صندوق النقد الدولي يحذر الولايات المتحدة من تفاقم الدين والعجز في الميزانية

أقر أن الدولار لايزال عملة الاحتياط المفضلة

خطة الرعاية الصحية رفعت عجز الميزانية بمعدلات ضخمة (أ.ب)
TT

أصدر صندوق النقد الدولي تقريرا ينتقد رد فعل الولايات المتحدة البطئ حيال ارتفاع الدين العام، ومما جاء في التقرير أنه ينبغي على المسؤولين الأميركيين التصرف بسرعة للسيطرة على العجز المالي أو مواجهة النمو البطئ والخيارات الصعبة مستقبلا. وجاء تحذير صندوق النقد الدولي هذا بعد صراع المسؤولين الاتحاديين في أعقاب إصدار الكونغرس تقريرا حول العجز السنوي والذي وصل إلى 1.5 تريليون دولار هذا العام في سابقة تاريخية. وكان هذا التقرير الأخير قد أثار مخاوفا عن أن الديون الحكومية الهائلة في الدول المتقدمة قد يقوض الانتعاش الاقتصادي العالمي.هذا وقال السيد كارلو كوتاريللي مدير الشؤون المالية في صندوق النقد الدولي أثناء إصدار الدراسة التي أجراها الصندوق «تمتلك الولايات المتحدة الأميركية الكثير من المصداقية. لكن هذا لا يعني أن هذه المصداقية ستدوم إلى الأبد». وخلصت الدراسة إلى أن الولايات المتحدة قد أخلفت وعدا تعهدت به لدول إقتصادية أخرى لخفض العجز في الموازنة بحلول عام 2013. هذا وقال السيد روبرت غيبس، سكرتير البيت الأبيض للشؤون الصحافية «إن هذه المشكلة قد نشأت عبر سنوات عديدة، وسيتطلب الأمر تظافر جهود الديمقراطيين والجمهوريين لإيجاد الحل». كما أشار إلى أن الرئيس أوباما قد دعا إلى تجميد الإنفاق أثناء خطابه الأسبوعي. ورحب المسؤولون في صندوق النقد الدولي بهذه الخطوة، لكنهم أفادوا بضرورة خفض الإنفاق في برامج استحقاقات التقاعد والصحة أيضا.لم تكن الولايات المتحدة القوة الإقتصادية الوحيدة التي طالها نقد صندوق النقد الدولي، بل استهدف النقد أيضا اليابان، حسبما أفاد صندوق النقد الدولي.

وتأكيدا لهذه النقطة، خفضت شركة «ستاندرد آند بوورز» للتصنيف الائتماني الفائدة على سندات اليابان يوم الخميس من «AA إلى AA-». وذلك جراء القلق من أن المسؤولين الإقتصاديين اليابانيين لن يجروا تسوية بشأن الديون التي تقارب نحو ضعف حجم الاقتصادر الوطني. على الرغم من أن الفائدة في اليابان لا تزال مرتفعة، إلا أن خفضها كان بمثابة تذكير بأنه حتى الاقتصاد القوي والجدارة الائتمانية وبوجود عملة «ذات ملاذ آمن« على نطاق واسع، يمكن أن تتعرض لنوع من الضغط كالذي جعل دولا كاليونان وإيرلندا تقع تحت وطأة ارتفاع تكاليف الديون في الأشهر السابقة بحيث تطلب الأمر عمليات إنقاذ دولية.

وقالت الدراسة إن فداحة الحال في الولايات الأميركية أقل بكثير. فاقتصاد الولايات المتحدة يتخلف بنحو 14 تريليون دولار عن الاقتصاديات العالمية الكبرى، إلا أن الدولار لا يزال عملة الاحتياط المفضلة، كما أن أسواق رأس المال في الولايات المتحدة كبيرة بما فيه الكفاية لاستيعاب الاستثمارات من مختلف مناطق العالم. لكن المسؤوليين في صندوق النقد الدولي قالوا أن الدين العام في الولايات المتحدة كبير جدا – وهو مستمر في النمو – بحيث ينبغي على المسؤولين الأميركيين تعزيز المصداقية. لكن من غير المحتمل أن يتسبب عدم خفض الديون في الولايات المتحدة أو فقد الثقة في قدرة الحكومة على سداد الديون والدفع للدائنين بتفجير حالة من الأحداث الكارثية – من التوقف عن تمويل التجارة العالمية ودعم الائتمان في البنوك والحكومات المنهاروة التي تتحمل مقدارا كبيرا من ديون الولايات المتحدة وتعتمد على التدفق النقدي من الولايات المتحدة الأميركية وإليها للحفاظ على وجودها.

ومنذ زمن ليس ببعيد، بدا أن الولايات المتحدة تسير على المسار الصحيح في الالتزام بخفض العجز السنوي بحلول 2013. لكن في اجتماع قادة الاقتصاديات العالمية الكبرى الذي عقد في كندا صيف العام الماضي، تعهد المسؤولون الأميركيون بخفض العجز بنسبة 6 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي. لكن الآن، أصبحت توقعات تحقيق هذا الهدف أقل تفاؤلا. بناءا على البيانات الصادرة عن مكتب الموازنة في الكونغرس هذا الأسبوع، فإن الاقتطاعات الضريبية الأخيرة والإنفاق المتوقع سيبقي على العجز السنوي بنحو 10 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي لهذا العام. ويبدو أن ذلك شبيه بالعجز في الدول الأوروبية كأسبانيا وبريطانيا، اللتان تقعان تحت ضغط أسواق السندات العالمية للحد من نفقاتها ورفع الضرائب وإعادة هيكلة اقتصادياتها. هذا ويتوقع أن يكون حجم الديون الإجمالي في الولايات المتحدة الأميركية نحو 70 في المائة من الاقتصاد الوطني في العام القادم. إذا اقترن بالديون المستحقة على الولايات، فإن الدين العام سيصل إلى 100 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي. وبدأت الدول الأوروبية بالحوار مع مواطنيها حول ما يمكن أن تقدمه الحكومات وما لا يمكنها تحمله. ثمة توجهات لاقتطاع رواتب الموظفين في القطاع العام والحد من الخدمات والاستحقاقات التقاعدية، ما أدى إلى حدوث الاحتجاجات والإضرابات، حسبما أفاد صندون النقد الدولي.

وهذه هي الخيارات هي التي تتردد الولايات المتحدة الأميركية في اتخاذها، خصوصا أن الاقتصادييين لا يزالون ينظرون إلى الإنفاق الحكومي على أنه مهم لدعم الانتعاش الاقتصادي. واتجه الحوار الدائر حول العجز إلى الابتعاد عن المواضيع السياسية الحساسة كإعادة هيكلة الضمان الإجتماعي والرعاية الصحية، إذ يشير صندوق النقد الدولي إلى أن تكاليف هذه القطاعات بحاجة إلى إعادة الضبط إذا رغبت الولايات المتحدة في إحراز تطور في الحد في الديون.ويشير تحليل اقتصادي أجراه محللو وكالة S&Pستاندرد آند بوورز الأسبوع الماضي حول ديون الولايات المتحدة إلى أن أمورا لا يمكن تصورها قد تحدث ما لم يتخذ المسؤولون في الولايات المتحدة الإجراءات اللازمة. وكتب محللو الوكالة «يفترص أن تكشف حكومة الولايات المتحدة قريبا عن خطة ذات مصداقية لتشديد السياسة المالية وذلك حتى تتمكن الحكومة من تحقيق استقرار في نسبة الدين العام إلى الناتج الإجمالي القومي ومن ثم خفضه إلى الحد المتوسط. وفي ظل غياب خطة ذات مصداقية، فإن نسب الفائدة في حكومة الولايات المتحدة الأميركية الفيدرالية سترزخ تحت ضغط كبير».

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص «الشرق الأوسط»