محافظ «ساما»: التضخم مقلق والأمل في تحسن العرض لخفض أسعار الغذاء عالميا

أكد أن السعودية ملتزمة بربط عملتها بالدولار

محمد الجاسر
TT

في الوقت الذي أبدت فيه قلقها حيال التضخم المتوقع مع صعود أسعار الغذاء في الأسواق العالمية، أكدت السعودية أن الصورة حيال التضخم بشكل عام تدعو إلى الاطمئنان، وفقا لما ذكره مسؤول رفيع يوم أمس.

وقال الدكتور محمد الجاسر محافظ «ساما»: «إن الضغوط التضخمية مهمة، إلا أن المأمول أن يتحسن العرض في أسعار الغذاء عالميا، الأمر الذي قد يسهم في عدم وصول التضخم إلى المستويات المقلقة».

وبين الجاسر الذي كان يتحدث لـ«الشرق الأوسط» أن آخر إحصائيات التضخم بلغت نحو 5.4 في المائة، موضحا أن المملكة وضعت بعض الإجراءات لمواجهة ذلك، كالنسبة التي أضيفت من قبل وزارة المالية إلى الرواتب لمواجهة الغلاء، إضافة إلى العناصر التي تتضمنها سلة المستهلك هي مثبتة، كالبنزين والتعليم والصحة، إضافة إلى المواد الغذائية، مؤكدا أنه لا يقلل من القلق حول مؤشرات التضخم التي وصفها بالمستوردة.

وكان الجاسر قد شارك أمس في جلسة التي جاءت تحت عنوان «المخاطر العالمية لعام 2011» في منتدى التنافسية، بمشاركة توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق، وجين كريتيان، رئيس وزراء كندا السابق، وجيمس تورلي، رئيس شركة «إرنست آند يونغ»، وكارلوس مورايرا، رئيس شركة «وايزكي»، وكارولين دانيلز رئيسة شركة «نشر تقنية الطيران».

وأضاف محافظ مؤسسة النقد العربي السعودية أن المؤسسة بمثابة البنك المركزي، وفي حال كان التضخم نتيجة نمو في المعروض النقدي، بمعني تضخم نقدي، فسيتم النظر في النمو عرض النقود، الذي سجل في العام الماضي 10 في المائة، بينما كان النمو في الائتمان 5 في المائة، مما يؤكد أن الضغوط تضخمية لم تكن من السياسة النقدية في الاقتصاد السعودي.

ولفت إلى أن الضغوط كلها جاءت من أمور مستوردة، بالإضافة إلى أجور المساكن، وهي أمر لا علاقة له حتى بسعر الصرف وغيره، وهو مسألة زيادة العرض، لذلك الدولة تسعى إلى إصدار أنظمة جديدة كالرهن العقاري.

وارتفع التضخم في أكبر دولة مصدرة للنفط وعضو مجموعة العشرين إلى أعلى مستوى في 18 شهرا عند 6.1 في المائة في أغسطس (آب) الماضي، بفعل ارتفاع أسعار الغذاء والسكن.

وقال الجاسر إن من المتوقع أن تحقق السعودية نموا جيدا بنفس نسبة 3.8 المسجلة في 2010 أو أكثر، وأبلغ في وقت لاحق يوم الاثنين أنه قد يصل إلى 4.5 في المائة.

وأكد خلال حديثه في منتدى التنافسية أن السعودية ملتزمة بربط عملتها بالدولار، واصفا ذلك بأنه في صالح المملكة، موضحا أنه لا يوجد موعد نهائي للانتهاء من مشروع الاتحاد النقدي الخليجي، الذي تأجل كثيرا، والذي تشارك فيه السعودية إلى جانب الكويت وقطر والبحرين.

وأكد ثقته بعود الانتعاش الاقتصادي للعالم، مؤكدا اقتراب موعده، إلا أنه يشير إلى أن هذا التعافي، قد يكون بطيئا إلى حد ما، ومتباينا ما بين الدول.

ولفت إلى قلقه وقلق الكثيرين من عواقب التضخم العالمي، ودلل بتأثر أسعار الغذاء في العالم، وارتفاعها المتواصل، لا سيما في ظل الظروف المناخية المتقلبة، وتزايد الطلب العالمي على الغذاء، ونمو الطبقة المتوسطة في بلدان كالصين والهند، التي تمثل ثلث العالم.

وأكد الجاسر أن الصين ستكون في وضع مالي أفضل إذا سعت إلى إعادة التوازن، حيث إن الطلب الداخلي والاستهلاك سيتيح لها وضعا أفضل اقتصاديا، وأفضل على المستويين المحلي والعالمي، مشيرا إلى أن الصين بدأت في تشجيع ذلك، في إشارة منه إلى ارتفاع مبيعات التجزئة في السوق الصينية، حيث إنها زادت بنسبة 18 في المائة.

ويشير إلى أنه من الضروري على الصين أن تعوم عملتها بنسبة معينة، مشيرا إلى أنه سيكون منجزا رائعا إذا كانت العملة الصينية دولية، حيث ستمثل الصين الاقتصاد الثاني في العالم.

وشدد الجاسر على ضرورة الاستفادة من الأنظمة العالمية، لا سيما السياسات النقدية، إلى جانب ضرورة الإشراف على البنوك، بغض النظر عما إذا كان البلد ناشئا أو صناعيا، وأضاف: «السعودية من البلدان القليلة في العالم التي لم تحتج إلى خطة إنقاذ للمؤسسات المالية أو محافظ قطاع العقار، حيث كانت في وضع جيد قبل حدوث الأزمة».

واتفق المشاركون في الجلسة على الثقة بقدرة الاقتصاد العالمي في الانتعاش والتعافي، وأجمعوا على ضرورة التعاون بين دول العالم لتعزيز اقتصاداتها ولتحقيق التكامل فيما بينها، بدلا من اتخاذ أسلوب المواجهة بين هذه الدول.

وأكد توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق أن العالم يعتمد على بعضه، ويرتبط ببعضه بدرجة كبيرة، الأمر الذي دعا إلى الانتقال منظمة مجموعة الثمانية، إلى مجموعة العشرين، مشددا على أهمية إدارة هذه التحديات التي تواجه العالم، عبر روح التعاون، بدلا من روح المواجهة.

واستعان بلير، بالعلاقة الأميركية - الصينية، كمثال على ضرورة التعاون بين الدول، بدلا من المواجهة، حيث أشار إلى أن أميركا بحاجة إلى توفير مادي أكثر، نظرا لمعدلات الإنفاق العالية لديها، كما أن الصين لديها بعض الإشكالات الاقتصادية، وبإمكان البلدين التعاون في حل هذه المشكلات عبر تحقيق التكامل فيما بينهما، بدلا من اتخاذ أسلوب المواجهة، والاعتقاد أن لدى كل بلد منهما حلولا يمكنهما اتخاذها بمفردهما.

وذهب جين كريتيان، الذي رأس مجلس الوزراء الكندي السابق إلى وجود مشكلات مستعصية أصبحت خطرا يواجه عددا من الدول، من بينها الصين والهند والبرازيل والسعودية، حيث إن هذه الدول تنمو بسرعة كبيرة، مؤكدا ضرورة تحمل هذه المخاطر لجلب الاستقرار للبلاد والمؤسسات المالية.

ويصف كريتيان الاستقرار، بأنه مطلب أساسي في الحياة العامة، مشددا على ضرورة مواجهة المخاطر وجلب الطمأنينة والاستقرار للمواطنين، حيث إن اقتصاد أي بلد يعتمد على قرارات يتخذها المواطنون، وما لم توجد الثقة والطمأنينة لدى المواطنين، فإنه من الصعب أن يدعم المواطنون اقتصادهم المحلي بإنفاقهم في حال عدم الثقة والطمأنينة.

من جانبه، تفاءل رئيس الوزراء البريطاني السابق، بمستقبل أوروبا، مشيرا إلى أن دول منطقة الاتحاد الأوروبي تواجه تحديا كبيرا، حيث تقابل أزمة في المعدلات الديموغرافية، وتعمل دول الاتحاد الأوروبي على حل هذه المشكلة بجدية حتى يتمكن الاقتصاد الأوروبي من الاستقرار.

وأشاد توني بلير بالوضع الأمني بالسعودية، مثنيا على دور خادم الحرمين الشريفين وسعيه لنشر السلام في العالم، ومنوها بأهمية التعايش السلمي والاحترام المتبادل بين ذوي المعتقدات الدينية المختلفة، والابتعاد عن التقسيم أو الخطوط الدينية والسياسية، مؤكدا أن عملية السلام في الشرق الأوسط، هي التحدي الأكبر للعالم بأجمعه.

وفي الوقت الذي يقف فيه العالم أمام عدد من التحديات، أكد بلير أن هذه التحديات تأتي معها فرص كبيرة ينبغي استغلالها والاستفادة منها، وأشار إلى أنه من بين التحديات التي تواجه السعودية، أن عدد السكان سيتضاعفون خلال العشرين سنة المقبلة، إلا أن هذا الأمر سيتيح عددا غير محدود من الفرص ينبغي استغلالها.

ويشير جين كريتيان، الذي رأس مجلس الوزراء الكندي 12 عاما، إلى أنه حين تم تشكيل الحكومة عام 1993 كان هناك عجز مرير في الميزانية، حيث بلغ حجم الدين القومي 70 في المائة من الناتج الإجمالي، وخلص القول إلى أن كندا في طريقها إلى أن تكون من دول العالم الثالث، وحينئذ تم اتخاذ قرار مهم لاستعادة الاقتصاد الكندي، وذلك بإنشاء الثقة لدى الشعب الكندي.

ويستطرد كريتيان: «حين بدأنا بإصلاح الوضع المالي، الذي لم يكن أمرا سهلا، استطعنا تجاوزه وحل معضلته، لأن علينا أن نزرع التفاؤل في المجتمع، ووضع مناخ ديمقراطي للتصرف والمواجهة، حيث إن الحكومة كانت تستدين مبالغ كبيرة وتنافس مع القطاع الخاص في هذا المجال، وبلغت نسبة البطالة 11 في المائة، ولكننا أخذنا المخاطرة وعالجنا الأزمة المالية في كندا، وكانت النتيجة سبع سنوات من الفائض بالميزانية، وبعد أن كنا أسوأ الدول السبع اقتصاديا، أصبحنا أفضلها في هذه الناحية».

من جانبه، دعا جيمس تورلي، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة «إرنست آند يونغ»، إلى تمكين رواد الأعمال وإشراكهم في عملية التنمية الاقتصادية، مشيرا إلى أن هناك أشياء تقوم بها الحكومة، ويستطيع أن يقوم بها الأفراد.

وبين تورلي، ضرورة أن تقوم الحكومات بالتأكد من سير الاقتصاد بشكل صحيح، ودعا الحكومات للابتعاد عن الثقافة التي تعاقب الفشل، مشيرا إلى أن ما يميز عددا من رواد الأعمال الناجحين، هو تعرضهم للفشل، الأمر الذي يمنحهم خبرة يمكن أن يستفاد منها.

وأوضح تورلي أن الاستفادة من النظام المالي، تتطلب توفرا لرأس المال، ووجود حلول تمويل، وسوقا مالية قوية لتشكيل رؤوس الأموال، وهذه الأمور هي أهم ما تركز عليه أي حكومة، على أن يكون دورها إصدار لوائح تنظيم العمل بالسوق لجميع الشركات ورؤوس الأموال، وتطبيقها بشكل جيد.

من ناحية أخرى، أوضح كارلوس مورايرا، المؤسس ورئيس مجلس الإدارة لشركة «وايزكي»، ضرورة توفير مبدأ الثقة، ومدى أهمية ذلك، لا سيما في مجال الإنترنت، حيث تشير التقديرات، إلى أنه، وبحلول عام 2020، سيكون هناك 50 مليار عملية تتم على الإنترنت يوميا.