هيئة متخصصة في إدارة الأزمات

TT

لدينا ظاهرة في الدول النامية، وهي أننا نستبعد حدوث الأزمات والكوارث الطبيعية، ونتغافل عما يحدث لغيرنا وما سبق وحدث لنا في الماضي (ولعلها مشكلة ثقافة). لذلك تجدنا لا نتعامل مع الأزمات بمنهج وقائي (Proactive)، وفي معظم معالجاتنا للأمور نكون أقرب لنهج ردود الأفعال (Reactive)، لا لعمل خطط للمعالجات البديلة (Contingence Plans) للحالات الطارئة، مع أننا ندرك ضخامة عبء هذا المنهج على الخزينة العامة للدولة، وكيف أنه يستنفر له كل الإمكانات وتتحرك له أعلى القيادات! فعندما حل وباء الوادي المتصدع بجنوب السعودية (وتحديدا في جازان)، رأينا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز (يحفظه الله) يغير برنامج زيارته ويعود مباشرة من مطار شارل ديغول في باريس إلى مطار جازان ليشرف بنفسه على مواجهة هذا الوباء. ويوم أن طافت بالناس كوابيس لأنواع مختلفة من الإنفلونزا (بقر وطيور وخنازير) دفعت الخزانة العامة ما دفعت بلا حساب. ونفس الأمر حدث العام الماضي، عندما حصلت كارثة «سيول جدة» وبعدها سيول الرياض، وهذه الأيام تتكرر الأزمة في منطقة مكة، وكل ذلك يُعد نزيفا لمقدرات ومكتسبات الوطن.

وعليه.. فما دمنا لا نستبعد أن يتكرر حدوث الأزمات والكوارث الطبيعية، وأن الدولة معنية بمواجهتها والتضحية معها بمبالغ طائلة في سبيل الوطن والمواطن، وأن هذه النفقات لن تخضع لفحص وتدقيق محاسبي كالمعتاد، لأنها نفقات تخضع لاعتبارات التضحيات، فإنها في الحقيقة تبقى نفقات مالية قد لا تسلم من ممارسات ضعاف النفوس والأنانيين وأهل الفساد الإداري لاستغلالها لمصالحهم الشخصية.

والذي أدعو له هو أن تنشأ هيئة خاصة تسمى «هيئة إدارة الأزمات»، شأننا شأن بقية دول العالم المتقدم، تعمل على إنجاز كل ما يمكن للتقليل من الآثار السلبية للكوارث والأزمات الطبيعية والمفاجئة بأنواعها، وتتولى مهمة التنسيق بين الأجهزة المعنية بمواجهة الكوارث والرفع من مستوى أداء أعمال الإنقاذ والحالات الطارئة لترشيد ما يصرف عليها من نفقات وتخفيض ما يبذل من مجهودات وتذليل ما قد يظهر من معوقات والرفع من مستوى أداء وفعالية الجهات المعنية بهذه المهام، على أن تدرس التوقعات ودورية تكراراها وعوامل ونسب احتمالات وقوعها وكيفية مواجهاتها وتكاليف ومتطلبات معالجتها والوقاية منها. ولتقم ببناء قاعدة بيانات تختزل كافة البيانات المتعلقة بالإمكانيات المادية والبشرية والفنية المتوافرة لدى كل جهة رسمية وكل شركة أو مؤسسة خاصة ذات علاقة، مما يمكن له المساهمة في مواجهة الأزمات والكوارث والحالات الطارئة.. على أن يصدر لهذه الهيئة نظام أساسي يراعي ما هو عليه مثيلاتها بمعظم دول العالم المتقدمة.. وتصاغ لها آلية ومسودة نظام داخلي يأخذ بأحسن ما عليه هذه الهيئات وتكيفها بما يناسب وضعنا وخصوصيتنا.

وفي الختام.. أرجو أن تبادر الأمانة بمجلس الشورى السعودي إلى تبني هذا المقترح.. ولعله في ما بعد يكون نواة لمشروع خليجي، لأنه وبلا شك سيكون له مردود إيجابي على الوطن والمواطن.. لأن التجارب السابقة تؤكد أن لمثل هذه الهيئة دورا فاعلا وحيويا يذكر ويشكر على الصعيد المحلي والإقليمي، وليكون مضرب مثل على الصعيد العالمي.

* كاتب ومحلل مالي