البيروقراطية تقتل القرارات!

TT

الدول الخليجية تملك الأموال التي هي المعوّل الأهم للتنمية، وتملك رؤية تعرف منها المجالات التي يمكن أن تتطور فيها، لكن أكثر ما يعوق نمو وتطور الدول الخليجية أن تنفيذ معظم القرارات الحيوية مرتبط بالأجهزة الحكومية. حتى أن القرار يصدر من أعلى مستوى بالهرم الإداري، وهو قرار يفترض أنه مرفوع بمشروع دراسة وتوصية من الجهة المعنية.. لكن العجيب أنه عندما تأتي الموافقة من الجهة صاحبة الصلاحية، يتأخر التنفيذ من الجهة المعنية بالتطبيق! أما عن رد فعل المجتمع.. فعندما يصدر قرار لمصلحة المواطن، فإن الناس يستبشرون بالخبر ويقبلون بما يتسر منه.. ولا أحد يسأل عن توقيت هذا القرار.. وهل كان بالإمكان أن يصدر قبل سنة أو سنتين أو عشرين سنة سابقة.. وما هي تكلفة الانتظار على المواطن وعلى الاقتصاد الوطني.. ولا أحد يفكر في المطالبة بمحاسبة المتسبب في هذا الضرر.. وكأنهم في كل مناسبة يقولون: «حنا عيال اليوم»! أذكر من ذلك قرارا صدر في السعودية من مجلس الوزراء بإلغاء شرط تملك الأرض عند التقدم لطلب قرض من صندوق التنمية العقاري، بحيث سيتم التقديم بالدخول على موقع الصندوق الإلكتروني وتعبئة البيانات والحصول على رقم الطلب. لكن الصندوق أعلن أن تنفيذ هذا القرار سيكون مطلع العام الميلادي المقبل، بعد صدور الميزانية العامة للدولة.. وصدرت الميزانية وما زال المواطن ينتظر.. والله أعلم إلى متى؟!.. لأنني ما زلت أقرأ في الصحف السعودية إعلانات الوسطاء للتقديم على الصندوق العقاري، وآخرها يوم الجمعة الماضية! وسؤالي: ما هي العلاقة بين صدور الميزانية وتخفيض شرط روتيني للتقديم على قرض الصندوق العقاري؟ وهو شرط لم يكن له (في الأصل) أي ضرورة! ويضر بالمواطن وقتا وجهدا ومالا. وهذه تكاليف كان يدفعها المواطنون سابقا، وتتمثل في شراء أرض ثم التقديم على مكتب هندسي لتصميم مخطط ثم التقديم على البلدية للحصول على رخصة بناء ثم تقديم كفيل غارم للقرض ثم التقدم لأخذ رقم بما يفيد الدخول في «السرا» أو الدور.. ثم تطور الحال ليطلب من المتقدم صك أرض يثبت أنه يملكها وخطاب من البلدية يبين مساحة البناء.. وكل هذه مجرد إجراءات (صورية) الصندوق يطلبها وهو متأكد أنها غير ضرورية! وسؤالي: كم هي تكاليف تلك الأعداد من المخططات ورخص البناء التي أصدرت وتحملها المواطن وتحملت جراءها الجهات الحكومية (جهدا ووقتا ومالا!)؟.. ومن هو المسؤول عن تأخر تفعيل مثل هذه القرارات في الوقت المناسب، تسهيلا وتخفيفا على المواطن؟! فقد تكون عندما فرضت (في ذلك الوقت) مجدية لأن القرض العقاري يصدر بمجرد التقديم أو بعد وقت قريب. أما اليوم فالمواطن ينتظر أكثر من عشرة أعوام ومع الوقت تتغير الرغبات والظروف والحاجات. فلماذا تأخر الصندوق العقاري ووزارة المالية في المطالبة بهذا القرار؟ (والمؤسف المحزن إن لم يكونوا قد طالبوا أبدا بهذا التسهيل!). وأين هي وزارة المالية التي تترأس مجلس إدارة الصندوق العقاري؟! ومن جانب آخر.. لو نظرنا إلى الآثار السلبية على الاقتصاد وما تسببه مثل هذه الاشتراطات من رفع أسعار الأراضي البعيدة وغير المناسبة للسكن، دون مبرر إلا لكونها تستخدم للتقديم على قرض الصندوق العقاري! وبالمقابل: كم هي الأضرار التي أصابت ملاك هذه الأراضي (اليوم) بعد أن صدر هذا القرار المفاجئ حتى على الصندوق العقاري.. بما سيؤدي (بلا شك) إلى هبوط أسعار الأراضي البعيدة. وما هي الجهة المعنية بحصر مثل هذه الأضرار، وهل هناك فكرة لتعويض هؤلاء المتضررين.. لا أعتقد ذلك! مجرد قرارات تصدر ولا أحد يتابع آثارها. وعودا على بدء.. لا أجد سببا مقنعا لتأخير تنفيذ القرار وربطه بالميزانية العامة للدولة، إلا أنها «البيروقراطية»!. لأن الذي أفهمه أنه لا توجد علاقة بين إلغاء إجراء غير ضروري وبين موازنة الدولة.

* كاتب ومحلل مالي