الشركات الأميركية تدفع ضرائب أقل بسبب ثغرات قانونية

عبر التسجيل في الخارج وحيل أخرى

TT

لم يكن بمقدور شركة «كارنيفال كوربوريشن» أن تجري قدرا كبيرا من الأعمال التجارية دون الحصول على مساعدة من جهات حكومية متعددة. وتحافظ قوات خفر السواحل الأميركية على أمن البحار بالنسبة لسفن الرحلات التابعة للشركة. ويمكن لضباط الجمارك استغلال الرحلات البحرية التابعة لشركة «كارنيفال كوربوريشن» والسفر إلى دول أخرى. وقد بنت حكومات الولايات والحكومات المحلية طرقا وجسورا تؤدي إلى الموانئ التي ترسو فيها السفن التابعة لشركة «كارنيفال». ولكن أكبر فائدة تجنيها الحكومة الأميركية من شركة «كارنيفال» قد تكون السعر الذي تدفعه مقابل العديد من هذه الخدمات. وعلى مدار السنوات الخمس الأخيرة، دفعت الشركة ضرائب تجارية إجمالية - فيدرالية وحكومية ومحلية وأجنبية - تساوي 1.1 في المائة فقط من أرباحها التراكمية التي تصل إلى 11.3 مليار دولار. وبفضل ثغرة غامضة في قانون الضرائب، ويمكن لشركة «كارنيفال» أن تتجنب بشكل قانوني معظم الضرائب. إنها حالة استثنائية، ولكنها الشركة الوحيدة بالكاد التي تدفع مبلغا أقل قليلا من نسبة الضرائب التجارية الفيدرالية المعلنة في كثير من الأحيان والتي تصل نسبتها إلى 35 في المائة. ومن بين أكبر 500 شركة في مؤشر أسهم «ستاندارد & بورز» الشهير، دفعت 115 شركة نسبة ضرائب تجارية إجمالية – فيدرالية وخلاف ذلك – أقل من 20 في المائة على مدار السنوات الخمس الأخيرة، بحسب تحليل لتقارير الشركات التي أجريت لصالح صحيفة «نيويورك تايمز» بواسطة شركة «كابيتال آي كيو للأبحاث». ودفعت تسعة وثلاثون شركة من هذه الشركات نسبة أقل من 10 في المائة. ويمكن القول إن الولايات المتحدة تمتلك الآن قانون ضرائب هو الأسوأ في جميع دول العالم. ومعدل الضرائب الرسمي أعلى من معظم المعدلات في أي دولة أخرى، وهو ما يجبر الشركات على تخصيص وقت وجهد هائل للعثور على ثغرات قانونية تنفذ بها من الضرائب. ولكن الحكومة تجمع أموالا أقل من الضرائب التجارية مما كانت تجمعه، بسبب الثغرات التي أضيفت خلال العقود الأخيرة. وقال ريتشارد كلاريدا، الخبير الاقتصادي في جامعة كولومبيا والمسؤول السابق في وزارة الخزانة الأميركية إبان فترة حكم الرئيس جورج دبليو بوش: «هناك سر بسيط قذر، وهو أن ضريبة الدخل التجارية تستخدم في جمع مبلغ معقول من الإيرادات». وعلى الجانب الآخر، دفعت شركة «بوينغ»، على مدار السنوات الخمس الأخيرة، نسبة ضرائب إجمالية تصل إلى 4.5 في المائة فقط، وفقا للتقارير التي أجرتها شركة «كابيتال آي كيو». ودفعت شركة «ساوث إيست إيرلاينز» 6.3 في المائة. وتستمر القائمة؛ حيث دفعت شركة «ياهو» 7 في المائة؛ بينما دفعت شركة «برودينشال فايننشيال» 7.6 في المائة، ودفعت شركة «جنرال إلكتريك» نسبة 14.3 في المائة. وقد طالب الخبراء الاقتصاديون لفترة طويلة بإجراء تعديل لقانون الضرائب التجارية، ويقول كل من الرئيس أوباما والجمهوريون الآن إنهم يفضلون إجراء تعديل أيضا. ولكن هذا الأمر لن يكون سهلا. ولا تعارض الشركات التي تستخدم الثغرات لتجنب دفع الضرائب النظام الحالي، بالطبع، وتمتلك عددا غير قليل من جماعات الضغط تحت تصرفها. والوضع الرسمي لجماعة «بيزنس راوند تيبل»، وهي واحدة من أهم جماعات الضغط التجارية يحكي عن الموقف. تقول جماعة «بيزنس راوند تيبل» إنها تدعم إصلاح الضرائب التجارية. ولكنها تفضل بالفعل فقط إجراء تخفيض في معدل الضريبة. وترفض الجماعة القول عما إذا كانت تفضل أيضا تقليل الثغرات. وفي الواقع، ترغب جماعة «راوند تيبل» في إجراء تخفيض للضرائب لأعضائها بغض النظر عن مدى بساطة قانون الضرائب، أو ما إذا كان عجز الموازنة ينمو.

وإيداعات الضرائب بالنسبة للشركات، مثلما هو الحال بالنسبة للأفراد، تبدو سرية. ولكن في تقاريرها العلنية للمستثمرين، يطلب من الشركات ذكر شيء يطلق عليه اسم «الضرائب النقدية المدفوعة»، وهو المبلغ الإجمالي لضريبة الدخل التجارية التي دفعوها خلال ذلك العام، سواء كانت لحكومات أجنبية أم لحكومة الولايات المتحدة أم لحكومة الولايات أم الحكومات المحلية. ويتفاوت هذا الرقم بشكل بارز من عام إلى آخر، اعتمادا على عدد الثغرات التي تتمكن شركة معينة من الحصول عليها. لذا يبدو النظر إلى رقم العام الواحد مضللا في كثير من الأحيان، ولكن في ورقة أكاديمية صدرت عام 2008، اقترح ثلاثة أساتذة جامعيين في شعبة المحاسبة، وهم سكوت ديرينغ من جامعة ديوك وميشيل هانلون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وإدوارد مايدو من جامعة نورث كارولينا طريقة جديدة لتحليل التهرب من الضرائب التجارية. وتقارن هذه الطريقة بين الضرائب النقدية المدفوعة على مدار عدة سنوات - مثل الضرائب الخمسية، كما حدث في تحليل صحيفة «نيويورك تايمز»، وبين أرباح ما قبل الضرائب خلال نفس الفترة. ووصف خبراء المحاسبة الذين التقيت بهم هذه الطريقة بأنها أفضل طريقة متاحة لدراسة الضرائب التجارية. وتظهر بعض الأنماط الواضحة، ويمكن أن تخصم الشركات التي خسرت مبالغ مالية كبيرة في السنوات السابقة، هذه الخسائر المتوالية من أرباحها الأولية وأن لا تدفع الضرائب إلى أن تحقق أرباحا متسقة. وتندرج شركة «ياهو» ضمن هذه الفئة. ومن بين كل الأسباب الداعية لامتلاك معدل ضرائب منخفض، يمكن أن تكون هذه الطريقة هي أكثر طريقة يمكن الدفاع عنها، حسبما ذكر خبراء اقتصاديون. وتتمكن شركات أخرى من تجنب دفع الضرائب عبر إنفاق مبالغ كبيرة على شراء معدات أو إنشاء مبان جديدة. ويمكن أن يتم خصم هذه النفقات في كثير من الأحيان. وعلى سبيل المثال، اشترت شركة «ساوث إيست إيرلاينز» الكثير من الطائرات على مدار السنوات الخمس الأخيرة. وتوسعت العديد من شركات الطاقة الأخرى التي لديها معدلات ضرائب أقل من 2 في المائة، مثل شركة «نكست إيرا» وشركة «إكسيل» وشركة «رينغ ريسورسيز» بمثل هذه الطريقة. وتبدو مجموعة ثالثة من الشركات ببساطة وكأنها قد أصبحت خبيرة في تجنب دفع الضرائب. وعندما حلل الأساتذة الجامعيون الثلاثة في مجال المحاسبة أكثر من 2.000 شركة، وجدوا أن هناك تباينات كبيرة في معدلات الضرائب داخل كل مجموعة فرعية من الشركات تقريبا. ودفعت الشركات الموجودة في نفس المهنة معدلات مختلفة جدا في كثير من الأحيان، حتى على الرغم من أنها كانت متشابهة في الحجم. وتتميز شركة «جي إيه» بأنها جيدة جدا في تجنب دفع الضرائب لدرجة جعلت بعض الأشخاص يعتقدون أن إدارة الضرائب في الشركة هي الأفضل في العالم، وحتى أفضل من أي شركة قانون أخرى. وهناك استراتيجية أخرى شائعة وهي تعظيم مبلغ الربح الذي يتم اكتسابه بشكل رسمي في دول ذات معدلات ضرائب أقل. وتدفع شركة «كارنيفال» قدرا بسيطا جدا من الضرائب بشكل جزئي بسبب وجود بند يسمح لبعض شركات الملاحة التي تأسست بشكل قانوني في الخارج (مثل بنما كما في حالة شركة «كارنيفال») بتجنب دفع الضرائب. وحقيقة أن المسؤولين التنفيذيين لشركة «كارنيفال» يوجدون في ميامي أو أن العديد من الركاب يركبون من مدن بالتيمور ولوس أنجليس وميامي ونيويورك وسياتل، أو حتى حقيقة أن شركة «كارنيفال» لا تدفع قدرا كبيرا من الضرائب في بنما ليست ذات جدوى. وتميل الشركات التي تدفع معدلات عالية نسبيا إلى أن تكون مثل الشركات التي تتوسع بشكل سريع والتي لا تكون حاذقة في تجنب دفع الضرائب مثل شركة «جي إيه» فيما يتعلق بالضرائب على الأقل. وكان متوسط معدل الضرائب الإجمالي للشركات الخمسمائة سالفة الذكر على مدار السنوات الخمس الماضية، ومن بينها مجددا الضرائب الفيدرالية والحكومية والمحلية والتجارية الأجنبية هو 32.8 في المائة. وكان من بين الشركات التي تدفع معدلات أكثر من المتوسط شركات «إكسون موبيل» و«فيديكس» و«غولدمان ساكس» و«جي بي مورغان تشيس» و«ستارباكس» و«وول مارت» و«والت ديزني». ومشكلة النظام الحالي هي أنه يشوه الحوافز. ويمكن أن تصبح القرارات التي ستكون غير كافية لأي شركة بخلاف ذلك - والتي تعتبر غير كافية بالفعل للاقتصاد الأكبر، ذات جدوى عندما تتسبب في حدوث تخفيضات كبيرة للضرائب. وحسبما قال أسواث داموداران، أستاذ المالية بجامعة نيويورك: «يجب أن تقوم الشركات باستثمارات اعتمادا على قوتها التجارية، وليس لأسباب ضريبية».

* خدمة «نيويورك تايمز»