لبنان: مئات المؤسسات التجارية مهددة بالإقفال.. ومشاريع كبيرة قيد التجميد

خسارة مليار دولار في الناتج تحجب 30 ألف فرصة عمل > شقير لـ «الشرق الأوسط»: مناعة القطاع الخاص قابلة للاستنزاف

جانب من مدينة بيروت (رويترز)
TT

كان مقدرا أن تكون جلسة الحوار مع رئيس اتحاد الغرف اللبنانية مخصصة لإجراء قراءة مبكرة لإمكانية انخراط الاقتصاد اللبناني في مسار نمو مستدام. بعدما حقق، في أربع سنوات متتالية، متوسط نمو يفوق 8 في المائة، بينما لم تكن الأوضاع الداخلية في أحسن حالاتها، وفي حين كانت معدلات النمو في الاقتصادات الدولية والإقليمية تتدنى إلى ما يقارب السلبية، تحت وطأة الأزمة المالية العالمية وتداعياتها.

لكن التطورات المفاجئة على الساحة الداخلية، ثم استقالة الحكومة وتعثر مساعي الحلول والتسويات فرضت ذاتها ومعطياتها كمحور أساسي، نظرا لما لهذه التطورات من تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على الجبهة الاقتصادية، وقياسا بما تعكسه من إشارات غير مؤاتية في أوساط المستثمرين الخارجيين، أفرادا ومؤسسات، بعدما بدأت بيروت في استعادة جاذبيتها الاستثمارية معززة بنشاط سياحي قياسي بلغ نحو 2.2 مليون سائح في العام الماضي وبقطاع مصرفي قوي يدير أصولا تزيد على 150 مليار دولار داخل لبنان وخارجه.

وبتدفق رساميل وأموال خارجية غطت كامل عجز الميزان التجاري وحققت فائضا قياسيا بلغ نحو 8 مليارات دولار في عام 2009 ونحو نصف هذا المبلغ في العام الماضي.

العنوان الأبرز بالنسبة لشقير، أنه لا اقتصاد بلا دولة ولا مخرج إلا بتسوية يشارك فيها جميع الأطراف. السيناريوهات الماثلة، سواء في طول أمد الأزمة الداخلية أو حصول الفتنة والصدامات ستعني حتما الانهيار، بطيئا كان أم سريعا. «القطاع الخاص كسب مناعة تراكمية في إدارة التعامل مع تطورات سلبية وغير مؤاتية، لكن الصحيح أيضا أن قدرات الصمود والاستمرار مرشحة للنضوب، وهذا ما رفعنا الصوت لإشهاره في كل المناسبات وفي اجتماعاتنا مع كبار المسؤولين».

«نحن نعرف أن البلد متخم بالمشكلات السياسية»، يضيف شقير الذي يرأس غرفة التجارة والصناعة في بيروت، «وما نطلبه عزل الاقتصاد عن السياسة. فالضرر عندما يحصل يصيب الجميع ويجلب مشكلات اجتماعية ومعيشية تطال كل المواطنين، بغض النظر عن هوياتهم وأهوائهم. إننا نقول للجميع نحن مقاومة اقتصادية تصنع النمو وتنتج آلاف فرص العمل، ولا نتقن إقفال الطرقات أو اللجوء للإضرابات لإسماع صوتنا، ونحن شريحة كبيرة تمثل كل قطاعات المجتمع وتعود بالخير على كل الشرائح، ومن واجبكم إخراجنا من دائرة التشرذم والخلافات».

ويتابع: «لا نهول على أحد، لكن الواقع أن المئات من المؤسسات التجارية بدأت تعاني عدم التوازن وهي تتجه للإقفال، خصوصا منها التي تتكبد أكلاف تأجير وتشغيل مرتفعة، بينما تصمد نسبيا المؤسسات ذات الإيجارات القديمة المتدنية. ويمكن الاستدلال على جانب من الصعوبات، من خلال مؤشر الشيكات المرتجعة التي تزيد بوتيرة متسارعة ومقلقة، ففي العام الماضي وحده، زاد عدد الشيكات غير المحصلة بنسبة تزيد على 30 في المائة، وهي كانت في الأصل عالية. كما نقدر أن الحركة التجارية سجلت انكماشا صريحا في الربع الأخير من العام الماضي، وفي شهر ديسمبر (كانون الأول) وحده تراجعت الحركة بنسبة تزيد على 25 في المائة، وهذا الشهر يعول عليه التجار كأنشط موسم للبيع».

لا بد من وضع النقاط على الحروف والإقرار بأن قطاعي المصارف والعقارات وحدهما حفزا النمو القوي في السنوات الأربع الأخيرة، وتحقق متوسط نمو يقارب 8 في المائة سنويا. وفي عام 2010 بدا لنا، يقول شقير، «إن التنشيط بدأ يعم سائر القطاعات، حيث بوشر، في النصف الأول، بتنفيذ مشاريع سياحية وعقارية ضخمة لمواكبة تنامي نهوض السياحة بنسب تزيد على 20 في المائة سنويا وتنامي الطلب القوي على العقارات المبنية، خصوصا من قبل لبنانيين مغتربين وعاملين في الخارج، ومن قبل مستثمرين خارجيين، فضلا عن توافر تسهيلات مصرفية، منها المدعوم من قبل البنك المركزي مما ضاعف الطلب على شراء العقارات السكنية والتجارية. كما تحسنت حركة الخدمات والاستهلاك، فتحقق نهوض أوسع، لتصل نسبة النمو إلى نحو 10 في المائة، قبل أن تعود للانحدار في الفصل الثاني وتتقلص الحصيلة إلى ما بين 7 و8 في المائة».

ووفق تقدير رئيس اتحاد الغرف، «فإن كل مليار دولار يزيد على الناتج المحلي ينتج بين 25 و30 ألف فرصة عمل جديدة، والدخول في حالة الجمود أو ترقب الأسوأ سيؤدي فورا إلى تجميد كل المشاريع الجديدة كرد فعل أولي، وربما يقود إلى إلغاء المشروع بكامله لاحقا. فالثقة عنصر أساسي للأعمال، ونحن نفوت فرصا ذهبية لوضع الاقتصاد في مسار نمو مستدام ينتج تحسينات مطردة في المستويات الاجتماعية والمعيشية. ولا نبالغ إذا قلنا إن تأثير تفاقم الأوضاع الداخلية لن يقتصر على تجميد المشاريع الجديدة، بل إن مئات المؤسسات التجارية الإضافية ستكون أمام خيارات صعبة تؤول إلى الإقفال».

ويوضح: «ما يهمنا، بشكل أساسي هو الاستقرار وانتظام عمل المؤسسات، كما يهمنا أيضا أن تكون الرؤية واحدة والجهود موحدة في الموضوع الاقتصادي، وليختلفوا كما يشاءون في المواضيع السياسية. فلا يعقل أن بلدا يعتمد نظام الحرية الاقتصادية والانفتاح بينما يعمل وزير الاتصالات مثلا على تأميم القطاع، وهو أحد أهم المفاصل للتطوير والتحديث في البنية الاقتصادية وقطاعاتها المختلفة، وليس منطقيا أن ينسجم التحرر مع تحديد هوامش أرباح على البضائع بما تحمل من إساءة إلى سمعة التجار. هذه توجهات تتناقض مع الفكر الاقتصادي الحر وسنكون في مواجهتها».

وحول تأثير التمادي في تأخير إبرام الاتفاقات التجارية الخارجية وآخرها الاتفاق المتعلق بالمنطقة التجارية الحرة الرباعية التي تضم، إضافة إلى لبنان، سورية والأردن وتركيا. ويشير شقير إلى أهمية الانفتاح على الاقتصاد التركي عبر المنطقة الرباعية، التي تضم أكثر من 100 مليون مستهلك. «لكن كيف لنا أن نستثمر الانفتاح على هذا البلد الكبير، وليس لنا سفير أو حتى قنصل فيه، لدينا قائم بالأعمال. هناك 25 بلدا من البلدان المهمة للبنان واقتصاده فيها شغور لمركز السفير اللبناني والعدد مرشح للارتفاع إلى 35 بلدا خلال 3 أشهر بسبب إحالة سفراء إلى التقاعد».

في المقابل، يتابع شقير، «سعينا كقطاع خاص إلى مواكبة الاتفاقية سريعا، وأطلقنا بدعم من الرئيس سعد الحريري المجلس الرباعي للقطاع الخاص، ونسعى لتكون بيروت مقرا لأمانته العامة. بينما الاتفاقية الرسمية تنتظر الإقرار من قبل مجلس النواب ضمن مهلة تصل إلى أقل من 5 أشهر. وثمة تطور مثير يدفع هذه الاتفاقية إلى آفاق أوسع بعدما أعرب كل من العراق وإيران رغبة في الانضمام إليها، لتصبح سداسية، ويتضاعف عدد المستهلكين في أسواقها من 100 إلى 200 مليون مستهلك».

وهل ستتوسع مبادرات القطاع الخاص إلى دول وأسواق جديدة؟ يجيب: «لدينا مشروع طموح لفتح فروع ومكاتب تمثيل لاتحاد الغرف في بعض العواصم الاقتصادية المركزية في العالم ذات الصلة المباشرة بالاقتصاد اللبناني، وقد حددنا في المرحلة الأولى أميركا، البرازيل، الصين، إيطاليا، المكسيك واليابان. وهذا المشروع يتم إعداده بالتعاون مع اتحاد الغرف التركية ضمن الاتفاقات الجديدة، فميزانياتنا لا تغطي الأكلاف المتوجبة، والاتحاد التركي سيمنحنا المكتب الخاص ضمن مكاتبه التابعة في هذه البلدان. وسيقوم ممثلنا، كقطاع خاص، بحملات منظمة لتسويق لبنان واقتصاده وقطاعاته الإنتاجية. هذا جهد سنعوض فيه جزئيا الغياب الرسمي عن أداء هذا الدور، وللعلم فإنه ليس لدينا أي ملحق تجاري في أي سفارة لبنانية في الخارج. وهل من المنطقي ألا يكون لنا تمثيل تجاري في البرازيل مثلا، وهي خامس أكبر قوة اقتصادية في العالم ويوجد فيها نحو 12 مليون نسمة من أصل لبناني؟».

«لقد خصصنا لمشروعنا نحو 400 ألف دولار على أمل أن تخصص الحكومة مبلغا مماثلا». وفي سياق متصل، يتابع شقير، «اتحاد الغرف بصدد استكمال التحضيرات لإقامة معرض كبير في بيروت خلال شهر مايو (أيار) المقبل تحت شعار (صنع في لبنان)، كما نحضر لإقامة معرض كبير أيضا في باريس خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل تحت عنوان (أسبوع لبنان في فرنسا)».

وعلى خط مواز، يضيف، «لدينا شبكة علاقات واتفاقات مهمة وقوية مع مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي، من أولى الواجبات لرعايتها ورفدها بالمزيد من المشاريع المشتركة. بينما السعودية توازي، بالنسبة لي، كل الأسواق العربية مجتمعة. فخيرات المملكة تشمل لبنان بكامله وهي الحاضن الدائم لبلدنا في كل أحواله المتقلبة، وينشط في سوقها تاريخيا المئات من رجال الأعمال والشركات اللبنانية، ويعمل فيها عشرات آلاف اللبنانيين. لذا فهي في صدارة الاهتمام وتحوز الأسبقية باستمرار، ونحن بصدد التحضير لمؤتمر اقتصادي مشترك بالتعاون بين اتحادي الغرف وتتولى تنظيمه مجموعة (الاقتصاد والأعمال) في بيروت أواخر الشهر المقبل، ويؤمل من خلاله تعميق البحث في المعوقات التي تعيق تطور العلاقات الممتازة بين البلدين، كما سيتم تجديد مجلس رجال الأعمال المشترك وتعزيز دوره في تنمية التبادل التجاري والمشاريع الاستثمارية البينية والمشتركة. خصوصا في ظل القوانين الجديدة المشجعة للاستثمار التي أطلقتها المملكة بقيادة الملك عبد الله، بالترافق مع إقرار أكبر موازنة سنوية سعودية تصل إلى 570 مليار ريال لعام 2011 الحالي، مما يمثل المزيد من الفرص أمام رجال الأعمال اللبنانيين وشركاتهم الناشطة في المملكة».