وكالات التصنيف تدق جرس الإنذار: أميركا ربما تخسر تصنيفها الائتماني الممتاز

صقور الكونغرس سارعوا لمطالبة أوباما بخفض عجز الميزانية

إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما أمام معضلة العجز الضخم في الميزانية («نيويورك تايمز»)
TT

حذرت وكالتان كبريان بمجال تصنيف الجدارة الائتمانية، الخميس، من أن الولايات المتحدة ربما تخسر تصنيفها الممتاز (إيه إيه إيه) حال استمرار تفاقم ديونها الوطنية. ولم تكن هذه المرة الأولى التي تحذر فيها الوكالتان، «ستاندرد آند بورز» و«موديز إنفسترز سيرفيس»، من إمكانية تراجع تصنيف الجدارة الائتمانية للولايات المتحدة.

ومع ذلك، سارع الصقور المهتمون بقضية العجز إلى استغلال البيانين اللذين فصل بين صدورهما بضع ساعات، كدليل جديد على ضرورة تقليص الحكومة إنفاقاتها وديونها لتجنيب البلاد كارثة، وهو ذات الأمر الذي يصر عليه الكثيرون من أنصار حركة «حفل الشاي». في المقابل، أعرب الكثير من الخبراء الاقتصاديين عن اعتقادهم بأن تراجع تصنيف الجدارة الائتمانية، حال وقوعه، ربما يأخذ سنوات، بل وربما يأخذ عقودا.

من ناحية أخرى، اهتزت سوق السندات تحت وطأة أنباء الخميس. وأبدى الكثيرون، بما في ذلك بعض الخبراء الراغبين في الحد من العجز بالميزانية، اعتقادهم بأن الوقت الراهن غير مناسب لإقرار خفض شديد في الإنفاق الفيدرالي بالنظر لحالة الوهن التي يعانيها الاقتصاد، وارتفاع معدلات البطالة. إلا أن آخرين ينظرون إلى الديون الوطنية المتفاقمة باعتبارها خطرا محتملا. وما بدا أمرا يستحيل التفكير فيه، وهو ألا تحصل الحكومة الأميركية في يوم من الأيام على أعلى تصنيف للجدارة الائتمانية، أصبح الآن ليس أمرا يمكن التفكير بشأنه فحسب، وإنما أصبح أمرا محتملا على نحو متزايد.

في هذا الصدد، قال بيتر جي بيترسون، أحد مؤسسي «بلاكستون غروب» وواحد من الناقدين البارزين للعجز بالموازنة: «يساورني القلق حيال تعذر استمرار وضعنا الراهن».

خلال تقريرها ربع السنوي حول المخاطر الائتمانية للبلاد، أشارت وكالة «موديز إنفسترز سيرفيس» إلى أن هناك احتمالية متزايدة لأن تقدم على تعديل تصنيفها للولايات المتحدة، الذي يشير إلى الاستقرار، إلى آخر سلبي في غضون العامين المقبلين، حال عدم اتخاذ إجراءات بخصوص الحد من العجز.

ومن الواضح أن هذه الخطوة لا تكافئ تقليص درجة التصنيف، لكن حتى إجراء مراجعة صغيرة، حال حدوثه، من المحتمل أن يحدث هزة في الأسواق المالية، وربما يعوق قدرة أميركا على اقتراض الأموال التي تحتاجها لتمويل عجزها. ويذكر أن الوكالة تضع تصنيفات للجدارة الائتمانية للحكومة الأميركية منذ عام 1917، وكان تصنيفها دوما «إيه إيه إيه».

في مرة واحدة فقط، عام 1996، طرحت الوكالة بعضا من الديون الأميركية للمراجعة، في خطوة محتملة لتخفيض درجة التصنيف - وهي خطوة أقوى بكثير عن طرح تقييم سلبي. وجاء ذلك في أعقاب رفض الجمهوريين التصويت لصالح زيادة سقف الدين. والملاحظ أن هذا الجدال يتكرر حاليا داخل واشنطن، حيث تحذر إدارة أوباما من أن الحكومة ربما تصل للسقف القانوني للاقتراض في غضون شهور قلائل.

وتحث الإدارة الكونغرس على رفع سقف الدين لتجنب إعلان العجز عن الوفاء بالديون. وجاء بيان «موديز إنفسترز سيرفيس»، الخميس، تكرارا لتحذير أصدرته للمرة الأولى في ديسمبر (كانون الأول)، بعد إبرام إدارة أوباما اتفاقا بقيمة 858 مليار دولار مع أعضاء الكونغرس من الجمهوريين بتمديد التخفيضات الضريبية التي أقرت في عهد إدارة بوش الابن. وكان من المحتمل أن تعمل هذه التسوية كعامل حافز للنمو الاقتصادي - وبالفعل رفعت «موديز إنفسترز سيرفيس» من توقعاتها للنمو هذا العام - إلا أنه أضر بالأوضاع المالية للبلاد، حسبما أعلنت الوكالة.

كما أشارت الوكالة كذلك إلى الفشل في إقرار الإجراءات الطموحة التي اقترحتها العام الماضي اللجنة التي شكلها الرئيس أوباما، والمؤلفة من ممثلين عن الحزبين الديمقراطي والجمهوري العام الماضي بشأن تخفيض الديون، بغية تخفيض العجز المحتمل خلال العقد المقبل بما يصل إلى 4 تريليونات دولار.

وذكر ستيف هيس، أحد المشاركين في وضع تقرير الوكالة، أن «الولايات المتحدة تتحرك بالاتجاه المعاكس تماما لتقليص العجز بالموازنة. في الواقع، هم يتحركون نحو ضخ مزيد من التحفيز في الاقتصاد».

وعلى صعيد منفصل، قال محللون من «ستاندرد آند بورز»، خلال حديثهم في مؤتمر حضره حشد من المراسلين الاقتصاديين بباريس، إن الظروف المالية لأميركا تردت في الشهور الأخيرة. وقالت كارول سيرو، رئيسة المكتب الفرنسي التابع للوكالة: «لا يمكننا استبعاد إمكانية أن يأتي يوم نضطر فيه لتغيير نظرتنا الاستشرافية للاقتصاد الأميركي»، حسبما أوردت «داو جونز نيوز وايرز».

من جهته، أكد متحدث رسمي، باسم «ستاندرد آند بورز» في نيويورك البيان، لكن أبدى تراجعا طفيفا، مشيرا إلى أن وجهة نظر سيرو لا تحمل جديدا. وقال جون بي تشامبرز، رئيس لجنة التصنيفات السيادية بالوكالة، إن سيرو كانت تشير لتعليقات صدرت عن مسؤول آخر بالوكالة، العام الماضي، حذر خلالها من أنه ليس هناك ما يضمن استمرار حصول دولة ما على تصنيف «إيه إيه إيه» للأبد. وقال المتحدث الرسمي، ديفيد وراغين، إنه كان «من قبيل المصادفة البحتة» صدور بيان عن «ستاندرد آند بورز» بخصوص الولايات المتحدة في نفس يوم صدور تقرير «موديز إنفسترز سيرفيس».

في واحدة من تقاريرها الأخيرة، شددت «ستاندرد آند بورز» على «المخاطر الاقتصادية والمالية والحمائية المتنامية» داخل الولايات المتحدة، لكنها استطردت بأنها باقية على تصنيفها للبلاد في فئة «إيه إيه إيه» الممتازة. كما أثار تقرير «موديز إنفسترز سيرفيس» المخاوف حيال دول أخرى، مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا.

وعلى الرغم من أن هذه الدول حرصت على اتخاذ خطوات بدرجات متنوعة لتحسين مواقفها المالية، فإن الولايات المتحدة أخفقت في ذلك. في تقريرها، أعلنت «موديز إنفسترز سيرفيس» أنه «لذلك نبقي على نظرتنا الاستشرافية المستقرة حيال تصنيفات هذه الدول، على الرغم من استمرار وجود شكوك حول مدى استعداد الولايات المتحدة لاتخاذ الخطوات اللازمة»، وأضافت: «لا يزال مسار معدلات العجز والديون على المدى المتوسط يكشف وضعا آخذا في التردي».

وبالنسبة لبعض الخبراء الاقتصاديين، بمقدور الفشل حاليا في كبح جماح العجز بالموازنة خلق مشكلات، لكن ليس فورا، وإنما سيحدث في غضون فترة تتراوح بين 10 و20 عاما.

وقال بيترسون إن الإنفاق الحكومي الكبير مبرر على المدى القصير لتحفيز الاقتصاد. لكن بمجرد استعادة النمو سابق عهده، يجب تقليص الإنفاق بصورة بالغة، حسبما أكد، وإلا ستتفجر الديون الوطنية خلال العقود المقبلة مع تقدم السكان في العمر، على نحو يخفض أعداد دافعي الضرائب ويزيد التكاليف العامة على خدمات مثل الرعاية الصحية. إلا أنه بالنسبة لنقاد آخرين، تبدو الأخطار وشيكة على نحو أكبر.

في هذا الصدد، قال ديفيد إم والكر، المدير السابق لمكتب المساءلة الحكومية ومؤسس والرئيس التنفيذي لـ«مبادرة كمباك أميركا»، وهي منظمة مخصصة لتحسين الأوضاع المالية للبلاد: «هناك مخاطرة كبيرة لإمكانية أن نفقد ثقة المستثمرين الأجانب لدينا في غضون العامين المقبلين». وانتقد وكالات تصنيف الجدارة الائتمانية لتقليلها أهمية هذا الخطر. وأضاف: «إذا لم نتخذ بعض الخيارات الصعبة عاجلا وليس آجلا، فإن الأمر لن يعدو كونه مسألة وقت قبل أن ترتفع معدلات الفائدة بدرجة بالغة ويتردى الدولار بشدة».

* خدمة «نيويورك تايمز»