هل يمكن لشركة «أبل» الاستمرار في ابتكاراتها من دون «المايسترو جوبز»؟

عرف بأنه «فنان ذو حدس فريد» قبل أن يكون مبتكرا وخبيرا

TT

قبل طرح جهاز «آي باد» اللوحي داخل الأسواق خلال العام الماضي، أخذ ستيفن جوبز يتباهى بآخر ابتكارات شركة «أبل» أمام مجموعة صغيرة من الصحافيين. وعندما سأل أحدهم عن أبحاث السوق والمستهلك التي أجريت وتقف وراء تطوير المنتج الجديد، رد جوبز: «لا شيء، وليس مطلوبا من المستهلكين معرفة ما يريدون».

وعلى مدار أعوام وفي مختلف مراحل حياته المهنية، ألزم المؤسس المشارك داخل «أبل» نفسه بمعرفة ما يريده المستهلكون. وعلى الرغم من أن جوبز لم يكن على صواب دوما، فإن سلسلة نجاحاته داخل شركة «أبل» تبزغ واضحة للعيان. وتتضمن الأشياء الهامة التي تمكن من خلالها إرضاء المستخدمين لأجهزة «ماكنتوش» و«آي ماك» و«آي بوك» و«آي بود» و«آي فون» و«آي باد». ولكن بعد الإعلان عن إجازته المرضية يوم الاثنين، ثمة سؤال يطرح نفسه: من دون وجود جوبز على رأس الشركة، هل ستستطيع «أبل» الاستمرار في ابتكاراتها، ولا سيما داخل قطاع قد يصبح نجم اليوم شخصا متقاعسا غدا بسبب وتيرة المنتجات المتسارعة؟

ربما لا يوجد خطر على المدى القريب، فبفضل مبيعاتها وأرباحها المرتفعة أصبحت الشركة صاحبة أعلى قيمة تقنية عالميا، وتجاوزت شركة «مايكروسوفت» خلال العام الماضي. وأوردت شركة «أبل» يوم الثلاثاء أن أرباحها ومبيعاتها ارتفعا بنسبة تتجاوز 70 في المائة خلال الربع الرابع، لتتخطى التوقعات المرتفعة بالفعل.

ويتحسن أداء «أبل» بصورة مطردة، وتوجد موديلات منتجات جديدة في طريقها إلى السوق. ويقول محللون إنه يحتمل ظهور مخاوف إذا لم يعد جوبز إلى العمل لدوام كامل داخل الشركة، وذلك على ضوء دوره الفريد في تحديد ملامح منتجات «أبل». ويقول مايكل كوسومابو، الأستاذ بمدرسة سلون للإدارة التابعة لمعهد ماساتشوستس للتقنية: «لدى ستيف جوبز هذه المقدرة الاستثنائية على استشراف المستقبل ومعرفة ما يريده الناس. إنه يقوم بذلك باستمرار، ولا يوجد من يشبهه في هذا». ويعتمد جوبز، وفقا لكافة التقارير، على حدسه وذوقه في قراراته بدءا من تعيين الموظفين وصولا إلى تصميم المنتجات. ويقول مايكل هاولي، وهو عالم كومبيوتر داخل معهد ماساتشوستس للتقنية عمل مع جوبز في شركة «نكست» التي كانت شركة قيادية في مجال الكومبيوتر ولكنها لم تحقق نجاحا تجاريا: «يعد ستيف من أكثر من عرفتهم اعتمادا على حدسهم» وكان ذلك خلال الفترة التي تلت عام 1985 عندما ترك جوبز شركة «أبل» قبل أن يعود إليها في عام 1997.

ويقول زملاء جوبز إنه صاحب القول الفصل في القرارات الخاصة بالمنتجات وإنه عنيد للغاية. ويجري إنتاج النماذج الأولية والنسخة الأولى من المنتجات ويعاد تنقيحها بصورة مستمرة. ولا يتم عرضها على المؤسسات المهتمة بالمنتجات الجديدة داخل القطاع أو آخرين من خارج الشركة، بل تعرض على جوبز ومجموعة قليلة من أفراد فريقه.

وجرى الانتهاء من ثلاثة نماذج أولية لجهاز «آي فون» خلال عام. ويقول مدير سابق بشركة «أبل» إن أول نموذجين رفضا، بينما جاء النموذج الثالث ليلبي المعايير المطلوبة. وتم شحن المنتج في يونيو (حزيران) 2007. ويعتمد جهاز «آي باد» اللوحي، بعد إصرار من جانب جوبز، على العمل باللمس فقط، على الرغم من أن محللين داخل القطاع قالوا إن مستخدمين من رجال الأعمال، على وجه التحديد، يريدون قلما معه لاستخدامه في إعطاء الأوامر.

ومن خلال جهاز «آي باد» اللوحي، دشنت شركة «أبل» فئة منتجات جديدة. ومن خلال جهاز «آي بود» (مشغل الأغاني والموسيقى) وجهاز «آي فون» (تليفون ذكي)، دخلت شركة «أبل» إلى الأسواق من خلال عدة ملايين من مستخدمي منتجات منافسة، ولكنه أعطى للمستهلكين تجربة معدلة بدرجة كبيرة.

ويقول جون كاو، وهو مستشار ابتكار لدى شركات وحكومات: «ستيف جوبز مبرمج بصورة أساسية على إنتاج ما يتوافق مع رغبات المستهلكين. وهذه ليست ابتكارات تقف وراءها أبحاث السوق من خلال معرفة آراء الناس».

ويقول ريجيس ماكينا، المستثمر بوادي السليكون ومستشار التسويق، إن الموظفين داخل متاجر «أبل» يقدمون للشركة نافذة قوية تطلعهم على عادات واحتياجات المستخدمين، وإن لم يعد هذا بحثا تسويقيا تقليديا. وأضاف ماكينا، وهو مستشار سابق لشركة «أبل»: «يقوم ستيف بزيارة متجر (أبل) داخل بالو ألتو كثيرا». ويشير إلى أن القرارات الخاصة بالتصميم التي يتخذها جوبز يقف وراءها فهمه لرغبات المستخدمين واتجاهات التقنية والثقافة الرائجة، مؤكدا أنه في نهاية الأمر تأتي منتجات شركة (أبل) لتعكس شخصية جوبز. ستيف شخصية لطيفة، وهو يقوم بتصميم منتجات لطيفة». ويشير محللون إلى أنه لا يمكن بسهولة العثور على من له مثل هذه الميزات. ويضيف ديفيد يوفي، الأستاذ بكلية التجارة داخل هارفارد: «يوجد الكثير من الأفكار المبتكرة داخل أي شركة، ولكن في النهاية يجب الوقوف على خيارات معينة. ويتخذ ستيف جوبز خيارات رائعة، وبعد ذلك يقوم بتنقيحها. إنه فن وليس علما». ويتحدث جوبز عن نفسه كقيادي أكثر منه مديرا. ويقول إن ثمة جزءا هاما في أفكاره القيادية وهي اختيار مساعدين يشاركونه في إصراره ومشاعره تجاه السوق. وقد منحه الأفراد الذين استعملهم الكثير من العون منذ عودته إلى «أبل» في 1997. وخلال إجازته المرضية، سيتولى قيادة شركة «أبل» تيموثي كوك، مسؤول التشغيل الأول، الذي جاء به جوبز من «كومباك» عام 1998. وشغل كوك مكان جوبز خلال إجازة أخرى سابقة. وأخذ جوزس، الذي يعاني من سرطان البنكرياس وأجرى زراعة كبد قبل عام ونصف العام، إجازتين من قبل. ويقول باول سافو، وهو مدير إداري داخل شركة «ديسكرن أناليتكس» البحثية: «يتمثل إبداعه الذي سيستمر لوقت أطول في الشركة.

* خدمة «نيويورك تايمز»