«اضطرابات مصر» تسبب هروب رؤوس الأموال الأجنبية وتترك آثارا سلبية على اقتصادات المنطقة

خبير بنكي يؤكد أن أسواق الأسهم ستعاني بسبب انسحاب المستثمرين

كلفة الاضطرابات تتصاعد مع تفاقم الأخبار عن إشتباك المتظاهرين (أ.ف.ب)
TT

فرضت الأحدات التي تشهدها مصر في الفترة الراهنة تأثيرات مختلفة على الاقتصاديات في المنطقة العربية والخليجية والعالمية، وبرزت بشكل سريع عبر تجاوب اسواق المال مع الأحداث، حيث شهد سوق الأسهم السعودي تراجعا بنحو 6.4 في المائة يوم السبت الماضي بينما شهدت الأسواق الخليجية والعربية والعالمية تراجعات مشابهة ويمثل الاقتصاد المصري ثالث أكبر اقتصاد عربي بعد الاقتصاد السعودي والاماراتي، كما تعدّ مصر أيضا شريكا تجاريا رئيسيا للسعودية بميزان تجاري يميل لصالح السعودية. وكشف تقرير أصدره البنك السعودي الفرنسي أمس أن الفترة المقبلة ستشهد قلقا من قبل المستثمرين الأجانب القلقين للغاية حتى يعود الاستقرار السياسي إلى مصر - التي تعدّ أكبر دولة في العالم العربي من حيث عدد السكان. كما أشار معد التقرير الدكتور جون اسفيكياناكيس، مدير عام وكبير الخبراء الاقتصاديين في البنك السعودي الفرنسي، الى أن المنطقة العربية ستخضع لإعادة تقييم من المستثمرين الأجانب من ناحية المخاطر المرتقبة، قائلا ان المستثمرين سيراقبون المنطقة لرؤية ما إذا كانت دول عربية أخرى، مثل الجزائر والأردن والمغرب وسورية، ستشهد مواجهات مماثلة بين أنظمتها السياسية وشعوبها. وفي ذات الوقت قال معد التقرير انه من الصعب في الفترة الراهنة تقدير مدى استدامة وعمق الآثار التي ستتركها الأحداث المصرية على أسواق الأسهم والديون والعملات في منطقة الخليج.

ولمح التقرير الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إلى أنّ دول الخليج العربية التي تعتمد اقتصادياتها على تصدير النفط، قد تعاني من السلوك السلبي للمستثمرين الذي نجم عن موجة الاضطرابات المصرية حيث سيحجم بعض المستثمرين عن الدخول في استثمارات في الفترة الحالية في المنطقة. وفي حين استبعد التقرير أن يكون لدى المستثمرين شكوك حول مدى استقرار الأنظمة السياسية في منطقة الخليج، حيث قال الدكتور جون انه من المستبعد أيضا أنْ تهتز أسس الاقتصادات الخليجية جرّاء الإنتفاضة المصرية. وشدد التقرير على انّ المظاهرات المصرية التي اندلعت في 25 يناير (كانون الثاني) الماضي بعد انتفاضة الياسمين التونسية تقتضي من دول الشرق الأوسط أنْ تعيد تحديد الإصلاحات، التي يتعيّن تنفيذها لتبديد الهواجس التي تقلق شعوبها. كما أوضح التقرير أنّ هروب رؤوس الأموال الأجنبية من مصر سيترك آثارا سلبية واضحة على اقتصادات منطقة الشرق الأوسط كافّة، لأنّ مستثمرين كثرا من داخل المنطقة وخارجها استثمروا أموالا طائلة في أسواق الأسهم والعقارات والمشروعات الصناعية المصرية. ولم يخف معد التقرير القلق من اقتصادات دول الخليج العربية المصدّرة للنفط، بما فيها السعودية، متأثرة بالاضطرابات التي تشهدها مصر، ملمحا إلى أنّ أسواق الأسهم الخليجية عانت من بعض الضعف خلال الأسبوع الجاري، ومع أنّ دول الخليج العربية المصدّرة للنفط ليست معزولة عن محيطها، إلا أنّ عدوى المظاهرات المصرية لن تطالها بصورة مباشرة.

وتابع معد التقرير توقعاته بأن أسعار الأسهم قد تواصل انخفاضها بسبب عمليات البيع التي يقوم بها المستثمرون الأجانب الراغبون في الانسحاب من المنطقة، إلا أنه أشار إلى أنّ هذه الانسحابات من الأسواق الخليجية قد توفّر فرص استحواذ نادرة للمستثمرين المحليّين الواثقين بأسس اقتصاداتهم الكليّة، وبنى الدكتور جون رؤيته المستقبلية للاقتصادات الخليجية على اساس أسعار النفط، التي تشهد ارتفاعا مستمر نتيجة للطلب العالمي المتزايد على الطاقة، حيث أشار إلى أن السعر الحالي لمزيج برينت يناهز المائة دولار للبرميل، بينما يتأرجح سعر مزيج غرب تكساس حول الثمانية وثمانين دولارا للبرميل.

وبين الدكتور جون أن الأسواق العالمية تمييز بين دول الشرق الأوسط لجهة مدى قدرتها على سداد ديونها، حيث أشار إلى أرتفاع أسعار مقايضة الائتمان الافتراضي لتأمين الدين العام المصري، ما أدى إلى ارتفاع أسعار مقايضة الائتمان الافتراضي في دول شرق أوسطيّة أخرى، وفي ذات الوقت قال أنّ هذا التأثير ظل ضئيلا في دول الخليج العربية. واستبعد الدكتور جون أنْ تواجه أسواق السندات المالية الخليجية في الفترة الراهنة أي آثار سلبية تذكر جرّاء الاضطراب التي تشهدها مصر، مع أن استمرار الأزمة السياسية هناك قد يدفع بعض الجهات التي تصدر هذه السندات إلى تأجيل خططها. واشار إلى أنه لوحظ أنّ العديد من المؤسسات السيادية والشركات الخاصة - بما فيها الهيئة العامة للطيران المدني السعودي والشركة السعودية العالمية للبتروكيماويّات - أصدرت سندات مالية أو تخطّط لإصدار مثل هذه السندات قريبا. وأعاد التقرير قراءة الاقتصاد السعودي الذي يعتمد بشكل اساسي على العائدات النفطية، متوقعا أنّ يدفع نمو الطلب الآسيوي على النفط الاقتصاد السعودي تحقيق نسب النمو المتوقعة بمعدل 4.2 في المائة في العام الجاري، مشيرا إلى أن شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بلغت قيمة صافي الأصول الخارجية لمؤسسة النقد العربي السعودي 1.63 تريليون ريال (434.67 مليار دولار)، كما بلغ معدل إنتاج السعودية من النفط في نفس الفترة نحو 8.4 مليون برميل يوميا، ليفوق بكثير حصة الانتاج التي حدّدتها أوبك رسميا وقدرها 8.05 مليون برميل يوميا.

وتوقع الدكتور جون أن ترفع منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) في شهر فبراير(شباط) الجاري، سقف الإنتاج لكبح جماح الأسعار، الأمر الذي يبشّر بمداخيل أعلى للميزانية السعودية ولحسابها الجاري.

واستعرض التقرير العلاقات الاقتصادية بين السعودية ومصر حيث اشار إلى أن العام 2009، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 13.71 مليار ريال (3.65 مليار دولار) حيث بلغت قمية الواردات السعودية من مصر ما قيمته 5.37 مليار ريال (1.43 مليار دولار) بينما بلغت قيمة صادراتها إلى مصر 8.34 مليار ريال (2.22 مليار دولار) طبقا لبيانات مؤسسة النقد العربي السعودي.

ولمح إلى أنه في حال استمر الركود الاقتصادي في مصر بسبب الأحداث لفترة طويلة، فإنّ الصادرات السعودية إلى مصر قد تتراجع، إلا أن معد التقرير توقع عدم حدوث انخفاض حاد في مستويات هذه الصادرات، التي تشتمل على النفط والبتروكيماويات والأدوية والبلاستيك ومواد البناء، مستبعدا في ذات الوقت أيضا أنْ ينخفض إجمالي الحوالات المالية للجالية المصرية المقيمة في السعودية، والتي يقدّر حجمها بنحو 1.4 مليون مصري.

كما استعرض التقرير بعض استثمارات القطاع الخاص السعودي في مصر حيث أكد أن لدى الشركات السعودية استثمارات مهمّة في مصر، مشيرا إلى أطلاق مجموعة الراجحي، على سبيل المثال، مشروعا زراعيا ضخما في جنوب مصر لإنتاج القمح والطيور الداجنة، كما يعدّ رجل الأعمال السعودي عبد الرحمن شربتلي مستثمرا رئيسيا في المجمّع التجاري الذي يقع في القاهرة والمعروف باسم «نجوم المدينة« إلا أن استمرار الأزمة السياسية لفترة طويلة سيترك حتما آثارا سلبية حادّة على الإقتصاد المصري.

وبحسب التقرير تمتلك أكبر شركة سعودية للألبان من حيث القيمة السوقية، وهي شركة المراعي، جميع أسهم الشركة المصرية العالمية لمشروعات الصناعة الزراعية ولكنها تحصل من مصر على 2 في المائة فقط من عائدات هذه الشركة، وكذلك لدى شركة حلواني أخوان، وهي أكبر منتج سعودي للسلع الغذائية، شركة في مصر تشغّلها وتمتلك جميع أسهمها.

كما بين التقرير أن المستثمرون الخليجيون ينشطون بشكل كبير في الاقتصاد المصري من خلال الإستثمار في الشركات العامة المدرجة في سوق الأسهم وفي العديد من الشركات الخاصّة، التي تعمل في قطاعات العقارات والبناء والصناعة والبنوك والإتصالات. فعلى سبيل المثال تملك شركة إعمار الإماراتية العديد من المشروعات العقارية في مصر كما أنّ شركة (إتصالات) التي تتخذ من أبو ظبي مقرا لها تشغّل في مصر وحدة للإتصالات تمتلك 66 في المائة من أسهمها، بينما يمتلك البنك الوطني الكويتي غالبية أسهم نظيره البنك الوطني المصري. وقارن التقرير من االناحية الاجتماعية والاقتصادية بين دول الخليج التي تعطي الاقتصاديين والمستثمرين شعورا بالأستقرار السياسي والاقتصادي ومصر، حيث قال أنه وطبقا لبرناج الأمم المتحدة للتنمية، فإنّ 90 في المائة على الأقل، من مجمل العاطلين عن العمل في مصر هم دون الثلاثين من العمر، إضافة إلى أنه ومنذ نحو ثلاث سنوات ومعدّلات التضّخم في مصر تتجاوز العشرة في المائة - وتجاوزت العشرين في المائة خلال معظم أشهر عام 2008 - واليوم، يبلغ معدّل تضّخم الأغذية في مصر نحو 17 في المائة.

وفي ذات الوقت لم تواجه دول الخليج مثل هذه المستويات الحادّة من معدلات التضخم، ففي قطر يسود انكماش الأسعار منذ فترة، كما أنّ معدّل التضّخم العام في السعودية، الذي تجاوز العشرة في المائة في عام 2008، انخفض خلال الشهور الأخيرة حتى وصل إلى 5.4 في المائة في ديسمبر الماضي، تشير التوقعات إلى أنخفاض معدّلات التضّخم السنوي في السعودية خلال العام الجاري إلى 5.1 في المائة، علما أنّ هذا المستوى مرتفعٌ من الناحية التاريخية التي سجلتها السعودية بلغ فيها متوسط التضخم 0.8 في المائة فقط بين عاميّ 1990 و2006، وأكد معد التقرير أن الحكومة السعودية تستطيع أنْ تتخذّ إجراءات إضافية، عند اللزوم، لضمان عدم ارتفاع أسعار الأغذية بشكل كبير خلال العام الجاري.

في حين شدد التقرير على أن السعودية تعاني من مشكلة البطالة، مع أنها أقل حدّة من مشكلة البطالة التي تواجهها مصر، إذ ارتفعت نسبة البطالة بين المواطنين السعوديين إلى 10.5 في المائة في عام 2009، بما في ذلك 30.2 في المائة بين الشباب، طبقا للبيانات الرسمية السعودية التي تعتمدها منظمة العمل الدولية.