق الدعوى القضائية أنه «بسبب قطع تيار الطاقة، ذابت محتويات جهاز التبريد وتعفنت وتسربت منها مياه انتشرت بمختلف أرجاء المنزل وتسربت لداخل الأرضية إلى عوارض الدعم ومناطق أسفل المنزل». وقد تمت تسوية القضية مقابل مبلغ مالي لم يكشف عنه.

أما الحالات الأكثر شيوعا فهي تلك التي تشبه حالة آش، والتي يفاجأ خلالها مالك منزل متأخر في سداد الأقساط، وربما يحاول التوصل لتعديل للقرض، بتبديل أقفال المنزل من جانب المصرف. في فلوريدا، استخدم متعاقدون لدى «تشيس بانك» مفكا في دخول منزل ديربا فيشر في بونتا غوردا، واستخدموا حاسبا نقالا و«آي بود» وتناولوا 6 زجاجات من الخمر وجعة مثلجة وجدوها بالمنزل، حسبما ورد بدعوى قضائية عرضت على المحكمة في أغسطس (آب). كانت فيشر تواجه خطر المصادرة، لكن «تشيس بانك» لم يكن حينها قد حصل على حكم من المحكمة يجيز له ذلك، حسبما ذكر محاموها. وتم اكتشاف أمر الاقتحام عندما عاد زوجان كنديان كانا يستأجران المنزل من نزهة على الشاطئ.

وقال مسؤولو «تشيس بانك» إن مثل هذا السلوك من قبل متعاقدين معهم، حال ثبات وقوعه، يعد أمرا غير مقبول وسيتم اتخاذ إجراءات عقابية بهذا الشأن.

وأكدت مصارف ومتعاقدون معها أن عدد الأخطاء ضئيل للغاية بالنظر لمئات الآلاف من قضايا المصادرة الجديدة التي تثار شهريا. مثلا، أعلن «بانك أوف أميركا» أنه يعمل مع متعاقدين يشكلون أطرافا ثالثة لتفحص والتحفظ على أكثر من مليون عقار شهريا، وأنه حرص على تعزيز إجراءات السيطرة لديه العام الماضي لمنع وقوع أخطاء.

من جهته، اعترف آلان جافا، الرئيس التنفيذي لـ«سيفغارد بروبرتيز»، التي تتولى التفتيش والتحفظ على العقارات الخاضعة للمصادرة لحساب جهات تقدم خدمات الرهن العقاري، بأنه وقعت بالفعل بضعة أخطاء. وأشار إلى أنه في أغلب الحالات، قدمت الشركة خدمة قيمة حمت العقارات والأحياء.

وقال: «هناك اعتقاد شائع يوصمنا يدور حول فكرة أننا نقتحم الأبواب ونلقي بالعجائز خارج المنزل ونغطي النوافذ بألواح خشبية. في الواقع، إننا نفعل كثيرا من الأمور الطيبة هناك». إلا أن آلان إم. وايت، الخبير بالقوانين المعنية بالمستهلكين لدى جامعة فالباريزو في إنديانا، قال: «حجم القضايا ليس مبررا للتعدي على حقوق الآخرين». يذكر أن غالبية عقود الرهن العقاري تضم بندا يسمح للمصارف التي توفر القرض بدخول منزل ما وتأمينه لحسابها حال العجز عن سداد القرض، بمعنى التأخر عن سداد دفعة الرهن العقاري لفترة تتراوح بين 45 و60 يوما، وإذا كان المنزل مهجورا، حسبما أفادت السلطات.

وتقدم المصارف على ذلك لحماية العقار من السطو أو التعرض لأضرار قد يتحمل المصرف مسؤوليتها.

إلا أن تحديد متى يكون منزل ما مهجورا ليس دوما بالأمر اليسير، وغالبا ما تترك هذه المهمة لمتعاقدين يفتقرون إلى الخبرة، حسبما أوضح كارلين فيليبس، محامي من ماساتشوستس يمثل آش، 45 عاما.

وقال فيليبس: «أحيانا يبذل قليل من المجهود بهذا الشأن لا يتجاوز التطلع عبر النوافذ، أو طرق باب جار وسؤاله: أين جيرانك؟».

في واشنطن، ذهبت سيليست بتلر للاطمئنان على منزل والدها بعدما قضى شهورا بالمستشفى قبل أن يتوفى.

وقالت بتلر: «تعرض المنزل للنهب»، مضيفة أنه كان في أحسن حال قبل ذلك. وقالت: «لقد دمروا الأثاث، واقتحموا الخزانة المخصصة للأواني الصيني. وسرقوا الحلي».

في دعواها القضائية، تتهم بتلر «سيفغارد»، وهي شركة متعاقدة مع «جي بي مورغان تشيس»، باقتحام منزل والدها. وأكدت أن المصرف فشل في التأكد من توثيق الأقساط المسددة بصورة مناسبة عندما تحولت إلى نظام آلي في يونيو (حزيران) 2009. وأضافت أنها والمصرف عملا معا في هدوء لتسوية المشكلة.

وذكر مسؤولون في «تشيس» أن المتعاقدين معهم، والذين أرسلوا لتفحص المنزل عندما تأخر سداد الأقساط، وجدوا المنزل في حالة فوضى عارمة. وذكر المصرف أنه عندما لم يرد أحد على خطاب بعث به المصرف للسؤال حول ما إذا كان العقار مهجورا، عاد عاملوه للمنزل لوضع مضادات للتجمد داخل المواسير. أما المصادرة التي تعرض لها منزل آش المطل بمنطقة تروكي على بحيرة تاهو فجاءت في أعقاب سنوات مريعة عانت خلالها مصاعب شخصية ومهنية جمة. خلال فترة الازدهار العقاري في كاليفورنيا، جنت آش وزوجها، روبرت، مالا وفيرا. واشترى زوجها منزل تروكي عام 2003. بعد عامين، تعرض للقتل طعنا خلال مشاجرة بالقرب من المنطقة. (وأدين القاتل بجريمته ولا يزال مسجونا).

منذ ذلك الحين، ارتبطت مشكلات آش مع منزل تروكي بأوضاعها المالية المتردية، واتهمت المصرف الذي تتعامل معه بزيادة مشكلاتها بسبب إهمال موظفيه. في البداية، تعاملت آش مع مصرف «كنتري وايد فايننشيال»، الذي اشتراه لاحقا «بانك أوف أميركا» عام 2008. وكانت تنوي تحمل مسؤولية الرهن العقاري الخاص بالمنزل بعد وفاة زوجها. وطالبها المصرف بالمضي في سداد أقساط الرهن والضرائب المرتبطة به. وبالفعل، أرسلت للمصرف شيكا بقيمة 15 ألف دولار.

وقالت آش إنه مرت بعد ذلك شهور كثيرة لم تتلق خلالها أي اتصالات من المصرف، ونظرا لأنه لم تكن لديها ملكية المنزل، توقفت عن دفع أي أقساط. بحلول الوقت الذي اتصل مصرف «كنتري وايد فايننشيال» خلاله بآش، كانت سوق العقارات تنهار، ما دفعها للسعي لتعديل القرض.

وأعقب ذلك شهور وسنوات من الإحباط. وفقد المصرف وثائق، ونادرا ما كان يرد مسؤولوه على رسائل آش الإلكترونية ورسائلها الصوتية عبر الهاتف.

عندما أصدر المصرف إنذارا بالتوقف عن السداد عام 2007، توجه الإنذار لعنوان خاطئ، حسبما تشير أوراق دعوى آش. لاحقا، طمأنها المصرف أنه لن تتم مصادرة المنزل أثناء سعيها لتعديل القرض.

ورغم ذلك، أجرى المصرف بالفعل مزادا لبيع المنزل باعتباره تمت مصادرته في مايو (أيار) 2008. ومجددا، قالت آش إنها لم تخطر بذلك وعلمت بأمر البيع بالصدفة خلال زيارتها المنزل في الصيف. وأضافت أن مسؤولي المصرف أخبروها أن البيع سيلغى.

بالقرب من عيد «هالوين» عام 2008، اقتحم فريق عمل تابع للمصرف المنزل واستولى على بسط فارسية وأوان من الصيني وقطع أثاث اشترتها خلال رحلة لبيرو وزلاجات وصور زفافها وطفولتها في إيران. كما تم الاستيلاء على رفات زوجها من غرفة النوم الرئيسية بالمنزل.

من ناحيتها، أعلنت جومانة بوينز، المتحدثة الرسمية باسم المصرف أنه «نتعامل مع مزاعم آش بجدية شديدة ونتقصى بشكل دقيق بشأن ادعاءاتها. وسيتعاون (بانك أوف أميركا) معها ومع محاميها لتحديد نطاق وسبب ادعاءاتها والتحرك نحو تسوية مناسبة لهذه القضية».

رغم أن قرار المصادرة الأصلي للمنزل ألغي، حسبما وعد المصرف، قالت آش، التي اكتشفت أمر اقتحام المنزل في يناير (كانون الثاني) 2009، إنه أصبح من الصعب عليها زيارة المنزل الآن ومن المحتمل أن تترك أمره حتى تتم مصادرته. وأكدت أنه أصبح بالنسبة لها «كيانا حزينا يذكرها بأن 22 عاما من تاريخها تلاشت».

وقالت آش أثناء تجولها بالمنزل الخالي المؤلف من 4 طوابق ويطل على منظر رائع للجبال: «هذا في جوهره عملية سطو. لكن عندما يقتحم لص منزلك لا يحمل معه الصور ورفات الموتى».

وأضافت: «اعتدت الفرار إلى هذا المنزل كملاذ لي. الآن، أفر بعيدا عنه».

* خدمة «نيويورك تايمز»