منتدى دافوس: التحديات أكبر والمشكلات أعصى من أن تحل في 5 أيام

وسط تنظير اختفت فيه الواقعية.. وغابت أزمة اليورو

دافوس تحولت من قرية لمعالجة مرض السل الى معالجة الأمراض الاقتصادية (رويترز)
TT

من المقرر أن يجتمع زعماء سياسيون وقيادات اقتصادية وشخصيات أكاديمية من مختلف أنحاء العالم في مدينة دافوس السويسرية خلال الأسبوع الحالي ليحاولوا إنقاذ كوكب الأرض. ومن السهل الرهان على أنهم سيفشلون للعام الحادي والأربعين على التوالي.

وحتى لو تخيلنا أنه من الممكن إنقاذ العالم خلال خمسة أيام، فإن قائمة المشكلات العالمية تكبر يوما بعد آخر، لدرجة أن كلاوس شواب، المؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي، بات يشعر بالقلق. وقال شواب: «أشعر بالقلق لأن حكومات ومنظمات دولية لم يعد في استطاعتها التكيف مع قدرات ووتيرة هذا الواقع الجديد المتسارعة».

وحدد تقرير المخاطر العالمية التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي، الذي نشر الشهر الحالي، 37 شيئا هاما يجب القلق بشأنها، بزيادة مشكلة عن العام الماضي. وتتضمن القائمة مخاطر واضحة، مثل التغير المناخي والنزاعات الجيوسياسية والدين الحكومي، ومشكلات أقل وضوحا مثل الهجرة والتقنيات الجديدة.

ولكن خلال العام الماضي، وعلى الرغم من الكلام الكثير حول منع وقوع الأزمات، غاب عن المشاركين في المنتدى خبر اقتصادي هام خلال 2010، وهو أزمة الديون السياسية الأوروبية. وعلى الرغم من أن المشكلات المالية داخل اليونان كانت واضحة بالفعل فإن رئيس الوزراء جورج باباندريو قال مطمئنا في إحدى الجلسات خلال يناير (كانون الثاني) الماضي إن الحكومة ستسيطر على دينها. ولم يكن ثمة حديث عن أن العملة المشتركة نفسها ستواجه مخاطر.

وفي الواقع إن الانتقاد الأزلي الذي يوجّه إلى منتدى دافوس هو أن ما يحدث فيه مجرد كلام بعيد عن الأفعال. واستجابة لذلك فإن الأجندة خلال العام الحالي تركز بدرجة أكبر على الوصول إلى حلول للتهديدات العالمية مثل ندرة الائتمان والأمراض المزمنة أو منعها من الأساس، وبالطبع هذا أفضل. وقال شواب عبر البريد الإلكتروني: «علينا التحول من التعامل مع الأزمات التي تقع إلى منع المخاطر، وإلا سنجد العام غارقا في دوامة من إدارة الأزمات».

ولا يزال في استطاعة الـ2500 شخص المتوقع قيامهم بتغطية منتدى دافوس، التي كانت من مقبل ملجأ لمرضى السل، حضور جلسات تحمل عناوين مثل «موسيقى من أجل التغير الاجتماعي». وسيكونون قادرين على الإنصات لتشيلسي شولنبرغر، الطيار الذي هبط بطائرة ركاب في نهر هدسون عام 2009، وهو يتحدث عن القيادة تحت ضغط. ولكن التركيز سيكون على أفكار ملموسة بدرجة أكبر، مثل الحرب على الفساد أو إعادة صياغة الاقتصاد الأميركي. ودائما ما يصعب قياس الأثر الفعلي لهذا المنتدى على مصير العالم، ويصور منظمون ومشاركون الفعالية وكأنها مكان يتعرف فيه مسؤولون تنفيذيون داخل شركات وزعماء حكوميون على نظرائهم ويطلعون على أفكار ويقابلون أفرادا لم يكن متاحا لقاؤهم في أي مكان آخر. ويقول نيكولاس فون بومهار، الرئيس التنفيذي لمجموعة التأمين الألمانية «ميونيخ ري»: «ليس من المفترض أن يسعى منتدى دافوس إلى أن يكون محددا بصورة مبالغ فيها، وهو ليس كذلك. ويتمثل جمال المنتدى في السعي للربط بين نقاط هامة».

ومن المقرر أن يشارك نحو 1400 من الرؤساء التنفيذيين، الذين يدفعون غالبا مئات الآلاف من الدولارات من أجل الحضور، مع أستاذة جامعيين ورؤساء تنظيمات غير ربحية وفنانين ومسؤولين حكوميين، من بينهم 35 رئيس دولة. ومن بين المسؤولين البارزين الذي سيشاركون الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف، الذي سيلقي كلمة الافتتاحية، والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الذي استحوذ على العناوين الرئيسية العام الماضي من خلال الدعوة لوضع نهاية لدور الدولار كعملة احتياطي رئيسية في العالم. ومن المقرر أن تحضر أيضا المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ورئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما. وحتى الآن فإن أهم مسؤول أميركي سيحضر هو تيموثي غيتنر، وزير الخزانة. وقال موقع منتدى دافوس إنه كما هو مألوف فإن جزءا كبيرا من الفعالية سيقام خارج مركز مؤتمرات دافوس الذي أجريت عليه تعديلات أخيرة.

وداخل غرف فندقية ومطاعم سوف تجتمع نخبة قطاع الأعمال وتعقد صفقات، وقليل من سيطأ بقدمه مركز المؤتمرات. وسيحضر بول أكيلتنر، المسؤول المالي الرئيسي بشركة التأمين الألمانية «أليانز»، المنتدى الاقتصادي العالمي للمرة الخامسة عشرة (وسيحضر جلسات نقاشية لا تتناول مواضيع تجارية).

وسيعقد ممثلو قطاعات ومؤسسات ضغط أيضا اجتماعات رسمية وراء الأبواب المغلقة داخل مركز المؤتمرات تحت رعاية المنتدى. وفي العام الماضي، على سبيل المثال، اجتمع مصرفيون مع منظمين بارزين ومسؤولين بمصارف مركزية وزعماء سياسيين من أجل مناقشة قواعد منع أي وقوع أزمات مالية مستقبلية. ولكن لم يكن هناك اتفاق كبير، ولم يبدُ أن الاجتماعات لها تأثير كبير على التنظيمات الجديدة التي تم المصادقة عليها نهاية العام من جانب الكونغرس الأميركي ومجموعة العشرين. ويقول أكيلتنر: «أعتقد أن منظمين شاركوا في دافوس العام الماضي لم يحسبوا أن قطاع الخدمات المالية منسجم، بل على العكس يركز على النشاط التجاري كما هو مألوف. ولذا استمروا في ذلك».

وحتى لو كانت إنجازات المنتدى دون مستهدفاته الكبيرة، فإن الفعالية لا تزال تحظى بشعبية ولها مكانتها. وعلى الرغم من أنها نخبوية بلا شك، فإنها تتيح لقيادات من مناطق نامية الامتزاج مع النظم الغربية.

وستكون هناك مشاركة أكبر من جانب ممثلي الصين والهند ودول ناشئة أخرى، وخلال العام الحالي فإن ثلاثة من بين ستة رؤساء مشاركين رسمين لمنتدى دافوس من آسيا، بالمقارنة مع واحد فقط خلال العام الماضي. ويبدو أن شركات هندية ومؤسسات تجارية مصرّة على الاستحواذ على المشهد بعد انتهاء وقت العمل، من خلال سلسلة من الحفلات الصاخبة التي تحتوي على أفكار من بوليوود. وقال روبن فاردانيان، الرئيس التنفيذي لـ«ترويكا ديالوغ»، وهو بنك استثماري مقره موسكو، إن دافوس توفر مكانا يستطيع فيه الناس من أسواق ناشئة الاجتماع مع نظرائهم من الولايات المتحدة وأوروبا. وأضاف موضحا دور دافوس: «لم نذهب إلى نفس الجامعات ولسنا أعضاء في نفس أندية الغولف. وبالنسبة إلي، كوني رئيسا لمصرف وأسعى إلى ربط روسيا بالعالم الغربي، فإن هذا من بين أفضل المنابر التي تتيح ذلك».

* خدمة «نيوريوك تايمز)