لا ننسى الجدوى الاقتصادية للمشاريع الصحية

سعود الأحمد

TT

الملاحظ أن إبراز الجدوى الاقتصادية للمشاريع الحكومية، أمر مُشاح عنه!.. فعندما يتم بناء مركز طبي متقدم يناهز في مستواه ما عليه الخدمات الطبية العالمية، فإننا لو حيدنا الاعتبارات الإنسانية والاجتماعية، فإن هذا المشروع يبقى مصدر دخل (غير مباشر) للمواطن وللاقتصاد الوطني بالكثير، لأنه سيوفر تكاليف سفر وعلاج وإقامة المواطنين المسافرين للعلاج في الخارج. بل إنني أتمنى لو عملت دراسة ونُشرت عن تكاليف إنشاء المراكز الطبية، تتضمن توضيحا لحجم وتكاليف منتجات هذه المشاريع، مقارنة بتكاليف العلاج في الخارج، إضافة إلى عوائد تراكم الخبرات والعوائد الأخرى التي يجنيها الاقتصاد الوطني على المدى القصير والطويل.

ومن ذلك.. يمكن قراءة خبر إنشاء مركز الملك عبد الله للأورام وأمراض الكبد، الذي أعلن عنه قبل أشهر، على أنه سيعود على الاقتصاد الوطني بالكثير، باعتباره واحدا من أهم روافد بنية الخدمات الصحية السعودية، كونه يولد في رحم مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث ليستفيد مما تراكم لديه من خبرات وبحوث علمية باعتباره أهم مركز أبحاث متخصص في هذا المجال، ولأن الواقع الذي نعيشه أنه ما من أسرة سعودية إلا وفقدت أحد أفرادها أو أكثر بسبب مرض السرطان، على الرغم مما يحويه هذا المركز من تجهيزات حديثة وعالية الجودة وأقسام متكاملة وأجهزة وعيادات ومختبرات بالإضافة إلى أقسام العلاج التنفسي وبنك الدم.. مما سيجعل المركز الجديد متكاملا بمعنى الكلمة.. آخذين في الاعتبار تزايد حالات الإصابة بالأورام الخبيثة، حيث بلغت بحسب إحصاءات السجل الوطني السعودي للأورام، كحالات أورام تم علاجها حتى نهاية عام 2009، نحو 67108 حالات، كما وصل عدد دورات العلاج الكيماوي لمرضى الأورام إلى 57037 دورة، ودورات العلاج بالإشعاع إلى 191139 حالة، في حين بلغ عدد حالات زراعة الخلايا الجذعية حتى عام 2009 2269 حالة.. هذا بخلاف الحالات المسافرة للعلاج في الخارج والحالات التي تتردد على الأطباء الشعبيين والمشعوذين ممن يموتون دون تسجيل حالاتهم بالمستشفيات الرسمية.

وفي تقديري أن خبر هذا المشروع كان يمكن أن يلحق بدراسة جدوى تبين إيجابياته رقميا، بحيث يتم الكشف وبشفافية عن المبالغ التي أنفقت ورصدت لهذا المركز، وما سيوفره لأفراد المجتمع في الحالات الفردية والتكاليف الفعلية التي يتحملها المواطن والخزينة العامة، لو تم الاعتماد على البديل وهو العلاج بالخارج. وهذا بالمناسبة واحد من أهم المداخل لدراسة جدوى المشاريع الحكومية، بل إننا لو تأملنا تكلفة علاج الشخص الواحد من مرضى الأورام الخبيثة وأمراض الكبد في الخارج، لاتضح لنا ما سيوفره مثل هذا المركز على الاقتصاد السعودي. وكلنا يدرك ما يحصل من تلاعب في قيم فواتير العلاج بالخارج وما تستنزفه من خزينة الدولة.

ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإنني أتساءل: لماذا لا نجد مثل هذه المشاريع الحيوية، قد بني على نفقة أحد رجال الأعمال السعوديين ليعالج أبناء هذا الوطن بالمجان أو بأسعار رمزية، أو نجد دعما مجزيا من أحد كبار رجال الأعمال للجمعية السعودية الخيرية لمكافحة السرطان؟

* كاتب ومحلل مالي