جلول عياد: المايسترو الجديد لقيادة دفة المال في تونس

عقود من الخبرة المصرفية والعلاقات مع كبار صناع الثروة والقرار

جلول عياد («الشرق الأوسط»)
TT

يمكن القول ان وزارة المالية التونسية، اصبح يقودها «مايسترو» حقيقي ليس فقط لانه يتوفر على مهارات في التدبير المالي والمصرفي، التي يمتلكها عن جدارة واستحقاق، وانما لانه بالفعل يملك ايضا مهارات موسيقية باعتباره مؤلفا للموسيقى الكلاسيكية، وعازفا ماهرا على البيانو. فهذا التونسي القادم من الدار البيضاء حيث كان يعمل ذراعا ايمن لشيخ المصرفيين المغاربة عثمان بن جلون، الذي يصر دائما على مناداته بـ«المايسترو»، يعتبر احد ابرز مهندسي خطط توسع البنك المغربي للتجارة الخارجية، الذي يعتبر ثاني اكبر بنك خاص في المغرب العربي وافريقيا والعديد من مناطق العالم.

وحتى تعيينه الليلة قبل الماضية وزيرا لمالية تونس، لضبط سيمفونية اقتصاد الازمة، ظل عياد يجمع بين مهام الإدارة العامة للبنك المغربي للتجارة الخارجية، ورئاسة مجلس إدارة فرعه المتخصص في مجال الأعمال والاستثمار والأسواق المالية «بي إم سي أو كابتل»، بالإضافة إلى رئاسة مجلس مراقبة شركة «اتكوم» التي اسسها بنجلون في السنوات الاخيرة، والموجهة للاستثمار في البلدان الأفريقية في مجالات الاتصالات والإعلام والتوزيع.

وعياد من مواليد مدينة سوسة التونسية. كان والده موظفا في قطاع السكك الحديدية التونسي، وحصل على الإجازة في الاقتصاد من جامعة تونس، بعدها تعرف على فتاة أميركية، اصبحت فيما بعد شريكة حياته، حيث شجعته على السفر إلى الولايات المتحدة قصد استكمال دراسته. وبالفعل حصل سنة 1979على منحة دراسية من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية «يو إس إيد»، فالتحق بجامعة ماريلاند، التي من خلالها بدأت علاقته بعالم المصارف. وكانت سنة 1980 مفصلية في حياة هذا الشاب التونسي المتألق، اذ لفتت نتائجه التي حصل عليها في الجامعة أنظار مجموعة «سيتي بنك» المصرفية، فأجرت اتصالات معه ليبدأ فيها مشواره المهني كمتدرب. بيد أن التزام عياد مع الحكومة التونسية والوكالة الأميركية للتنمية، الذي حصل بمقتضاه على منحة دراسية في الولايات المتحدة، حتم عليه العودة إلى بلده بعد انتهاء دراسته. وألفى عياد نفسه عائدا إلى بلده حيث عين سنة 1983 ممثلا مقيما لمجموعة «سيتي بنك»، وعبر مثابرته ترقى بسرعة داخل المجموعة ليصبح عام 1985 أول مدير عام لمجموعة «سيتي بنك» لمنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، ثم نائبا لرئيس المجموعة قبل التحاقه بدولة الإمارات العربية المتحدة.

في سنة 1990، يمم عياد وجهته صوب الدار البيضاء، ليعمل رئيسا للفرع المغربي لـ«سيتي بنك»، الذي كان يجتاز فترة حرجة. وذلك بموازاة مع فترة انتقالية طالت النظام المصرفي المغربي، الذي عرف خلال هذه المرحلة إصلاحات عميقة، وهي مرحلة تميزت ايضا بانخراط المغرب في مفاوضات اعادة جدولة ديونه الخارجية في إطار نادي لندن. ومن موقعه الجديد في «سيتي كورب»، واكب عياد التحولات التي عرفتها كبريات المجموعات المالية المغربية في تلك الفترة. وقاد خلال هذه الفترة عملية إدراج مجموعة «أونا» اومنيوم شمال افريقيا «الهولدينغ الملكي المغربي» في السوق المالية الدولية، التي تعتبر أول عملية لمجموعة مالية مغربية بدون ضمانة مصرفية أو حكومية، وبلغت قيمتها آنذاك 30 مليون دولار.

وتمكن عياد بشطارة من الاندماج في مجتمع المال والأعمال المغربي، فأقام صداقات وعلاقات مع كبار رجال الأعمال. غير أن المجموعة المصرفية العالمية «سيتي غروب» سرعان ما نقلته إلى فرعها اللندني في سنة 1995، حيث تولى إدارة عمليات تمويل الشركات والاستثمارات في منطقة أوروبا وافريقيا والشرق الأوسط. بيد ان عياد عاد من جديد إلى مربط خيله المغربي سنة 1998، لكن هذه المرة على موعد مع مجموعة البنك المغربي للتجارة الخارجية.

وتعود علاقة «المايسترو» مع عراب «المغربي للتجارة الخارجية» إلى بداية عقد التسعينات من القرن الماضي، عندما أسس بنجلون مجلس الأعمال المغربي ـ الأميركي. كان عياد انذاك يتولى رئاسة غرفة التجارة المغربية ـ الأميركية، ودعاه بنجلون للمشاركة في تأسيس المجلس بهذه الصفة. وكان اللقاء الاول بين الرجلين وديا لكن اللقاء الحقيقي بينهما الذي سمح لشيخ المصرفيين المغاربة بالتعرف عن قرب على شخصية عياد، وقياس قدراته في مجال تدبير الاعمال من موقع مهني، جرى خلال سنة 1995. حيث كان بنجلون على اهبة شراء «البنك المغربي للتجارة الخارجية» الذي طرحته الحكومة المغربية للتخصيص. وكان ثمة شرط صعب التحقيق وضعته الحكومة المغربية يتمثل في وجود شريك دولي متميز بنسبة 5 في المائة من الرأسمال ضمن تركيبة المساهمين المرشحة لشراء المصرف، بالنظر إلى طبيعته التي ظلت نحو 40 سنة مؤسسة مالية عمومية متخصصة في تمويل التجارة الخارجية. جال بنجلون العالم بحثا عن الشريك المطلوب. في هذه الظروف تذكر «المايسترو» التونسي، فلجأ إليه. وبالفعل لم يخيب عياد أمل بنجلون، إذ تمكن من اقناع مركز «سيتي كورب» في نيويورك بالدخول كشريك بنسبة 4 في المائة، ولمدة طويلة كشريك استراتيجي إلى جانب بنجلون، في رأسمال البنك المغربي للتجارة الخارجية.

في سنة 1998 لجأ بنجلون مرة ثانية لـ«المايسترو» التونسي، لكن هذه المرة ليستقطبه للعمل إلى جانبه في وقت كانت فيه مجموعته المالية تمر بمنعطف حاسم في مسارها، تجلى في تأسيس مجموعة «فاينانس كوم» القابضة التي جمع فيها بنجلون كل أصوله ومساهماته المالية، ودخل في منافسة شرسة مع كبريات المجموعات المالية المغربية في قطاع التأمين، التي انتهت بفوزه بصفقة بيع الحكومة الفرنسية لحصصها في «شركة التأمين الوطنية» في المغرب، وهي الصفقة التي مكنت بنجلون من التحكم في نحو 25 في المائة من سوق التأمينات بهذا البلد الشمال افريقي.

عاد عياد من جديد إلى المغرب ليمسك بزمام مجموعة مصرفية جامحة لا تكل من التطلع إلى التوسع في ما وراء الحدود المغربية، وكانت الخطوة الاولى في رحلة الالف ميل قد انطلقت من تونس، بلده الأصلي، حيث أسس فرعا لمصرف الأعمال والاستثمار «بي إم سي أو كابتل» التابع للبنك المغربي للتجارة الخارجية، والمتخصص في مجالات تمويل الشركات والاستثمارات والأسواق المالية. تلا ذلك الانطلاق في مغامرة افريقية عبر شراء مصارف في القارة السمراء، وتوسيع شبكته في منطقة غرب افريقيا ووسطها، وتوجت المغامرة بقيام البنك قبل ثلاث سنوات بإنشاء فرع في لندن تحت إسم «ميدي كابتل بانك» الذي اتخذه البنك المغربي للتجارة الخارجية مركزا لأعماله في أوروبا، وجسرا يربط بين طموحاته التنموية في أفريقيا وأسواق المال العالمية.

الان، ها هو «المايسترو» يعود إلى بلده في ظرفية ما احوجها فيه إلى كفاءات من امثاله، لتستفيد من سيمفونيته التدبيرية، التي اطربت حياة المال والاعمال في المغرب، وغدا تطرب به دنيا المال في تونس المثخنة بجراح تسبب فيها رئيس.. وعائلة.