لماذا هيئة متخصصة في إدارة الأزمات؟

سعود الأحمد

TT

عندما اقترحت في مقال الأسبوع الماضي إنشاء هيئة متخصصة في إدارة الأزمات، يبدو أن البعض اعتقد أن دورها سيكون لمواجهة الأزمات لكي لا تحدث! لكن المقصود بهذه الهيئة هو ترشيد ما ينفق من أموال طائلة على حساب الخزانة العامة للدولة، لمواجهة آثار هذه الأزمات. وليس هذا فحسب، بل إن للأزمات والكوارث آثارا سلبية تستنزف كل المكتسبات والموارد الاقتصادية.

وكما هو معروف.. فإن الموارد الاقتصادية مهما بلغت تظل محدودة. والأصل في تعريف الاقتصاد هو ترشيد النفقات للحصول على أفضل السلع والخدمات. بمعنى أنه يمكن بالمال تعويض جزء من الخسائر وتضميد بعض الجراح. لكن وجود هيئة متخصصة في هذا المجال (لا شك) سيخفف من هذا النزيف على الخزانة العامة (والمال هو عصب الحياة). وسيعين الحكومة على التخفيف من الآثار السلبية لهذه الأزمات على الوطن والمواطن. وهذه بالمناسبة ليست فكرة جديدة.. بل إن وجود مثل هذه الهيئة المتخصصة، معمول به في معظم دول العالم المتقدمة. والمرجو من إنشاء هذه الهيئة في الوقت الحاضر.. أنها ستستفيد مما سبق ومر بنا من كوارث وأزمات ما زالت معلوماتها حاضرة، وما مر ويمر ببقية دول العالم منها.. وكيف تتعامل هذه الدول مع هذه الأزمات؟ من حيث ما ينفق عليها والآليات التي تتخذ لمواجهتها؟ ويمكن (أيضا) تقييم مستوى أدائنا، مقارنة بما يقوم به الآخرون حتى نتلافى أخطاءنا في المستقبل.. (والسعيد من اتعظ بغيره). فنحن نعلم أن الحكومة السعودية أنفقت بسخاء للتخفيف من أعباء المواطن جراء ما حل بالبلاد من أزمات خلال العقدين الماضيين. ومنها أزمة الوادي المتصدع وزلزال العيص وإنفلونزا البقر والطيور والخنازير (وما أنفقته وزارة الصحة عليها) وسيول جدة (وما أنفقه الدفاع المدني عليها) وغيرها.. كل هذه الأزمات تنفقها الحكومات دون فحص وتدقيق لبنود مصروفاتها (كالمعتاد). لأن الأولوية عادة في مثل هذه الحالات تكون لرفع المعاناة عن المواطن. بل إن الحكومات في معظم الحالات لا تعلن (حتى) عن إجمالي وتفاصيل مصروفاتها على الكوارث الطبيعية والأزمات! ولذلك فإن الهدف من إنشاء هيئة متخصصة في إدارة الأزمات هو ترشيد النفقات وتوحيد الجهود، ولكي لا تنفرد جهة (مثل الدفاع المدني أو وزارة الصحة أو المالية أو غيرها) بمسؤولية صرف هذه الأموال الضخمة. لا سيما أن هناك جهات أخرى معنية بالمشاركة في هذه المهمة. وما دمنا لا نستبعد تكرار الأحداث والأزمات والكوارث الطبيعية. وأن الذي يغلب على هذه النفقات أنها لا تخضع لفحص وتدقيق محاسبي كالمعتاد، لأنها تدخل في اعتبارات التضحيات. وأنها قد لا تسلم من ممارسات ضعاف النفوس والأنانيين والانتهازيين لاستغلالها لمصالحهم الشخصية. فإن الحاجة تدعو لوجود هيئة متخصصة ومستقلة تعنى بهذه المهمة. وليكون من مهامها الأساسية: العمل على تنسيق الجهود المبذولة من قبل الأجهزة المعنية بمواجهة الأزمات (بالقطاع العام والخاص).. وترشيد ما ينفق عليها والرفع من مستوى الأجهزة التنفيذية المعنية بالصرف على هذه الحالات الطارئة.. وإيجاد معايير لقياس ما يبذل من مجهودات والعمل على رفع مستواها للوصول لما هي عليه بالدول المتقدمة.. وتذليل الصعوبات والمعوقات التي تعترض جهود الإنقاذ ومهام معالجة الأزمات.. وإنشاء قاعدة معلومات ترصد الأحداث والتوقعات ودورية تكرارها وعوامل ونسب احتمالات وقوعها وكيفية مواجهاتها ونفقاتها المتوقعة وبقية متطلبات معالجتها والوقاية منها.

* كاتب ومحلل مالي