خبراء: إعلان فنزويلا عن أكبر مخزون نفطي هدفه الاستفادة من توزيع الحصص

قالت إنها تمتلك احتياطيا 297 مليار برميل من النفط

السعودية صاحبة أكبر إحتياطي نفطي في العالم والدولة التي يعتمد عليها في تلبية الطاقة (إ.ب.أ)
TT

في الوقت الذي أعلنت فيه في فنزويلا أنها أصبحت أكبر الدول النفطية من حيث الاحتياطيات العالمية من النفط، وذلك باحتياطي قالت إنه بلغ 297 مليار برميل، عد خبراء نفطيون ذلك الإعلان بأنه لا يتجاوز كونه مجرد مراوغة تسعى من خلالها فنزويلا للاستفادة من توزيع الحصص في «الأوبك».

حسب إعلان وزير النفط الفنزويلي، فإن السعودية قد أزيحت عن صدارة الاحتياطيات العالمية للنفط، وهي التي تمتلك ربع الاحتياطي العالمي من النفط، لتحل مكانها فنزويلا. ووضع إعلان رافاييل راميريز بلاده في المرتبة الأولى بـ297 مليار برميل، في الوقت الذي تشير فيه الأنباء التي تداولت خلال اليومين الماضيين إلى أن السعودية تراجعت إلى المرتبة الثانية بـ265 مليار برميل.

وبحسب الخبراء النفطيين، فإن هذا الإعلان ورقي فقط لعدد من الأسباب، من أهمها القدرات النفطية لفنزويلا الحالية التي لا تتجاوز مليوني برميل يوميا، والأمر الآخر أن النفوط الفنزويلية تقع ضمن ما يمسى بالنفوط الرملية التي تعتبر عالية التكلفة من الناحية الإنتاجية، والتي يقل الإنتاج فيها عن مستوى 30 في المائة من الاحتياطيات المؤكدة.

وقال كامل الحرمي، خبير النفط الكويتي، لـ«الشرق الأوسط»، إن النفوط الصخرية التي تعتبر النفوط السعودية والخليجية من أكبر مصادرها عالميا كانت تنتج 35 برميلا لكل 100 برميل مؤكد، مضيفا أن السعودية وبتطويرها تقنيات استخراج النفط رفعت هذه النسبة إلى 50 برميلا لكل 100 برميل، أي 50 في المائة من إنتاج كل احتياطي مؤكد، بينما النسبة متدنية جدا في النفوط الرملية نظرا لأن تقنيات استخراج هذه النفوط غير متطورة مقارنة مع تقنيات النفوط الصخرية.

وبحسب وكالات الأنباء العالمية قال الوزير راميريز أمام الصحافيين: «في نهاية عام 2010 كان لدينا احتياطي قدره 217 مليار برميل نفط، والآن بات بمقدورنا مع بداية هذا العام تأكيد 297 مليار برميل».

وحتى الآن تمتلك السعودية، التي تعد أول منتج ومصدر للخام في العالم، أكبر احتياطي مؤكد في العالم مع 266 مليار برميل بحسب منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك).

ويقع معظم الاحتياطي المؤكد في السنوات الأخيرة لدى فنزويلا، أحد أعضاء منظمة «أوبك» في حوض اورينوك (جنوب شرقي)، وهي منطقة غنية بالنفط الثقيل حيث تكثف الحكومة الفنزويلية من الاستثمارات في تلك المنطقة.

من جانبه، لفت الدكتور راشد أبانمي، الخبير النفطي السعودي، إلى أن الإعلان يفتقد كثيرا من المصداقية، والسبب في رأي أبانمي أن للإعلان أبعادا أخرى غير البعد التقني الذي يلعبه النفط والاكتشافات النفطية في الاقتصاد العالمي ودور الدول المنتجة للنفط في دعم الاستقرار الاقتصادي والنمو لدول العالم.

وبين أبانمي أن الإعلان قد يكون الهدف منه التأثير على الحصص داخل منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، حيث تثار بين فترة وأخرى قضية الحصص وتوزيعها بين دول المنظمة، بناء على الاحتياطيات التي تمتلكها كل دولة. وبعض الأطروحات في هذا الجانب بحسب أبانمي ترى أن توزيع الحصص يكون على أساس عدد السكان، بحيث تحصل الدول الأكثر سكانا في المنظمة على الحصص الأوفر، وأشار أبانمي إلى النقاشات التي تجري حول لماذا تستحوذ السعودية وحدها على 8 ملايين برميل من مجموع إنتاج «أوبك» الذي يتراوح بين 28 و30 مليون برميل، أي ما يعادل ربع إنتاج المنظمة إن لم يكن أكثر.

في حين استبعد المهندس كامل الحرمي أن يكون لإعلان فنزويلا تأثير على حصص الإنتاج، حيث قال إن الحصص لا تبنى على الاحتياطيات فقط، وإنما على القدرات الإنتاجية، فعندما تأخذ دولة حصة معينة تكون هذه الحصة مبنية على قدراتها الفنية الإنتاجية ومدى استجابتها لإمدادات السوق النفطية خلال السنوات الماضية، موضحا أن فنزويلا ليست لديها قدرات إنتاجية فائضة بشكل كبير كما تمتلك السعودية، حيث تساوي قدراتها الإنتاجية الفائضة 50 في المائة من حجم حصتها السوقية.

وبالعودة إلى الخبير أبانمي، فإن الحصص تخضع ليس فقط إلى حجم الاحتياطيات، وإنما أيضا إلى القدرة على الإنتاج. يشار إلى أن حصة فنزويلا في منظمة «الأوبك» 1.9 مليون برميل بحسب بيانات وكالة الطاقة الأميركية.

ورأى أبانمي أن لهذا الإعلان أهدافا سياسية وتكتيكية، معتبرا ذلك هجوما استباقيا لدور العراق في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، لأن دخول العراق الذي لا يشمله نظام الحصص في الفترة الحالية، وعودته لنظام الحصص في منظمة «أوبك» سيؤثر على معظم حصص دول المنظمة، لأنها لن تدخل كما كانت في السابق بحصة قليلة، بل بحجم احتياطياتها النفطية وبحجم قدراتها الإنتاجية. واعتبر أبانمي أن تصريح الحكومة الفنزويلية مزاعم قد تستغل في حال الحديث عن إعادة توزيع الحصص داخل المنظمة.

وبحسب بيانات وكالة الطاقة الأميركية، فإن فنزويلا تمتلك احتياطيات مؤكدة تقدر بـ99.3 مليار برميل، وحصتها الإنتاجية تقدر بـ1.9 مليون برميل يوميا، في حين أعلن المسؤول الفنزويلي عن قفزة هائلة في الاحتياطيات بنهاية 2010 إلى نحو 217 مليار برميل، تعززت هذه الاحتياطيات باكتشافات رفعتها إلى نحو 297 قبل نهاية الشهر الأول من العام الجديد، أي إضافة نحو 80 مليار برميل للاحتياطيات، وهو ما يعادل احتياطياتها حتى نهاية 2007.

وقال إن الإعلان الفنزويلي لم يكن مفاجئا للعالم لأن العاملين في الحقل النفطي يعرفون قدرات البلدان المنتجة وحجم احتياطياتها، ولكنه قد يكون استغلالا سياسيا لأمور فنية وتقنية، النفط فيها يكون وسيلة سياسية.

وأكد أبانمي أن المصداقية في الاكتشافات النفطية وحجم الاحتياطيات، لا تأتي من إعلان الوزراء، أو من الاستغلال السياسي ولعب دور على أساس الأمور الفنية والتقنية، ولكن تأتي من الاكتشافات التي يؤكدها الخبراء وتتجه لها الاستثمارات وتتحول إلى قدرات إنتاجية تضخ في الأسواق.

وبين الخبير النفطي السعودي أن هناك 3 درجات من الاحتياطيات، هي «المؤكد، والممكن، والمحتمل»، والعالم ينظر إلى الاحتياطيات المؤكدة، التي تثبت فنيا على أرض الواقع.

ويرى خبراء الطاقة النفطية أن النفط بلغ ذروته عام 2005، حيث كان قبل ذلك يقابل كل برميل يتم استهلاكه استكشاف برميلين، بينما في عام 2005 كان كل برميل مستهلك يقابله برميل واحد مكتشف ليتراجع بعد ذلك إلى نصف برميل مكتشف لكل برميل مستهلك، إلا أن الإعلان الفنزويلي الأخير قد يغير النظرة لدور النفط في المستقبل المتوسط.

وبالعودة إلى كامل الحرمي، الخبير النفطي الكويتي، فإن الأرقام الفنزويلية المعلنة، هي أرقام خاصة، تأخذ ضمن حساباتها النفوط الرملية التي تعتبر أسوأ أنواع النفوط من ناحية الإنتاج نظرا لتكلفتها العالية، وتابع الحرمي أن النفوط الرملية التي تضيفها فنزويلا لاحتياطياتها ليست بسهولة النفوط الصخرية التي تشكل كامل احتياطيات السعودية ودول الخليج العربي.

وبين الحرمي أن الإعلان من الناحية الفنية غير ذي قيمة لأن الحكومة الفنزويلية عندما تعلن للعالم أنها تمتلك هذه الاحتياطيات الضخمة فإن الأسواق والخبراء الفنيين يعلمون أن ليس باستطاعة فنزويلا إنتاج هذه الكمية.

وتابع: «السعودية عندما تقول إن احتياطياتها تقدر بـ265 مليار برميل، تدعم هذه البيانات أو الأرقام بالإنتاج الذي يؤكد مصداقية مكانتها النفطية»، موضحا أن «المملكة اليوم تمتلك طاقة نفطية فائضة عن حاجة الأسواق تقدر بـ4 ملايين برميل يوميا، وهذه بيانات حقيقية تعرفها الأسواق العالمية، وفنزويلا ليس لديها هذه القدرات».

وقال الحرمي إنه من الناحية الفنية فإن النفوط الرملية عالية الكلفة، فالبرميل الواحد تبلغ تكلفة إنتاجه تقريبا 50 دولارا، وبالأسعار الحالية تعتبر مكلفة جدا، على العكس من النفوط الصخرية التي تعتبر متدنية الكلفة إنتاجيا، موضحا أن تلك الأرقام ورقيا معقولة لكن إنتاجيا فالوضع يختلف تماما، إلا أنها قد يكون لها دور تطميني على المستقبل المتوسط للأسواق بأن القدرات النفطية الفنزويلية ستستمر على مدى السنوات المقبلة.

وقال الخبير النفطي الكويتي إن السعودية عندما ترى أن الأسعار في الفترة الحالية مضرة بالاقتصاد العالمي، فإنها تستطيع أن تضخ مزيدا من النفط في الأسواق يجعل الأسعار تتراجع، وتستطيع أن تتحكم في المستويات السعرية للنفط، لكن فنزويلا لا تلعب هذا الدور.