مطاعم السوشي اليابانية تتخلى عن الطهاة وتستخدم الروبوت

حققت أرباحا رغم فشل أكثر من 600 مطعم

TT

لم تحصل سلسلة مطاعم «كورا» لـ«السوشي الدوار» على أي من نجمات ميشلان، لكنها نجحت في ما أخفق فيه الكثير من أشهر المطاعم في اليابان، وهو تحقيق أرباح في ظل ظروف اقتصادية عصيبة.

الكفاءة من المبادئ المهمة التي تقوم عليها سلسلة مطاعم «كورا» التي يغيب عنها طهاة «السوشي» التقليديون واهتمامهم الكبير بالتفاصيل، حيث يحل محلهم أكثر من إنسان آلي يطهو «السوشي» تأكيدا على الكفاءة.

كذلك يغيب النادلون، الذين حلت محلهم السيور الناقلة التي تحمل أطباق «السوشي» إلى رواد المطاعم، ومديرون يراقبون 262 مطعما عن بعد من خلال ثلاثة مراكز تحكم في أنحاء اليابان.

وقال مدير لفرع سلسلة المطاعم يقع بعد 10 أميال مؤخرا، في توجيه عن طريق الهاتف «نرى مسافة فارقة تزيد على المتر بين أطباق السوشي، رجاء إصلاح ذلك». وتغيب أيضا الأسعار الباهظة التي تعتمدها مطاعم «السوشي» التقليدية، حيث يبلغ سعر طبق «السوشي» في مطاعم «كورا» نحو 100 ين، أي ما يعادل نحو 1.22 دولار، الأمر الذي يساعد سلسلة المطاعم هذه على البقاء رغم تقشف رواد المطاعم في اليابان، الذين كانوا يوما مسرفين، نتيجة عقدين من النمو الاقتصادي الضئيل وثبات الأجور.

ولم تستطع الكثير من المطاعم والقطاعات العاملة في مجال الطعام في اليابان الحفاظ على أداء جيد. فبعد تحقيق قطاع المطاعم 29.7 تريليون ين عام 1997، دفع الاقتصاد الضعيف قطاعات الأعمال نحو حرب أسعار أو ما هو أسوأ وهو خسارة رأس المال. وطبقا لمعهد بحوث الصناعات الغذائية، أحد المراكز البحثية في طوكيو، انخفضت عائدات المطاعم بما فيها مطاعم الوجبات السريعة عام 2009 إلى 23.9 تريليون ين، بنسبة 2.3 في المائة، أي أقل من أعلى عائد بنسبة 20 في المائة.

كذلك ارتفع عدد الإفلاسات، ففي عام 2009 انهار 674 كيانا عاملا في مجال تقديم الطعام، ويعد هذا أكبر رقم خلال الأعوام الخمسة الماضية طبقا لـ«تيكوكو داتا بنك»، إحدى شركات المعلومات الائتمانية.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2009، تم رفع قضايا إفلاس على «سوهوز هوسيبتابيلتي»، الشركة التي تمتلك سلسلة مطاعم المشاهير مثل «نوبو» و«رويز». وتدير مطعم «رويز» حاليا شركة أخرى، بينما افتتح نوبو، الطاهي صاحب مطعم «نوبو»، مطعما جديدا مع روبرت دي نيرو في مكان آخر في طوكيو. وقاومت سلسلة مطاعم «كورا»، إضافة إلى سلاسل مطاعم أخرى ذات أسعار منخفضة، التراجع الذي شهده تناول الطعام خارج المنزل من خلال الأسعار المنخفضة والسعي الحثيث وراء تحقيق الكفاءة. وارتفع صافي الربح الذي حققته الشركة خلال العام المالي الذي انتهى في 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إلى 2.8 مليار ين، بنسبة 20 في المائة، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي. كذلك تم افتتاح سبعة أفرع أخرى من سلسلة مطاعم «كورا» خلال الشهرين الماضيين فقط.

وصرح كناهيكو تناكا، الرئيس التنفيذي لـ«كورا»، الذي افتتح أول مطعم «سوشي» من سلسلة مطاعم «كورا» عام 1995، للمساهمين في بداية العام الحالي، قائلا «إذا نظرت إلى قطاع المطاعم سترى تراجع المستهلكين نتيجة مخاوف فقدان الوظائف وانخفاض الدخل. لا توجد أي مؤشرات على تغير هذا الوضع. في ظل هذه الأوضاع التي تزداد سوءا تشعر شركتنا بأن مشاعر المستهلك تتوافق أو حتى تتماشى مع مطاعم (كورا)».

قد تكون مصاعب مجال المطاعم في اليابان والتغيرات في عادات اليابانيين الخاصة بتناول الطعام خارج المنزل من أكثر المظاهر التي توضح كيف تسببت مضاعفات «الفقاعة الاقتصادية» في الثمانينات في التوجه نحو التوفير منذ انفجار الفقاعة عام 1990.

ومع تدني الأجور، انخفض متوسط الراتب السنوي في القطاع الخاص خلال العقد الماضي إلى 4.05 مليون ين أو ما يعادل 49.300 دولار عام 2009 بنسبة 12 في المائة. وينفق اليابانيون حاليا بنسبة أقل على تناول الطعام خارج المنزل. وطبقا لأكثر من مسح تفصيلي عن الميزانية أجرته وزارة الشؤون الداخلية، بلغ متوسط إنفاق الأسرة التي يعولها شخص أعزب على تناول الطعام خارج المنزل 163.000 ين عام 2009، وهو أقل من إنفاقها عام 2000 بنسبة 27 في المائة.

وبحسب مسح شمل 400 شخص تتراوح أعمارهم من العشرينات إلى الخمسينات أجرته شركة «سيتيزين هولدينغز» العاملة في مجال صناعة الساعات، انخفض متوسط الوقت الذي يتم قضاؤه في المقاهي والمطاعم من 7 ساعات و52 دقيقة أسبوعيا عام 1990 إلى ساعتين و25 دقيقة عام 2010.

كذلك يتسبب عدد السكان من كبار السن في تراجع مبيعات المطاعم، حيث يتعدى أكثر من خمس السكان اليابانيين الـ65. وتشير الدراسات إلى أن كبار السن أقل ميلا لتناول الطعام خارج المنزل. كذلك هناك انخفاض في عدد السكان مما يقلل قاعدة رواد المطاعم المحتملين.

كذلك تخفض الشركات اليابانية نفقاتها الترفيهية بشكل كبير، مما يزيد من الضرر الذي تتعرض له مبيعات المطاعم. وطبقا لبيانات هيئة الضرائب اليابانية، انخفض إجمالي إنفاق الشركات على تناول الطعام في المطاعم والترفيه من 9.5 تريليون ين عام 1991 إلى 4.8 تريليون ين عام 2008 أي بمقدار النصف.

ويقول مانينوري هوتا، خبير الصناعات الغذائية بجامعة مياغي في اليابان «يرتبط مجال المطاعم هنا بالحالة الاقتصادية، لهذا نشهد تراجعا. في ظل هذا المناخ تضطر أكبر المطاعم إلى خفض أسعارها حتى تحافظ على جذب العملاء».

ويعود ازدهار قطاع المطاعم في اليابان إلى فترة السبعينات والثمانينات التي شهدت ارتفاع الدخول واتجاه سكان الريف إلى المدن الكبرى. وازدهر ما يسمى بمطاعم العائلات التي كانت تقدم طعاما غربيا رخيص الثمن للجماهير خلال تلك الفترة. وكذلك شهدت سلاسل مطاعم الوجبات السريعة الأميركية، التي كانت جديدة على المجتمع آنذاك، ازدهارا، فقد افتتحت سلسلة مطاعم «كنتاكي فرايد تشيكين» أول مطعم لها في اليابان عام 1970 ثم تلتها سلسلة مطاعم «ماكدونالدز» عام 1971.

على الجانب الآخر، تذوق جيل جديد من الأثرياء اليابانيين النبيذ المستورد من فرنسا في المطاعم الراقية. وطبقا لسجلات وزارة الشؤون الداخلية، وصل عدد المطاعم في اليابان عام 1986 إلى 503.088، مما يمثل تقريبا ضعف العدد الذي كان موجودا منذ 15 عاما. ويمثل هذا عددا أكبر من المطاعم التي توجد حاليا في الولايات المتحدة التي يمثل عدد سكانها ضعف عدد سكان اليابان.

بعد انفجار الفقاعة الاقتصادية عام 1990، بدأ انتشار سلاسل المطاعم الجديدة التي تقدم البيتزا بأسعار منخفضة تصل إلى 400 ين، بما يعادل 4.86 دولار. وبدأت المطاعم تتحدث بقلق عن الوجبات الجاهزة التي كانت تمتص المبيعات.

وتعود جذور الأزمة الاقتصادية إلى عام 1995. وأسس تناكا شركة تقوم بتقديم «السوشي» الجيد بثمن رخيص. ولم تكن فكرة استخدام سيور نقالة لتقديم خط ثابت من «السوشي» في أطباق صغيرة إلى رواد المطعم جديدة آنذاك، فقد ابتكر رائد في أوساكا هذا النظام في أواخر الخمسينات. لكن بدأ تناكا يقدم «السوشي» بأسعار أقل من منافسيه فضلا عن الاتجاه إلى نظام أوتوماتكي كفء والاستثمار في تكنولوجيا المعلومات والإبداع والالتزام التام بالكفاءة بأقل الأسعار. وترتفع أجور العمال في اليابان مما يعني إدارة المطعم بأقل عدد من العمال.

* خدمة «نيويورك تايمز»